مساء الأحد ..ارتديت ُ بدلتي الأجمل ، واخترتُ ربطة عنق مناسبة ، ووضعتُ عطريَ المفضل ، وكنت قد قررت ُأن أجلس في مكان قريب أتناول فيه فنجان قهوة ، وأخذت أرصد وجوه العابرين ...
كنت ُ أنظر ُ لساعتي باستمرار ، وأرقب ُ اللوحة الكبيرة التي تحمل مواعيد وصول الطائرات ..
شعور ٌ غريب شعرتُ به عندما أيقنتُ أن طائرتها قد نزلت أرض المطار ، وحجزتُ لنفسي مكانا بين جمهور الواقفين المستقبلين ....وكلما برزت امرأة أو فتاة ، تتسارع نبضات قلبي ...هل هي بينهم ، هل ستكون التالية ؟ هل ستبرز الآن ؟
كانت الأفكار تختلط داخلي كيف أستقبلها ، هل أنتظر حتى تصل إلي ؟ هل أبقى جالسا في مقعد ٍ بعيد ؟ لم يكن عقلي قد استقر على قرار كيف أتصرف عندما ألمحها ..
وما هي إلا لحظات ، وإذا بها تظهر من مسافة بعيدة ، تقود عربة عليها حقيبتان ...ووجدتني أركض بلهفة ، وأتجاوز الناس ، وعندما لمحتني أركض ُ صوبها ، تركت عربة الحقائب ..وأخذت تسير صوبي بخطى مسرعة ...عانقتها ورفعتها بين أحضاني، وكانت ساقاها ترتفع عن الأرض وأنا ألف بها وأقبلها بطريقة هستيرية ...
وعندما توقفتُ عن عناقها ..قلت لها : ما أسعدني بك ! كانت كل ملامحها مبتسمة سعيدة ..
التقينا إذن ...
قالت لي : كيف حالك واعتذرت لأن العبارة خرجت متأخرة ..
رددت ُ عليها : لا تعتذري ...فقد مر ّ وقت طويل جدا من رحلة العمر وأنا أبحث عنك ..
مسكتُ بيدها ..وأخذ تُ أدفع عربة حقائبها بيدي الأخرى ...كنت لا أصدق أن يدها بيدي ...وكانت لا تصدق أنها الآن معي ...شعر كل واحد منا أن ذاكرته قد ارتوت ، فقد كان كل الحنين كله لها / لي .
كنا نسير وابتسامة عريضة تغطي وجوهنا ، وكنت ُ أتحدث ببعض كلام ٍ لم أفهمه ، كان َ يخرجُ بطريقة ٍ عشوائية ..وكانت تشعر ببعض الإرتباك والخجل والفرح ...
خرجنا من قاعة المطار ...ننشد ُ سيارة أجرة تقلنا إلى فندق ينتظرنا ...
للعيون ِ لغة ٌ يقرأ تفسيرها كل ّ شخص ٍ على طريقته ، ويفك ّ رموزها حسب قدرته على تفسير ما تحمل ُ من المعاني الساكنة فيها ...وهناك َ حب ّ تكون شرارة اشتعاله وتمكّنه من النفوس نظرة ُعين ...
ومن هنا كانت البداية ، وللبداية تفاصيل كثيرة ، أتوقف ُ كثيرا ً في لحظات تأمل ٍ أستعيد ُ شريطها ، وأحيانا أجدني غارقا في تفاصيلها ، ربما لأن ّ البداية هي دائما ما نحن ّ لها ...
وكم نفكر ّ في الكلمة الأولى التي تقودنا للبوح بما يجيش ُ في نفوسنا ، الكلمة الأولى ..وما تقودنا لراحة ٍ ننشدها بعدها ، وكأننا نزيل بها أثقالا تُتعب ُ كاهلنا ...
فالعيون ُ في النهاية دهشة وذهول ، تُعبّر ُ ما يحول بين الشفاه من كلام وأسئلة : كيف حدث َ كل ّ هذا ؟
كثير من الأسئلة ما فكرت ُ يوما بطرحها على نفسي ، كنت ُ أبتعد ُ كثيرا عن الإقتراب منها ، وأواصل الأرق داخلي ..وكانت الأشياء داخلي لا تعرف الصمت ، في حالة يقظة ٍ دائمة ، ولطالما كنت ُ أجد ملاذا في الكتابة ..الكتابة عن أي شيء ..حتى أترك َ نفسي في حالة انشغال ، لا أنتبه لتفاصيل عابرة في يومي المكتظ بالأشياء ، بوجوه ٍ مُعتادة ، وأحاديث تكاد تكون مكررة ...
كان لا بد ّ أن أقترب َ منك أكثر ، وأحاول أن أكسر جليد الصمت الذي يسكن كل حروفنا ، هي كلمة واحدة وتنير دروب الحوار المشتهى ، وتفتح النوافذ َ لحديث ٍ لطالما تخيلته ، أو تمنيته ..أليس الخيال ُ في النهاية أمنيات أو الأمنيات محض خيال ٍ عابر ، نرسم فيه الأشياء كما نريد ونشتهي ..
كان لا بد ّ أن أبحث َ عن شكل الكلمة الأولى ، وأكون بارعا ً في معرفة صداها ووقعها عندك ، فالكلمة كالرصاصة ، لا نملك استعادتها حين تخرج ُ من جوفنا ..
فكيف إن كان مصدر تشكيلها قلوبنا !! وكان َ علي ّ أن أدرك أن كلمة هي أهم كلمة ، تفوق ُ في حروفها سطورا كثيرة حملت كلمات متراكضة كحلم مسافر ..
كلمة يرتعش ُ له وجدان وتتراقص معها جوانح ، وتوقظ ُ اللغة َ من جديد ، وتعيد ترتيب َ الأشياء أكثر ...تختصر أبجدية العيون ، وصمت الشفاه .
لطالما حاولت ِ إقناعي أنّك ِ لست ِ تلك الطفلة التي تغريني جدائلها ،
في الحقيقة لم أصدّق كل محاولاتك ، وكان هروبك لا يقترب من قناعاتي ...
فكيف لك ِ أن تُفسّري سر ّ تعلقك ِ بي ، وانشغالك بأخباري ، وتتبعك خطواتي
ورصدك ِ لي في كل وقت ...وما سبب مطاردتي دائما بأسئلتك ؟ !
هل هي رغبة منك في مقاسمتي ذاكرتي ؟
ربما ستغادرين ذات قرار حروفي وتقررين عدم الكتابة إلي من جديد ...
لكنّك على يقين أنني لن أغادرك ، فأنا أعلم أنني أسري في أوردتك ..
وأعلم ُ حجم حضوري في دمك ...
سؤال ٌ يحيّرك كما يحيّرني تماما ، كيف أصبحنا في لحظة ٍ نسخة ً واحدة ..
ذاكرتنا واحدة ، اهتمامنا بكل شيء واحد ..ذات الأسباب التي تبعث الفرح في نفوسنا
كتلك التي ترسم الدمعة في عيوننا ...
ربما كنا نسخة لمشهد ٍ متعدد الألوان ، متقلّب الأحداث ، كان للصدفة الأثر الكبير في صياغتها
في باديء الأمر ثم تولى القدر صياغتها بعد ذلك ...
كان يدهشني وأنا أمارس تحولي من رجل يعيش في حرية طاغية ، رجل يعيش في أطوار تمرده
على الرتابة والموروث ، إلى عاشق ٍ عالق ٍ في تفاصيلك ..
فجأة ...أصبحت ُ أمارس هواية جمع َ أيامي وساعاتي وأوقاتي معك ...
حتى قصائدي المتناثرة قبلك ، ها أنا أعتني بكل واحدة كتبتها لك ، ما كنت ُ أشعر ُ قبلك ِ أنني في لحظة
قد أكون قصيدة ..أراني فيها كما أراك ِ تماما ..
ربما لأنّك ِ لم تكوني مجرد لوحة ...كنت ِ رحلة لأحداث غنية بالحنين والرغبة ، مليئة بالتفاصيل والشوق ..
لذلك أميّزك ِ دائما عن كل الأخريات ...
كم كان يجذبني تناقضك ، فوقارك يشعرني بأنك سيدة الأشياء ، رزانة المرأة الشرقية التي تثق بنفسها أمام
كل المتغيرات ، التي تحمل عقلا راجحا ، ونظرة صائبة ...والطفلة التي بداخلك ، التي تثير كل ّ غرائزي ،
بنظرتها الحالمة ، وحركة ملامح وجهها ، وضحكتها المليئة بالجنون ...
على غير العادة ، كانت رحلة هذه الطائرة مختلفة ، فقد جلس في مقعده بالقرب من نافذة محاذيا لجناحها ، وهو يملأ ثقوب َ ذاكرته بتقاصيل لقاء ٍ لم يبرح ْ بعد دائرة خياله
وجحافل ٌ من الأسئلة تغزو خياله ، كيف سيلتقيها في مدينة ٍ لا يعرف فيها أبسط التفاصيل ، ما هي ملامح اللقاء الأول ، والحديث الأول والإبتسامة الأولى والكلمة الأولى ، وحده كان يُرتب تفاصيل اللقاء المشتهى .
لم ينتبه لملامح المسافرين ، ولم ينشغل بحديث مع تلك التي اتخذت من مقعد ٍ جواره ،كان يريد أن يخلو بنفسه ، يرسم ُ كل ّ شيء سيخرج من دوائر الخيال والحلم لواقع يعيشه بأدق تفاصيله ....
تعلّق َ بها لينسى كل ما يعرفه ، وتعلّقت ْ به لتكتشف ما تجهله ولا تعرفه ...أيّ حب ٍ هذا الذي اقتحم قلبه الهائم َ وقلبها الحالم ...!!
هل تشعر ُ بالرغبة التي يسكنها أكثر من مستحيل ، والشوق الذي يُحاصره أكثر من الشوق ..ها هو قادم ٌ إليك ، ليكون عالمك ِ الممكن ، يحمل ُ ما تمّت ْ مصادرته من أحلام داخل نفسه المرهقة ، يحمل ُ حنانا يختفي خلف صرامته ووقاره ...
الطائرة تُحلق ُ في فضاء ٍ مختلف ، لم يجذبه منظر الأرض من الجو ، وهو الذي لطالما كان َ يجد ُ مُتعة ً في مراقبة الدنيا من الأعلى ، شكل البحر ، تضاريس الجبال والشوارع والبنايات التي تظهر كنقاط منتشره ...كان يُفكر ُ في أنثى هناك فيها ما لايعرفه ، يشدّه ُ ملامحها المتفردة ، وطريقتها في رسم البسمة على عيونها ، ثغرها ، خدودها ...كان يشعر ُ أنه منذ البدء كان مستعدا ً ليحب ّ أنثى تشبهها تماما ، أنثى تحمل كل تفاصيلها ورقتها وعذوبتها ، أنثى تستحق ُ أن يجتاز المرء كل هذه المسافات ليكونها في لحظة ...لوجه ظل ّ يطارده بين كل الوجوه ...
هي رحلة تختلف عن كل رحلاتها صوب عاصمة ستصبح بعد قليل المدينة الأحب لقلبه ، المدينة التي ستحمل نسيج حكاية ٍ لا تنتهي ، وتحمل ُ تفاصيل لا تتكرر ..مدينة ٌ هي
له ولها ، لا يربطه بتلك المدينة سوى أنثى بحجم حبيبته ..
كان يرفض أن يزاحم شريطا يرسمه أي شيء آخر ، يريد أن يتأملها وحدها ، دون أن يخدش َ خياله أي حضور لأي شيء ٍ عابر ، لا يريد أن يعترف بأي شيء ..أو يفكر بأي شيء ، فقط كان ما يشغله عقارب الساعة الباردة في فضاء تزدحم فيه الغيوم ووجوه مسافرين لا يعرف عنهم أي شيء ولم تجذبه ملامحهم ...
ربما التأمل ُ نعمة لمن ْ يعرف كيف يسافر في الخيال ، وكيف ينسج من اللاشيء كل شيء ...ربما التأمل هو انتصار على الحواجز وكسر للرتابة والإقتراب أكثر من الحلم دون معوقات ...
هل يا ترى وصلت ِ إلى المدينة الحلم ؟
كثيرة هي مواعيد السفر التي تسكن ُ ذاكرتي ، وكل واحد ٍ منها كان َ يحمل رغبة ً تختلف ُ عن الأخرى وغاية ً لا تتطابق ُ مع سابقتها ، هذه المرة الأمر مختلف جدا،
ها أنا وأثناء ترتيب حقيبتي ، ترتعش ُ يدي ، أتوقف ُ للحظات ٍ أرسم شريط َ تفاصيل أكاد ُ أحفظها وأعرفُ خفاياها ،ورغم َ ما تحمله الطريق ُ من رتابة وضيق ، وملل ٍ تنفر ُ منه النفس ، إلا أنني على غير العادة أجدني أنتظر لحظة الإنطلاق .
أتخيل ُ شكل َ قصيدتي الجديدة ، وما يحمله حضورك الواضح فيها ، فهذه المرة ستكون حروفها أكثر تعبيرا عن كل القصائد التي سبقتها ، ستكون ترجمة ً واضحة لتفاصيل أعيشها ، سيكون للكلمات رائحة عطرك ، وجمال أنفاسك ،في هذه المرة أراني قريبا جدا مني ،هذه المرة على غير العادة لا تقلقني طريق السفر ولا ضجيج المعابر والحدود ،ولا ساعات الإنتظار في المطار ...ما أفكر ُ به تماما وما يشغلني
هو أنت ..هناك على الضفة الأخرى من الشوق ،كيف ستكون ملامح اللقاء ؟ كيف ستخرج ُ الكلمات من شكل الرسم إلى صورة المشهد البصري ، كيف أستطيع تأمل َ حضورك المدهش ، كيف تنطقين الكلمات وترسمين الإبتسامة ؟ .
كثيرة هي العناوين التي تستوقفني ، أحاول شوقا ً أن أفك ّ كل الرموز ، أريد هذه المرة أن أقرأك ِ بالأبيض والأسود ، دون ألوان ٍ وأقنعة ...أريد أن أراك بوضوح وغرابة ، أراك في دائرة الرموز المبهمة ، كما تكونين في لغة ٍ واضحة ..
ربما أنت تساورك ِ الكثير من الأفكار ، ترتبين َ لغة ً لحوارنا ، تنتقين طريقة ً للإجابة على كل أسئلتي ، في الوقت الذي تستعدين للإجابة على أي سؤال يحمله لقاؤنا الحلم ...تختلف الإنفعالات والأحاسيس التي تعتري كل ّ واحد ٍ منا ...
وكأننا ما زلنا صغارا نتوجه لقاعة امتحان مدرسي ، تربكنا فكرة الإمتحان ،ربما تلك كانت واحدة من أسباب نفورنا من المدارس ، تُشعرنا ــ نحن المتفوقين ــ أن المدرسة قَيْد ٌ ، نمضي وقتنا بين الكتب ِ التي لا نختارها بشكل قسري ، ومطلوب من ذاكرتنا أن تحمل القدرة على الحفظ ...لنسكب ثمار َ تعبنا وجهدنا وسهرنا على سطور كراسة الإجابة ...
ها أنا أستعد لمغادرة مدينتي ، وتجذبني هناك عاصمة أخرى ، عاصمة تستعد ُ بملامحها الجميلة ، أن تعانق َ رغبتي الجامحة .
ربما سأستعيد شهيتي في التأمل ، وأحلق ُ كعصفور في فضاء البوح ، فتكون القصيدة بحجم حضورك .
هو الليل ُ غريب ٌ في تفاصيله ، في خباياه ، في أحلامه ، في طوله وقصره ، كان َ دائما ً الشريك الأول .
كنت ُ فيه أنا الشاعر ، وكنت ِ أنت ِ العابرة بكل حضورك الطاغي ، لم تكوني مجرد أنثى تعشق ُ الكلمات وتهيم بالشعر ، ولم أكن ْ رجلا ً يشعر ُ بالضعف ِ أمام جمالك ، بل كان هناك ثمّة شيء ٍ أتى بك ِ وجعل نظري يتوقف ُ زمنا ً في محراب ِ ملامحك ..
ربما لأن ّ ملامح الوجوه هي التي تأخذنا إلى حيث لا ندري ، تستوقفنا ، والوجه يستطيع ُ أن يترك َ أثره النافذ َ في القلب ...
في ملامح وجهك كان فيه من الجاذبية والأسرار التي لم أنجح في فك رموزها ، فيه من الملامح التي تعلقت ُ بها ، ملامحك ِ لا تنتمي إلا لك ِ ، لا تشبهين سواك ...
هو الليل ُ الذي حملك ِ في تلك الليلة ، ليبقى ملتصقا بي من بين كل الوجوه ، يثير دائما دهشتي ورغبتي الكامنة ، لأعرف سر ابتسامتك ، وما هو خلف صمتك ، وما تحمله عيونك من سر ّ عميق ...وما تحمله من لون ٍ يُؤثث ُ الدهشة َ في وجداني ..
هل تبدأ شرارة الحب من ملامح وجه !
وكيف لوجوه كثيرة في طريق العمر المزدحم بالوجوه لم تترك ذات الأثر الذي حمله وجهك ! وكيف وجدتني في لحظة مُنحازا ً لملامحك دون سابق تخطيط ٍ ورغبة ٍ مني ...وجوه ٌ كثيرة تداهمنا بشكل ٍ مفاجيء ٍ كل يوم ، ولكنها تسقط في الغياب ، ولا نتذكر تفاصيلها ..
كنت ِ مختلفة ً في كل شيء ، وكأنني كنت على استعداد ٍ قبل أن ألتقيك لأتعلق َ بك حد الدهشة ، ليبقى وجهك ِ حاضرا ً بكل ملامحه في ذاكرة مكتظة بك ..
كل تفاصيل حضورك المدهش أحفظها عن ظهر قلب ، وكأن العمر َ كله يتوقف في لحظة ، وتحمل الذاكرة تفاصيلها دون أن تعكر َ خربشات الزمن تلك التفاصيل ..
تلك الإبتسامة التي كانت أول ما قدّمه وجهك في حضورك الأول ، أحفظ ُ شكلها وزمنها وما حملته من لغة بلا حروف أو كلمات ...
فالإبتسامة أيضا وسيلة للتعبير كما الصمت والكلام ..وربما فيها من الصدق والكذب الكثير ، فيها من التناقضات ، فتارة ً تنبع من القلب وتارة ً تكون صفراء ...تخرج من خلف ِ قناع .
هو الليل ُ الذي أتى بك وقاد َ خُطاك ِ صوبي ، ما زال َ يحملك كل مساء ..
طريقتُك ِ في انتقاء ملابسك ، اهتمامك ِ بأدق ِ التفاصيل، أسلوبك في الحديث ، تعرفين متى عليك ِ رسم َ الإبتسامة ، ومتى تصبح البسمة ضحكة ، وكيف تتفاعل ملامح وجهك مع البسمة والضحكة ، كل ذلك كان َ بدقة متناهية ...
كنت ُ أدرك ُ أنك استثنائية ٌ في كل شيء ، وربما هذا الذي جعلني أتساءل ُ كثيرا ..كيف لي أن أقاوم كل ّ هذا الحضور عندما أقف أمام ورقة ٍ بيضاء وأحمل ُ قلما ً
وأستحضر ُ كل ّ طاقاتي لأهزم بياض َ الورق ِ ، وأنسج ُ قصيدة ً تليق بك ...
فالكتابة لأنثى تحتاج ُ أبجدية ً خاصة وكلمات ٍ غير مُستهلكة ، ومفردات لم تعتادها الشفاه ، لغة بعيدة عن النمطية ، فكيف إن كانت أنثى بحجمك ..!!
الكتابة لك ِ وعنك ِ ، تشعرني برغبة من التخلص ِ من لون ِ الصمت ، من الحروف الداكنة ، وتبعث الرغبة َ داخلي لأجمع كل الأشياء التي تفرغينها داخلي ، كأنك تقتلين َكل ما يجول بي بالكلمات ، وها أنا كلما كتبت ُ لك ِ وعنك ِ امتلأت ُ بك ِ أكثر ..
وأجدني قادرا ً على إعادة الحياة للأماكن المنسية ، فتزيد تعلقي بما أكتبه كلما زيّنت ُ به أوراقي ..والكتابة ُ لك تتجاوز ُ فكرة الكتابة من أجل الكتابة ، فأنت ِ تسكنين حجرتي وقلمي وأوراقي ووقتي ، تحتلين َ كل شيء ..تُحيلين الليل َ لعالم ٍ جميل ، واستطعت ُ مؤخرا ً أن أكتشف َ أن الليل َ وحده الذي كان يهزمني ، لأنني كلما استحضرتك ِ وأوراقي وقصائدي كنت ُ أخلو بنفسي ..وكنت ُ أتجرد ُ من كل شيء ، وأهرب من ضجيج العالم وتفاصيل اليوم المرهقة ، وأخلو بك ِ ...
كنت ُ أجيد ُ اقتحامك ِ والولوج لكوامنك ، والإقتراب أكثر َ من طبيعتك المتفردة وحضورك المدهش في الذاكرة ..وأراني أجلس على مقعد ٍ بين العقل واللاعقل ..وأقترب ُ أكثر من ذلك الحد الفاصل بين الممكن واللاممكن ..
كنت قادرا ً على كتابتك ِ دون حدود ، أستطيع أن أترجمع َ بالكلمات ما تعجز الظروف عن اتاحته لي / لك ..فكانت الكتابة لك مساحة ضوء تلغي العتمة بيننا ..وترسم ُ الصورة بوضوح ٍ دون رتوش ..
يا امرأة ً مختلفة في كل شيء ...يا امرأة تشبه وطنا ً بتضاريسه وأحلامه ووجعه ..
امنحيني دوْر َ البطولة مرة أخرى في روايتك المحببة إلى قلبي ..دعيني أعلن التمرد َ على الحدود والحواجز ، وأرسم ُ الرجولة والأنوثة بمقاييس غير نمطية ..
كل شخص ٍ أحبّك ِ ..سرق َ قلبك ِ ..اقترب من أهدابك ، لم تُقطع يده ، ولم ينل عقابا ..كان َ لهم كل شيء ..ولم يكن ْ لي غيرك أنت ..ولا أريد سواك .
الوليد
آخر تعديل الوليد دويكات يوم 10-14-2014 في 08:34 PM.
لليل ِ عادات ٌ كما المواسم ..كما الفصول ..كما جدائلك ِ ..بعضها يأتي في وقت ٍ متأخر ٍ كما كلماتي التي كتبتها لك ِ ..كما حروفي التي تعانقت يوما معك ..
ما أجمل َ أن تعرف َ أنثى تحترم ُ موهبتك ، تحرص ُ على اهتماماتك ، وتقاوم ُ جروحك ، تقرأ ما يدور في كوامنك ، تقترب أكثر من فكرك ، من نظرتك للأشياء ..
لذلك كان دائما ً ثمّة شيء ٍ يركض ُ داخلي ، يتجه ُ نحوك ِ ، يبحث ُ عن كل الطرق المؤدية إليك ِ ...لذلك كانت الكتابة لك لها متعة ٌ خاصة ...
وفيها وجدت ُ جوانب َ مشرقة كثيرة ، وتذوقت ُ حلاوة الإحساس بالحرية ، والتمرد على قيود ٍ كثيرة ..عشت ُ مع شخصيات ٍ صنعتها من الخيال تارة ً ...وأحيانا التقطها من الطرقات في مشوار الحياة ، ولم يكن يعنيني أن أبحث َ عن وجوه ٍ تشبهني ، فهذا يجعلني أكثر َ قدرة ً على اكتشاف نفسي ..وربما كان يشغل من يقرأني لمن أكتب أو عن من أكتب ، وهذا الأمر لم يكن يُشكل منعطفا هاما في الكتابة ...فيكفي أن أشعر بيني وبيني أنني أعيش في عالم جميل له طقوسه وتفاصيله ، أعيشه بحرية دون رتابة ونظام ترسمه القوانين والعادات ...فنجاح كتاباتك أن يشعر َ من يقرأك أنك تكتب عنه أو له ...أن يتقمص الشخوص التي ترسمها ، أن يقترب َ من كلماتك دون تخطيط مُسبق
والكتابة ُ تستيقظ ُ كأنثى جميلة ، بروعة حقيقتها المتجردة من كل أقنعة ، بلا مساحيق ..تغسل ُ وجهها بالماء والصابون ، وتسرّح شعرها ، وملامح الليل ظاهرة على وجهها ..واضحة كالمرايا ، في عيونها حكاية ٌ جديدة ، نظرات ٌ غامضة ، وسائل مختلفة للإغراء الذي يملأ نفوسنا بالدهشة ..ويعيد ترتيب الشوق في وجداننا ...تساعدنا في التعبير عن الأشياء ، تمنحنا القدرة على التنفس ..وأن نقف َ بوضوح أمام أنفسنا ..
ربما كنت ِ وحدك من يملك القدرة على القراءة دون أن أنحدر َ معك ِ إلى سراديب غامضة داخلي ، وأن تقتربي من مساحات عميقة لم يقترب منها أحد ٌ قبلك ..دون أن يرشدك أحد أو يمسك بيدك وأنت تنحدرين في دواخلي ..
عندها نسيت ُ أن أعانقك ِ نيابة ً عني ، وأن أتأملك ِ أكثر نيابة ً عني ، نسيت ُ أن ألتقط َ لي صورة معك تبقى بجواري تُزيّن جدار الذاكرة ..أن أطلب َ منك نسيان ما مر ّ من زمن ٍ قبل لقائنا ، وأستبقيك معي إلى الأبد ...أو إلى ما بعد الأبد .
الليل ُ بكل ّ ما فيه من صمت ٍ يحيط ُ بي ، كنت ُ أحاول ُ أن أشاهد َ أي ّ شيء غير نفسي ، كنت ُ أشفق ُ علي ّ وأنا أحرق ُ لفافات ِ التبغ ، وأستغرق ساعات ٍ كثيرة بين
المفردات والحروف ، كنت ِ حاضرة ً بكل أنوثتك ، تلهمين َ قلمي ، وتنسجين لي ملامح الرحلة في كل مساء ، حاضرة رغم الغياب ، ورغم الصمت ِ المحيط بي ، ربما الصمت ُ أحيانا يكون رغبة ً نبحث ُ عنها لنهرب من ضجيج العالم ، ربما نبحث ُ عنه كالنسيان ، حتى نقاوم ما تحمله الذاكرة من عواصف تقودنا إلى منحدرات ، نحاول ُ التصدي لها لكنننا نصطدم بصخور الشوق ، وتتكسّر كل المحاولات عند زلّة ذكرى .
ها أنت َ تركض لاهثا ً خلف َ ماض ٍ لم تستطع ْ التخلص َ منه ، تسترجع ُ ملامح ابتسامة ٍ غير واضحة ، أليست الإبتسامات كعلامات الترقيم ، هناك من يعرف كيف يضعها في مكانها بين الكلمات وأثناء الحديث ، يعرف ُ كيف يستخدمها بديلا عن التعبير بالكلام .
هو القدر ُ الذي جعل هذه العلاقة الوطيدة بيني وبين الليل ، فأصبح ملجأي الوحيد ، ويفتح لي نافذة ً أراقب ُ الأشياء من بعيد ، يُخرجني من الصمت ِ إلى البوح ، ومن السريّة إلى النور ...
هو الليل الذي وجدتني دائم الإنتظار له ، وأخاف من بزوغ فجر ٍ جديد يبدد ُ ما يمنحه لي من فرصة ٍ لأكون وحدي ، بعيدا عن ضجيج النهار ، ربما هي رغبة للكتابة لك ِ في الظلام ، لأن ّ حكايتنا أشبه بشريط ٍ مُصور أخاف عليه الإحتراق إن باغته ضوء الشمس ...لأنك أنثى تعيش في سراديبي التي يعرف تفاصيلها سواي ...وكم هي سعادتي وأنا أستعرض هذه الأوراق المتناثرة أمامي والتي تحمل ما كتبته لك وعنك ، وبقي أن أختار شكلا ً لغلاف يحملها كتاب ٌ إليك ...
أحاول ُ أن يكون َ الكتاب ُ أنيقا ً ، يليق بأناقتك ، بنظرتك للأشياء ، فأعلم ُ كم تُحبين َ الأشياء الأنيقة وتعشقين النظام ، وتحرصين على الدقّة في كل شيء ...
لا عليك ...قليل ٌ من الصفحات ، وستنتهي الرحلة ، وستكون ذاكرتي أمامك ..قليل من الصفحات لا بد ّ منها ، لأرسم َ بالكلمات ما يليق بكبريائك ، ويبقى ترتيب مقدمة لهذه الحكاية ، فحكايتي معك لها بدايات ٌ كثيرة ، فأي ّ بادية ستكون شرارة البدء !!
رغم أن النهايات يرسمها القدر .
ربما يراودك ِ شعور ٌ بما تحمله المسافة من وجع ، رغم قربك ِ الشديد من نفسي ،
وحضورك ِ الطاغي في وجداني ، ها أنا قريب ٌ منك ِ قرب أصابعك ِ من ملمسها ،
كما الجنون عالق ٌ في جفونك ، كما الهاجس الساكن في روحك ..هكذا كنت ِ تشعرين
وربما لأنني رجل ٌ مسكون ٌ بالفوضى ، لكنني أعرف كل الطرق في ترتيب نفسي وتفكيري ونظرتي للأشياء ، أستطيع من خلال جلوسي أمام نافذتي الزجاجية الكبيرة ، أن أتأمل َ كثيرا هذا الفضاء وأنا أجلس ُ على حافّة المطر ، هو المطر الذي يقودني لمشاعر مختلفة حد التطرف ، هو المطر يغريني أكثر بالكتابة ، كما التأمل في ملامحك ..كم تشبهين المطر ، وليتك ِ في هذا المشهد الخرافي كنت ِ معي ، وتواطأت ِ معي في نسج فكرة تائهة في هذا الفضاء ..عندها فقط سأتخلى عن التأمل في سماء يجذبني سحرها وجمالها ، وأكتفي بالسفر في عينيك ..عيناك ِ اللتان تحملان ذبولا ً فاتنا ً ، أشعر ُ أمامهما بضعفي وارتباكي ، فيهما الكثير من العمق الذي لم أصل له ، ومن السكون المدهش ، وكيف اجتمع هذا العمق وهذا السكون في آن ٍ واحد !! كيف لمحت ُ
فيهما براءة ٌ تلقائية ، ما أجمل إطالة النظر إليهما ..
ما أجمل الحديث معك لساعات ٍ دون أن نلتفت َ لعقارب الساعة ، كنت ُ أجدك ِ أنثى تحبين طريقتي في قراءة ما أحفظ من القصائد لشعراء عباقرة ، ويجذبني أكثر طريقتك المدهشة في الإنصات ِ والإستماع دون أن تُظهري مللا وضيقا ..
هذا المساء وأنا أجلس على حافّة المطر خلف نافذتي الزجاجية الكبيرة التي تحميني منه وتجعلني أكثر اقترابا ، حدّقت ُ كثيرا في السماء ، وكنت ِتجلسين جواري رغم المسافة الشاسعة ، لم أحاول أن أقترب َ من عينيك ِ ، ربما لأن العتمة َ كانت تحيط بي ، وأنا الذي أعشق الضوء حتى أرى زرقة َ عينيك التي تشبه زرقة السماء وهي صافية ..
هناك َ علاقة ٌ عشقية بين أي شاعر وقصيدته ، يراها كما لا يراها من يقرأها ، يعرف ُ خباياها وأسرارها التي لم يبح ْ بها ، وهناك َ ثَمّةَ اتفاق سري ّ بينه وبين القصيدة ، لا يحطمه سوى دخول قصيدة أخرى لخياله ، عندما يجذبه اللون الأبيض ليملأه بحبر ِ فكره وخياله ...وهو شعور بالإنتصار له نكهة خاصة عندما ينتصر على السطور الخالية بجيش ٍ من الكلمات في بناء القصيدة ...
وليس بالضرورة أن يكتب الشاعر ُ كل ّ ما يرى ، وإنما يكتب فيما رآه يوما ، وبقي عالقا ً في ذاكرته ، ويسعى لترجمته خوفا ً أن لا يراه مرّة أخرى ...
لهذا كان للمكان أهمية ً في تسجيله ليبقى خالدا ً خوفا من غبار الأيام أن تعلوه ، وتزيل آثاره ..كان لا بد ّ أن أجمع تفاصيل أصبحت في خانة الذكرى ، ربما رغبة في استرجاعها قبل الفقد ، وربما هو الحنين للعودة إليها ولو من باب الكلمات والكتابة .