" ليلة ضاع فيها الرغيف"
عنوان يستحق التأمل فهو مشع ..جاذب يفتح الأبواب لاحتمالات القارئ قبل الولوج إلى متن النص
فضياع الرغيف هنا ، كان من معميات القراءة ، أي أن القاص أعلن للمتلقي عن سبب العقدة ، لكنه كان ماهرا بتعميته تماماً في النصف الأول من النص.
ففي البداية عمل على تشخيص الحالة وكأنه يملأ فراغا بقصدية التشويق وقياد القارئ إلى مثابات بعيدة نوعا ما ، مع حرفنة واضحة في البقاء على نمو الحدث ... قبل أن يسحبنا للدخول إلى صلب الحكاية فاشتغل على الصورة المرتسمة في عين الطفل التي ترسخت في عقله
وأسقطها في النص على أنها بداية الصراع .. غير أن الصراع قائم هناك .. في عقل الجد .. بين اللاوعي والضمير.
ثم جعل المخيلة القرائية تتسلل بهدوء وسلاسة إلى ضمير الجد حيث الصراع الممض في الذات وهذا ما يتبلور من خلال دموعه السخية التي لا يجد فيها غضاضة حين تنساب أمام حفيده الصغير فيما يجاهد لإخفائها عمن سواه
ورغم ذلك لم يمنحنا الكاتب مفتاح النص بسهولة بل أخذنا بحرفنة إلى منطقة أخرى حيث استعاد الجد ذكرياته التي ما زالت تتصدر واجهة الوعي والإدراك لديه فكان التحول الزمني هو البعد التسجيلي للحدث
ثم ارتفع الستار عن مسرح الحدث وهو كتيبة عسكرية نائية
وكما المعتاد الجنود في هذه الأماكن يصارعون همومهم كبشر ويبحثون عن وسيلة تخفف عنهم وطأة الشعور بالغربة والألم فكان ذلك الصديق الذي اختاره واكتفى به ليبدد الرتابة والوحشة
كان النص محافظا على إيقاعه حتى جاء سؤال الطفل ليفجر الحدث فيتصاعد إيقاع النص ليبلغ الصراع ذروته
- ولكن يا جدي ما الذي يبكيك في هذه الحكاية .؟
وهنا يقف الرجل عاريا إلا من ذكرياته فيستأنف سرد الحكاية
حضرت مركبة الإعاشة فانتعشت النفوس وارتفع منسوب الأمل
لكن المفاجأة أربكت الجميع فحل الجزع محل الأمل وبدأت مرحلة الصراع من أجل البقاء فكل فرد في تلك الكتيبة صار قاب قوسين أو أدنى من الموت وهنا تظهر النفس الأمارة بالسوء فيسرق الصديق من صديقه رغيف الحياة لأنه لم يدرك حينها أن الصديق يساوي ألف حياة فكان هذا الحدث هو عقدة الذنب التي أقضت مضجعه والتهمت سكينته
فعنصر الإدهاش هنا تسيد المشهد ، حيث صدم القارئ جمالياً ، وأربك كل توقعاته بضربة الخاتمة .. ولم يجعلها متسلسة كما فعل في جسد النص .. بل جعلها إطلاقة مدوية فتكت بالصمت المطبق.
وعودا على بدء
أود أن أشير إلى أن القاص رغم اشتغاله بنيويا لكنه أضاف من عندياته ما جمل النص لذا أنتجه بروحيته الخاصة مبتعدا عن التقليد أو الرسم الأكاديمي للبناء
وهذا توضح تماما من خلال ما ابتدات به قراءتي
إلا أنه بقي ملتزما بوحدات البناء السردي فأنا أرى أن النص هذا هو نص تقليدي ولا أقصد به التقليد بالمعنى الحرفي بل بإضاءات ابتكرها القاص
ومن جمالياته أنه لايدعو للملل اثناء القراءة وهذا عمل يجب أن نتوقف عنده كثيرا لأن المبدع أنمار رحمة الله قدم لنا خبرة جديدة من الناحية الإبداعية والإنسانية
القاص المبدع أنمار رحمة الله
أود أن أشكرك كثيرا على هذا الإبداع السامي
شكرا لك
أتمنى لك التوفيق مع تقديري الكبير
اعزائي اعضاء لجنة [زاوية نص ورأي ] مباركه خطوتكم واتمنى لها النجاح ، بقي ان اسأل عن كيفية اختيار النص ، هل الأختيار يتم على اساس النص ، الشاعر ، انواع المشاركات ..؟ اتمنى ان توضح لنا خطة عمل الزاويه وشروطها .
مع كل التقدير لمحاولاتكم في اغناء النبع بما يليق به
وتحية للمبدعَيْن القاصة المتميزة سولاف هلال والفنان والأديب المتميز عمر مصلح لفكرة الموضوع اولا وللنّص الذي وقع عليه إختيارهما
هذا النّص أجده محاكمة من نوع صعب ..
محاكمة التّاريخ والسّلطات التي صنعت هذه الجريرة التي ادت إلى أن يكون فقدان الصّديق ندبة تؤرق الضّمير ولا تؤرق الجوع الذي صنعه الطّغاة
هذه المحاكمة تمكن القاص والشّأعر المبدع أنمار رحمة الله أن يجعلنا نلاحق تفاصيله وأن تشنقنا بعض العبارات ( بلا رحمة ) على أعمدة خياله الخصب المتكيء على جرح النّخيل
بل وتمكن من أبتكار عبارات تخصّه وحده لكنها تبقى عالقة في ذهن المتلقي ، مثل عبارة : سوف نأكل حتى نموت من الشبع..
لذلك لاأملك الا ان أحيي القاص والشّاعر المبدع أنمار رحمة الله ومزيدا من القصص التي تشبع نهمنا للقراءة
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟
أستاذي القدير عمر شكرا لأختيارك هذا النص الرائع ... والذي يستحق حقا أن يكون في هذه الزاوية
" ليلة ضاع فيها الرغيف "
سُرق الرغيف وسرقت معه حياة ذاك الجائع واصطحبت معها قهرا وألما وسخطا ولكن حبه لصديقه وثقته كانت باقية حتى حطت أسراب الملائكة وحملت روحه معها
سُرق الرغيف ..وسُرقت معه راحة البال .. كما سَرقت لحظتها النفس الأمارة بالسوء أجمل الذكريات والإخلاص والوفاء الذي جمع الصديقين
سُرق وأُكل في لحظة ولكنه خلف عمرا من الندم والألم والغصة التي لم ولن تفارق ذاك الشاب والعجوز
سرق وأسكت معدة خاوية .. ولكنه ترك الروح جائعة إلى صديق ..إلى زمن جميل كانت الأبتسامة فيه تساوي الكثير من الفرح
نص مدهش بكل ما فيه احتوى على عبارات لا زلت أرددها حتى الآن :
-لا يهمنا اسمه، فالأسماء لوحات رخام نخفي تحتها قبورَ الأرواح : حقا فما قيمة الأسماء في زمن كان يموت فيه صابر أو أحمد أو .. أو.. جوعا ...
- "سوف نأكل حتى نموت من الشبع": الأمل الكبير وسطوة الجوع التي جعلت الرغبة في الشبع حتى الموت كما كان للجوع قدرة لأخذهم نحو الموت وكأن الكاتب هنا بنتقم من الجوع بهذه العبارة
- ثم توجَّه للصلاة شاكراً ربَه على ديمومة ِالحياة، كنتُ أراقبه عن كثب، فقد أوصاني ألاَّ أفارقَ الحقيبة، وخصوصاً أن فيها بعضَ ما يملكُ من أشياء، وأهمها رغيفُ الخبز الثمين.
توجه لشكر ربه على نعمة الحياة فرغيف الخبز هنا يساوي حياة
-بدأ يفقدُ أعصابَه/يشتم/يبصق /يلعن سارقَ الرغيف،: وهنا شعور من مدت له يد العون حين غرق وفي لحظة تركته يغرق ولا أمل للإنقاذ بل الغرق والموت فقط
-عالمٍ انقرضَ فيه الجوع والحسد والأنانية: فلا جوع بعد الآن ولا بحث عن ماديات أصبحت أساسية في زمن الجوع ..ولا حسد أخ لأخيه لأنه أعطي نعمة لم ينلها هو ولا أنانية بسرقة حياة صديق ليعيش هو
نص مدهش لم يخلو من التشويق والمفاجأة ، لم أتوقع أن تكون النهاية هكذا تفاجئت كثيرا وحزنت أكثر
ووجدتني أسأل بصوت مرتفع بعد انتهائي
لم هكذا ؟ لم فعلت ذلك ؟ ألم يعرض عليك أن تقتسما الرغيف وأنت رفضت ؟ لم تسببت بموته ؟
تم تذكرت المثل القائل : الجوع كافر
أستاذي أنمار رحمة الله أحييك على هذا النص الرائع وهذه الفكرة الجميلة جدا