منذ سنوات وأنا مقيم في هذه الغرفة التي تشبه هيكل عظمي كبير وقد تآكلت بعض اضلاعه ، يغطي الغرفة سقف جبان يرتجف من أيما صوت ، صوت شاحنة ، صوت طائرة ، تدحرج براميل ، ويشكل الرعد طامته الكبرى ، في الحقيقة هو بيت منخور تخلخلت ْجدرانه وحفرت ْبه السنون أخاديد ومنعطفات واضحة ،هو يأويني وقد الفتُه ُبهذه الشاكلة ، غالبا ً تضج الغرفة بتسابيح وتراتيل وتضرع أمي عند أول ظهور أعراض المطر المتمثلة بالغيوم البيضاء المتناثرة ومن ثم تجمعها العفوي الى ان تزدحم السماء الرحبة ويسيطر عليها اللون الرمادي الداكن الذي يبتلع أي فجوة ضوء، عندما يكتمل هذا المشهد السماوي تعلن أمي الحداد بطريقتها الخاصة الذي أعرفه من تجهمها .
بدأت السماء وأمي يذرفن الدموع سوية الاّ ان السماء ذرفت ْ دموعها بشكل مرعب واستها الغرفة بدموع أكثر مرارة حيث بدأت ْ الخيوط المائية تتسرب من السقف الجبان بشكل ملفت للنظر حتى لم يبق َ إناء واحد في المنزل لم نضعه تحت هذه الخيوط الملعونة .
كان مدرس اللغة العربية قد طلب منا ان نحفظ قصيدة انشودة المطر للسياب بينما كانت رواية حب تحت المطر مركونة على رف مهمل كان يستقر عليه مذياع هرم لسنوات عديدة ثم رحل الى جهة مجهولة .
كانت الرواية مشروع قراءة لا أكثر فأنا لاأقرأ داخل الهيكل العظمي الكبير ولا أعرف نجيب محفوظ غير ان العنوان قد أغراني ... ياألهي كيف يحبون تحت المطر الا يوجد مكان آخر ،. اعتقد ان الحب حرام لكن المطر يغسل الذنوب او ان القبل بين العشاق تكون أكثر لذة بفعل المطر ، كان هذا مفهومي للرواية على ما أتذكر والذي دعاني ان اشتريها من باعة الأرصفة بثمن بخس كونها بدون غلاف وممزقة ٌبعض أوراقها .
السقف الجبان مازال يرتجف من الخوف والبرد والمطر وانا مازلت ُ محاصرا ً داخل الهيكل العظمي الكبير وأمي مستمرة بالأدعية وانا أشجعها محاولا ً دفع شيئا ً من سيمفونية الحزن التي تتشرنق حولها .. لا ماما البيت قوي والمطر خير و..و..، سكون ، صفير ، نباح كلاب خاوية مع نسمة هواء باردة فقد توقف المطر نهائيا ً فيما ارتفع منسوب المياه داخل الغرفة لأكثر من ثلاث سنتمترات خلال الليل دون ان ننتبه لذلك وقد استنفرنا طاقاتنا لنبدأ مرحلة ما بعد الخوف لإزاحة الماء الذي ملأ الغرفة ، الخيوط المائية مازالت تتدلى من سقف الغرفة الجبان رفيعة وشفافة ولا أعرف فيما اذا كان مدرس اللغة العربية سيعذرني لعدم حفظي انشودة المطر للسياب في الوقت الذي علقت ُ مشروع قراءة رواية نجيب محفوظ حب تحت المطر الى موسم الصيف القادم ...