وقد رفض إبليس السجود لذياك المخلوق باعتبار أنه مخلوق من طين ،يقول الله تعالى : "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا".فإذن هي الإشارة إلى الشكل الخارجي ولو أنه سوي "غير منقوص"ومقارنة بالملاك أو الجان ،فهو محدود القدرات ،ليست لديه أجنحة يكتسح بها الفضاءات ،ولا تركيبة نارية "طيفية" يتحول في أي صورة شاء ،ولهذا أيضا كان اعتراض المشركين على رسلهم :"قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ" ويقول الله عزَوجلَ:
فالحدث الفجائي هنا اعتمد على الرؤية أي على "العين" فهي قد رأت شكلا لاتعلم عنه شيئا سوى أنه كائن بشري سوي ليست به عاهة ،وفقا لشكله الخارجي "البيولوجي" .
ويقول الله عزَوجل : فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا"
إذن فمادامت الصورة تتشكل تبعا للرؤية ،فمن تراه مريم عليها السلام ،فهو بشر ،ولكن عندما يدخل الفعل في مجال الكلام أي مرحلة مابعد الرؤية ،فمن تبادله التصرف ،فهو إنسي أي كدلالة على نوع جنسه ،فهو من الإنس ،،،أي المكلَف بعبادة الله على ظاهر الأرض لايشمله التخفي ،ولهذا لوتدبرنا القرآن الكريم ،فإن لفظ "الجن يقابله لفظ الإنس" ،فذاك يعمل في الخفاء وآخر ،يدب على الأرض مكشوف الصورة . يقول الله تعالى :"وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ" أي رأيتم منهم رشدا .
ولماذا " لن أكلم اليوم إنسايا،وليس " بشرا" أو " إنسانا"؟
لأن لفظ " بشر" يدلل على الشكل الخارجي وحسب ،والذي أشرنا إليه سابقا
ولأن لفظ" إنسان" على وزن "نسيان ،نكران ،نقصان" يشير إلى مخلوق زوَده الله بالعقل ،ووفرَ له سبل العيش والهداية ،ورغم ذلك ينتقص إلى الكمال العقلي و النفسي ،وبالتالي فهو محلَ عتاب إلهي .
يقول الله تعالى : "قتل الإنسان ما أكفره "
خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ"
"إن الإنسان لفي خسر"
فهي لن تكلم إنسيا ،لأنها بالكلام مع ذياك المخلوق"البشري" ،تكون قد تعدت مرحلة الرؤية إلى التعامل ،وهل المتكلم معها صالح أم طالح "إنسان"،فليس ذاك من اهتماماتها ،سوى إمتناعها عن إحداث حوار بينها وبينه ،كونها في دائرة الإنتماء الإنسي،أي من الإنس ، مكشوف الصورة مقارنة بالجن .
........
وإذا لفظ "إنس يقابله جن"
وإنسان يقابله جان"
فبشر ماذا عساه يقابله ؟
وإذا" بشر" ينحصر في مجال الرؤية ، و الجن حراكهم يتمركز في الخفاء ،فتلك حقيقة ثابتة،
فإن لفظ " بشر" تدلل على الملمس أي "البشرة" ،بما أن الجن عبارة عن أطياف .
فهذا "بشر ،إنس وإنسان" وذاك " .طيف،جن وجان"