السطر الشعري (*)
بقلم / عطاف سالم
قبل الاستمرار في القراءة فضلاً اقرأ الهامش أسفل المقال .
************
هذا المصطلح المحدث ليس بعيداً عن مصطلح " شعر التفعيلة " لكن لمَ يُحدث لبساً في بعض الأوساط الثقافية ويُحدث لغطاً وتشويشاً في أذهان الناس ؟!
السبب يكمن في أمرين اثنين :
أولهما : في اختلاف تعريفه من جهة .
وثانيهما : في ارتباطه " جناساً تاماً " بالمفهوم السطحى لمفردة " السطر " التي يعرفها الجميع .
ترى ماهو المفهوم الدقيق والصحيح للسطر الشعري ؟!
يتحدد هذا المفهوم عندي من خلال صورتين تعكسان وجهاً واحداً صحيحاً له :
الصورة الأولى من حيث إنه تركيبة إيقاعية متكررة التفاعيل أو الوحدات بصرف النظر عن عدد تلك التراكيب أو تلك التفعيلات .
والصورة الثانية من حيث إنه دفقة شعورية تكون قد اعتملت أو اختمرت في نفس الشاعر فخرجت في كلمة أو في جملة أو ربما في أكثرمن ذلك كمقطع مثلاً .
وعليه فإن السطر الشعري من حيث الشكل هو الصورة الأولى ومن حيث المعنى هو الصورة الثانية ولايمكن اعتباره كذلك مالم يجمع بين الاثنين وإلا اعتبر " سطراً " عادياً !
ولايرتبط السطر بانتهاء المعنى - كمايذهب البعض - قدر انتهاء الدفقة الشعورية نفسها التي تحتمل ربما كلمة واحدة أو مقطع " مكون من سطرين مثلاً " حسب التجربة الشعورية التي عاشها الشاعر .
وهذه الدفقات الحقيقة هي التي تتحكم من بعد في عدد السطور وعدد التفعيلات في " السطر " الواحد , فمتى ما فرغ الشاعر وانتهى من نفثته أو دفقته الشعورية ومهما أخذت منه من حيز عٌدّت تلك الدفقة أوالنفثة سطراً شعرياً .
ويمكن أن تعد القصيدة كلها سطراً شعرياً واحداً , أو جملة شعرية واحدة باعتبار الحالة الشعورية أو الحسية الخاصة خاصة ً إذا كانت تمثل صورة واحدة متناغمة ومتجانسة في اللغة والتخيل والآداء .
وتتنوع القافية في السطر الشعري حسب حاسة الشاعر الموسيقية ورغبته في التنوع من عدمه , ولايعد عيباً لو لم ينوّع مادامت تلك الحاسة لصيقة به وقادرة على إيصال المعنى بصورة تقنع المتلقي وترضيه أو تهز أعماقه فيتأثر بذلك , إنما غالباً يكون التنوّع أجمل وأكمل إذ هو سمت النص التفعيلي أو السطر الشعري .
وهنا نموذج لقصيدة السياب " هل كان حبا ؟ " وهي على بحر الرمل ويظهر فيها هذا التنوع الجميل في السطر أو النص :
هَلْ تُسمّينَ الذي ألقى هياما ؟
أَمْ جنوناً بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحبُّ ؟ نَوْحاً وابتساما ؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرَّى ، إذا حانَ التلاقي
بين عَينينا ، فأطرقتُ ، فراراً باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني ، إذا ما ؟
جئتُها مستسقياً ، إلاّ أواما
إلى أن يقول :
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً ، مما يلاقي ، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما ،
السماء البكرُ من ألوانه آناً ، وآنا
لا يُنِيلُ الطَّرْفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوءِ السجين ،
أهو حُبٌّ كلّ هذا ؟! خبّريني
وقد لايكون في السطر الشعري حشو بمعنى أن تكون هناك تفعيلة واحدة في " السطر" بالمفهوم العادي للسطر " فتكون ضرباً فقط ومن ثم لاحشو هنا .
ويجوزتنوع الوزن في الأسطر الشعرية شرط أن يكون هناك تكامل فني أو بداية لمقطع جديد
وينبطق هذا على بحور الدائرة المختلفة كالطويل والبسيط مثلاً .
أما أن تتواجد أكثر من تفعيلتين مختلفتين في السطر الشعري فهو خلط وعبث وأقرب إلى النص النثري منه إلى الشعري .
وهناك من يذهب إلى أن تفعيلات السطر الشعري لا تتوزع في أكثر من سطر إلا إذا كانت القصيدة كلها موصولة، أو تنقسم إلى مقاطع والمقطع كله موصول عروضيا. ويعتبر هذا أصلا ذلك أن السطر الشعري دفقة شعورية لا تتجزأ ولا تنقسم.. والأصل ألا تتوزع الدفقة الشعورية على أكثر من سطر شعري واحد.
لكن أعتقد أن الدفقة الشعورية أوسع من ذلك بكثير والذي يتحكم فيها هو الشاعر نفسه بمدى رغبته في إنهاء الحالة الشعورية التي هو عليها فعندئذ ينتهي السطر مهما بلغ عدد تفعيلاته ولوكانت واحدة ثم يبدأ سطرشعري جديد بحالة أخرى لاتنفصل بطبيعة الحال عن فكرته الأصل أو غرضه الذي بنى عليه النص .
إنما ينبغي على الشاعر أن يكون حذراً عند بناء سطوره الشعرية من تفعيلات مختلفة منعاً للاختلاط وهنا يمكن موافقة أصحاب الرأي السابق بهذا الخصوص .
وأختم مقالي هذا بسؤال مطروح ومطروق دائماً وهو :
كيف نعرف نهاية البيت في السطر الشعري ؟!
الحقيقة أن كل " سطر " على الورقة يسمى بيتاً وقد يتكوّن البيت الواحد من تفعيلة واحدة أو يتكون من تفعيلتين إلى أكثر....
مثال ذلك منالوافرمثلاً :
1- مفاعلتن
2- مفاعلتن مفاعلتن فعولن
3- مفا
4- مفاعلتن مفا
5- علتنمفاعلتن
فهنا لدينا سطر شعري أو دفقة شعورية أو نص مكون من خمس " سطور " احتوت على 4 أبيات فقط !
ويتحدد نهاية البيت بتسكين آخرالسطر كما في السطر الأول والثاني من المقطع السابق .
أو بنقصان التفعيلة كما في السطر الثالث , لأن السطر الذي جاء بعدها هو بداية لتفعيلة جديدة .
ولو لاحظنا السطر الرابع من المقطع أعلاه نجد أنه مرتبط بالسطر الذي تليه ومن ثم فإن البيت يبدأ من :
أول السطرالرابع وينتهي عند آخر السطر الخامس .
بقي أن أقول إن الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو هذا التساؤل الذي وردني من قبل أحد الأعضاء الكرام برسالة خاصة على منتدى " القصيدة العربية " وهو التالي :
ترى هل السطر الشعري هو الذي ينتهي حين ينتهي نفس الشاعر أو المعنى الذي يريده من الجملة، حتى لو اضطر في ذلك إلى كتابة السطر الشعري في مجموعة سطور من الورقة ( بالمفهوم الأكاديمي ) ..
أم هو المفهوم (غير العلمي) بأن خمسة" سطور" في المقطع الواحد تعد بنفس العدد سطوراً شعرية وليس سطرًا واحدًا فقط ؟!
وأجيبه باختصار شديد جداً أن :
السطر الشعري هو تسمية رديفه لشعر التفعيلة , وأشكره أن ألهمني كتابة هذا المقال الهام جداً بالنسبة لي ولغيري .
ويؤسفني جداً أن أقول :
كما أن هناك خلطاً وتشعّباً وتشتتاً للأذهان في المصطلحات النقدية نتيجة لأسباب عدة قد تعود للناقد نفسه أو لتجدد الأغراض الشعرية وتنوعها أو لثقافة البيئة فإن لغطاً وتشتيتاً وتسميات متقاربة وليست مختلفة عن بعضها البعض تطلق على الشعر الحر أيضا .
هذا وأسأل الله التوفيق والعون والسداد
الأحد 19/12/1430هـ
____________________________
(*) إذا وضعت كلمة سطر بين مزدوجين فإنني أعني بها المفهوم الشائع العادي بعيداً عن مفهوم الشعر وعلاقته بذلك .
ويمكن تسميته بالسطر " غير الشعري " أو " السطر الورقي " إن صح التعبير .