سؤال ٌ لطالما كان َ حاضرا ً ، متى بدأ جنوني بك ؟ متى بدأ تعلقي بك ؟ أفتش ُ أحيانا عن ذلك التاريخ ، وأحاول استعادة شريط البدايات في الذاكرة ، ترى هل كان في أول لحظة ٍ رأيتك ِ فيها ؟ أم في تلك اللحظة التي تحدثنا فيها؟ أم في تلك اللحظة التي انفردت ُ بها مع نفسي وقررت ُ الكتابة إليك ؟
أم عندما ضحكت ِ وكانت ملامح وجهك تحمل براءة ً متفردة ؟ أم عندما بكيت ِ وكانت دموعك صادقة ً في تعبيرها عن ضيقك من مسافة ٍ تمزق ُ حلمنا ؟
لا أدري أي أنثى فيك التي كانت قادرة على استدراجي لهذا الجنون ..لا أدري كيف لإمرأة كأنت ِ استطاعت أن تجمع َ جميع النساء ..في كل مرّة كنت ألتقي امرأة مختلفة ، فأجدني محاصرا ً بقبيلة من النساء ، كل واحدة تأخذني إلى عالمها ، تستدرجني على طريقتها ، فإذا بي دون أدنى مقاومة ٍ مني ، أقع ُ في حبها ، تصبح شاغلتي ، ألم أقل لك ِ أنّك أنت كل النساء ..لذلك لم يكن أمامي سوى أن أعلن جنوني بك بوسائل مختلفة ، لم يكن من السهل جدا أن أحبك بأسلوب واحد ..فكل امرأة فيك تحتاج طريقة لترويض أنوثتها والإقتراب من قلبها وعقلها ...
كنت ِ في الحقيقة أكبر من مجرد امرأة ، تُسرّح شعرها ، وتختار ملابسها بأنقة ، وتلوّن أظافرها بما يتناسق مع ألون زيّها ، كنت مدينة بصخبها وهدوئها ، بأحلامها ووجعها ، برغباتها وحرمانها ، بفرحها وحصارها ، بضحكاتها ودموعها ...
كنت مدينة مكتظة بنساء يختلفن في أحلامهن ، وجرأتهن وخجلهن ، في وقارهنّ وتمردهن ّ ، نساء ٌ من زمن قبل أن يعرف مثلي ما معنى الأنثى وحتى تاريخ لقائي بك ...نساء ٌ يجتمعن في صورة أنثى واحدة ..هي أنت .
ربما أدركت ُ ذلك بعد فوات الأوان ، بعد أن عدت ُ إلى حجرتي التي كانت كما قبل معرفتي بك ، حجرة صامتة ، أجلس في ركن هاديء خلف طاولتي ، وأوراق متناثرة تحمل نصوصا ً كتبتها لك ، وذاكرة مكتظة بك ..
في كل ليلة أسترجع شريطا مذهلا في تفاصيله ، أراقب تحولك التدريجي من أنثى طرقت أبواب وحدتي إلى مدينة مكتظة بنساء ٍ متناقضات ٍ يجتمعن فيك وحدك .
أعود لنصوصي التي كتبتها لك ، أفك ّ رموزها ، تلك الرموز التي لم يعرف أسرارها سوى أنا وأنت ، كيف أستطيع أن أكتب اسمك بطريقتي السريّة ، وكيف تقرأين ما خلف السطور ، وتعرفين دلالة المفردات ...
عرفت الكثير بعد فوات الأوان ، ولم يعد في جعبتي سوى ذاكرة لا تحمل سوى حضورك الطاغي ....هل كنت العاشق المنتصر الذي استطاع أن يسكنك ، ويملأ قلبك وتبقين على رصيف الإنتظار ترقبين عودته ، أم كنت العاشق المهزوم ، الذي أحرق َ المدينة وجلس على حافة الجبل يشاهد كل شيء يحترق ...
أيّتها الجميلة التي غابت ْ في غفلة ٍ منّي ، فجأة أصبحت ْ لا تعرفني ، ربما أخفقت ُ في إقناعك للعودة عن قرارك لأسباب ٍ كثيرة ، فطريقتك ِ في الحديث ِ الأخير كانت كما يكون الحديث ُ بين الأصدقاء القدامى ، يحافظون على رتابة مفرداتهم ، ويختارون أوقات ابتساماتهم ، ويكثرون من هز ّ رؤوسهم في استعادة ذاكرة كانت تحمل تفاصيل بينهم ...فجأة أصبحت ُ غريبا ً عنك ، وكم حاولت ُ أن لا أنفق َ كل ّ حديثي معك في لقائنا الأخير ، لأنني كنت ُ على يقين أننا سنلتقي مجددا ً ..
كانت رغبة بداخلي أن أوقظ َ فضولك ِ للإقتراب مني أكثر ، حرصا ً مني على ضمان عودتك ِ مرّة أخرى ..كان يخيفني فكرة هروبك واختفائك في شوارع مدينة لا أعرف شوارعها وأزقتها ..ومعلوماتي عن عناوينك هزيلة ، لكنني أملك ما يكفي من طرق ووسائل للعثور عليك .
كانت الأيام ُ بعد غيابك طويلة ، متشابهة ، وكان الإنتظار محطة بارزة في لياليها ..
وشريط الذكريات يوجع ُ ذاكرتي المكتظة بك .
كثير من الأسئلة بت ّ أتجنّب ُ أن أسألها لنفسي كما كنت ، أحاول أن أملأ وقتي بأشياء تُبعدني عن الحوار بيني وبيني ، حتى أقاوم َ ذلك الأرق الذي يحتلني ..شيء ما في داخلي دائم الحركة ، لا يعرف الهدوء والنوم ، شيء ٌ يُواصل التنقيب في حقول المفردات وكأنه يلهث ُ راكضا ً ليقودني للحديث عنك ...رغم رغبتي أن أعيش كما يعيش أي رجل ٍ عادي ـ بعيدا ً عن دوائر القلق والأرق ...رجل ٌ ينتمي لقصائده ، يرسم العالم في حروفه ، ويعيد ترتيب الحضارة في كلماته ، ها أنا أتجول بين الكلمات وأعرض تفاصيل جنوني على الجدران ليشاهدها العابرون ..وأكاد أجزم أنك هناك تنظرين لهذا الجنون وترصدين ملامحه خلف الجدار ..
القصيدة أنثى تشبهك تماما ، تحبُ الإهتمام بها ، تحب ّ أن ندللها ونمسح عنها غبار إهمالنا ، تحب أن تثير داخلنا ألف رغبة ، أن نضعها فوق صفحة بيضاء نقية خالية من خربشات الزمن ، ونقدم لها فنجان القهوة يصاحبها ابتسامة وادعة ، القصيدة في النهاية أنثى تكره أن تجد التجاهل َ من الآخر ...
أكاد ُ أن أراك ِ وأنت تهزين برأسك ، وأكاد أسمع صوتك المنساب خلف دمعة في عيونك وأنت تستغربين كيف أستطيع أن أتحدث َ عما يجول في خاطرك ، وتتساءلين في داخلك : من أين يأتيك َ هذا الإلهام وكيف تستطيع أن تأتي بهذه الأفكار ؟ لماذا عجزت َ أن تعاملني يوما كقصيدة لك ؟
كان هناك الكثير من الكلام لم نتطرق له ، لم نقترب َ منه ، كنا نكتفي بالصمت الذي يصاحبه صوت أغنية لطالما أحببناها ، هل كانت الأغنية بكلماتها وألحانها وصوت مغنيها تملك ُ القدرة على التعبير عن تفاصيلنا الحبيسة داخلنا ؟ أم أننا التقينا في زمن ليس لنا ؟ هل كان قدري أن أعيش َ في مدينة ٍ لا تُقدر ُ موهبتي وأنتمي لبلاد لا تحمل جراحي ؟ هل كان قدرك ِ أن تتعلقي برجل بينك وبينه حواجز عميقة ؟
أيتها الجميلة التي غابت في غفلة مني ...ستبقين وطنا ً يحمل الأحلام .
في الليل كانت هزيمتي ، ربما لأنك ِ كنت ِ تتسللين َ لي ، فتكسرين َ وحدتي ، وتملأين خلوتي ، وربما لأن ّ القصيدة بكامل حضورها ، تُحرك ُ تلك َ الرغبة الكامنة في النفس للكتابة ، تلك الرغبة التي تولد ُ في لحظة صفاء ونقاء ..
في الليل ِ تجذبني الرغبة لأكتبك من جديد ، لاصنع من الكلمات ِ جسرا ً أمر ّ من خلاله لأصل َ إليك ِ دون أن ألتفت َ حولي ، دون أن أفكر َ لحظة َ بما يجوز وما لا يجوز ..ربما الكتابة نعمة ، فيها يستطيع من يعرف وسائلها وأساليبها أن يعيش في عالم ٍ كما يريد ، ويكون ما يريد ...
في الليل ِ أنت ِ تكونين لي وحدي ، من يستطيع أن يسرق َ طيفَك ِ مني ؟ من يستطيع أن ْ يأخذك ؟ من يتجرأ أن يقترب َ من عطرك ؟ أو يُخرجه من جوانحي وحواسي؟
أنت ِ رفيقتي السريّة في كل محاولاتي للتمرد على الرتابة ، والتخلص ِ من كل ما يعكر ُ صفوي ، أنت ِ شريكة الليل والذاكرة ، التي تقودني لعالم بديع لم تقترب منه أقدام العابرين يوما ً .
في كل ليلة ، تحضرين بكامل أنوثتك ، بكامل رقتك وعفويتك وتلقائيتك ، يعلن ُ حُرّاسك ِ الولاء لي ، يتخلون عن رغبتهم في حمايتك ، تُحيلين أوراقي البيضاء لمدن
وتجعلين حبري الأسود بلابل تغرد على أغصان السطور ، ويتحول صوتك ِ الذي أدمنت ُ سماعه لموسيقى تبعث الرقص َ في كلي المنتشي بك ، يشعرني بالدفء في ليل الشتاء الطويل ، وبجمال النسمة في ليل الصيف ، يُدثرني برقة الكلمات الرقيقة التي تنبعث ُ بعذوبة كجدول ٍ رقراق ، أشعر به كشمعة ٍ عندما أتخلص من الأضواء فيضفي للمكان سحرا ً من نوع آخر .
هو الليل يهزمني ، لأنك ِ وحدك التي تستطيع أن تحرك الصمت في أرجائه ، أيتها الممكنة المستحيلة ، تجعلني دائم الإنتظار له ، رغم عجزي عن مقاومة حضورك المنتظم ، تقتحمين خلوتي دون استشارتي ، وقبل أن يحين موعد مغادرتك ، تسجلين مشهدا ً جديدا في شريط الذاكرة ..
أكان َ يمكن ُ أن يحدث َ كل ّ هذا من نظرة ؟! ظننتها في البدء عابرة ، ثم اكتشفت أنها رحلة لا نهاية لها ، هل كل هذا هو عنوان ضعفي الذي لا أخجل منه ؟ هل أشعر بالهزيمة من نظرة ، علي ّ أن أندم بسببها ؟ وهي التي عرفت ُ بها روعة الليل وجمال الحياة ..نظرة تعادل عمر ...
فكّرت ُ أن أكتب َ رواية ً عنك ، أطبع منها نسخة ً واحدة ً لي ، لأقرأك ِ وحدي وأنظر لك من خلال حروفي وكلماتي دون أن يقترب منها الفضوليون ، ربما أستطيع أن أكتشف كل ّ أسرارك ، وأفك ّ رموزك ، فهذه وسيلتي الوحيدة للولوج إلى داخلك والإطلاع عليك من داخلك ..
راودتني فكرة أن أوزّع تلك الرواية ، وأطبع منها نُسخا ً كثيرة ، وأعرضها على العابرين على كلماتي ، يقرأونها دون التعرف عليك ...وحدك ِ تعرفين تفاصيلها ..
هي رغبتي أن تبقين سرّي الغامض ، وحكايتي السريّة ، وملهمة قلمي ورفيقة الليل الطويل ، تحضرين بغتة دون موعد ، تطلين من نافذة الشوق وتحركين صمت المكان ..
شكرا ً لأنّكِ منحتيني دورَ البطولة في هذه الحكاية ، هل يا تُرى ستمنحيني بطولة أخرى في حكاية تختلف في تفاصيلها وأحداثها ؟
ربّما استطعنا في حكايتنا هذه تغيير مواصفات الحب والخروج على دروبه النمطية ،
وحين تستعرضين َ شريط الذاكرة ، ستكتشفين أنّ هناك َ من حاول الإقتراب َ منك ِ، ارتكب من الأخطاء معك ، ارتدى ما شاء من الأقنعة ، ترك َ اسمه تحت سطور جراحك ، ومنهم من عبثَ في جدائلك ، كما لم ينتبه لرقة مشاعرك ، كل هؤلاء الذين اقترفوك في طريق رغباتهم لم ينالوا العقاب ، كلهم حاولوا أن تكوني مجرد شيء ٍ من أشيائهم ، في الوقت الذي كنت ِ فيه كل شيء لي .
شكرا ً لأنك ِ كنت ِ لي بكامل حضورك وبهائك ، بكامل فرحك وحزنك ، بجمالك وأناقتك ، واستطعت ُ معك ِ أن أخرجك من دوائر وجعك وضعفك ..ها أنا بكل قواي وحضوري أعلن التشبث َ بك ، وها هي أهدابك وجفونك تُعلن الطاعة ، ويستسلم ُ الوقت ُ لنا .
تعلمين َ كم بحثت ُ عنك ، وكم بحثت ِ عنّي ، كنت أراك ِ في صوتك المرتعش ، ونبضات قلبك المتسارعة ، هل كان الحب بيننا أن يتجاهل كل منا الآخر حتى يرى آثار الشوق التي يتركها هذا التجاهل ؟ هل استطعنا الإنتصار على رغباتنا حين أغلقنا كل النوافذ التي كانت تحمل ملامحنا لنا ، وتظاهرنا بالنسيان وعدم الإكتراث ؟ أم هو الغياب الذي لا يحمل ملامح العودة ؟
هي حكاية امتدت وستبقى ما بقي الهواء يتسلل إلى الرئة ليمنح الجسد القدرة على التنفس ، ستبقى ما بقيت الفصول تتعاقب ُ بانتظام تحمل لنا الأمنيات ...
هذه الحكاية بما حملت من ذكريات وفرح ، من انتظار وجفاء ، من همس ٍ في مساءات ٍ حالمة ، من ترقب ٍ لمفردات ٍ لطالما كانت تبعث ُ الفرح في قلبك ..
ها هي الحكاية اكتملت ، وستعيدين قراءة حروفها وتلمحين حضورك بين سطورها وستشعرين بكل حرف ٍ يعانق ُ ذاكرتك ، يقترب ُ من قلبك ، يرسمك أنثى مشتهاه ..
ألم أقل لك أنك لا تشبهين إلا أنت ، وأنّك متفردة في كل شيء ، وأنك وحدك القادرة على رسم البسمة على شفاهي كما تملكين القدرة على ايقاظ مشاعري ...
شكرا لأنك تلهمين قلمي وتستفزين حروفي النائمة ، فتركض في روابي قلبك ..ألم تقولي لي : ( تبرد ُ قهوتك إن غفلت َ عنها ، فما بالك بمن يحبك ! ) ..ها هي كلماتي تعلن لك أنني لم أغفل عنك ...لن أغفل عنك ...
وقبل أن يجف الحبر ، وتنام الكلمات ، ويغفو القمر الذي كان يرصد نبضات قلوبنا المتسارعة ، علي ّ أن أطفيء القنديل ، وأضع كلماتي هذه على وسادة ً قرب
أهدابك ...قريبة من أنفاسك ،
دثري كلماتي حتى لا ينال البرد منها ...فكل كلمة تشي بما يجول بي لك وحدك ، امنحيها الدفء ...والحلم .