وساوس ذلك اليوم أرهقتها وأفزعت ساعات الإنتظار، بتوتر جلست ترقب حركة عقارب ساعة المقهى التي كانت تدق في أعصابها كمطرقة من حديد ... بشحوب وارتجاف راحت تنتظر رنين هاتفها ليحدد لها موعد وصوله ، تلفتت يمينآ ويسارا من خلف زجاج المقهى الذي تعربشت عليه نباتات خضراء ذات سيقان رشيقة تمتد على طول شباك المقهى الذي يطل على شارع عام ملتصقة به بشكل عبثي ، ذلك المقهى الذي شهد قصة حبهما واحتوىشجارهما ... غزلهما وخطط مسقبلهما ... لقد تعودا أن يلتقيا به حتى بعد زواجهما .
جلست تنتظره بلهفة ، أخرجت من حقيبتها مرآة صغيرة وأصلحت مكياجها بيد مرتبكة ، قامت بترتيب خصلات شعرها الاسود وتركته يتمايل وينسدل على كتفيها باسترخاء .
ها هي تتهيئ لاستقباله بوجه مشرق محاولة أن تبعد عن ملامحها ضجر الانتظار ، لكن القلق المتزايد راح يزيد من حالة توترها ، بدأ الشك يتسلل إلى أعماقها ، لقد بدا لها ان تأخره فيه شئ من الريبة .
إلتقطت مجلة وراحت تقلب صفحاتها دون اكتراث ، تنبهت إلى فنجان القهوة الذي كاد أن يبرد وهي تصارع القلق والإنتظار .
أخذت رشفات متلاحقة دون أن تتذوق طعم القهوة الفاخرة التي تميز بها ذلك المكان ، ألقت بالمجلة جانبآ ؛ فهي ليست بحاجة الى قراءة شئ محدد في هذا الوقت لأن تفكيرها منصبٌ على سبب تأخره ؛بقيت تطحن أعصابها بمهراسٍ ، هي بحاجة الى أن تضيع الوقت الذي يمر عليها كسيف يقطع أوصالها .
مازالت تتذكر تفاصيل شرارة حبهما وأرتباطهما بأسى تذكرت تفاصيل أنفصالهما غير المتوقع والذي فاجأ الجميع .
ترى مالذي حدث لمشاعرهما ، كيف فترت تلك المشاعر وجعلتهما يضعان نهاية عشقهما بمحض أرادتهما ..
لحظات شوق ولهفة .. غيرة ونار رافقتها كظلها ، ضلت نيفآ تصارع غيابه بين شهيق وزفير ... تحترق أحشائها ؛ حين تتخيله برفقة إمرأة أخرى ، تتصبب عرقآ وتستشاط غضبآ .. تسأل نفسها هل من المعقول أن يتخلى عني ويرتمي بأحضان امرأة غيري، هل هان عليه حبي ؟ أنا سوسنته ،هكذا كان يناديني ...
عامآ من الحب والزواج تخللته مواقف كثيرة من الفرح والامسيات الجميلة ولقاء الاصدقاء والصعلكة وحوارات كانت تعمق من أنسجامهما وكثيرا ما أختلفا لكن حبهما كان أكبر وأعمق ..؛
عام مر كرمشة عين ، سارا في دروبه الوعره وفي دروب معبدة بالحب .. ؛ نسجت معه خيوط ذهبية لارتباط كان يشار اليه بالبنان؛ كم من صديقة حسدتها على علاقتهما وأرتباطهما الروحي وأنسجامهما النفسي والمزاجي ... كانوا يحسدونها بود على عمق فرحها به .
لا زالت تنتظر حضوره بين شك ويقين .. تنتظره بفرح مشوب بالقلق.
في كل لحظاتها التي تقضيها وحيدة مع أفكارها التي تأخذها كأمواج البحرهي تتسائل أما زلت تلك الحبيبة التي يفكر بها حتى وأن كانت معه امرأة آخرى؟ هنا تبرز ملامح صورته أمامها ... صوته يملأ أذنيها .... تتخيله في كل زاوية من زوايا شقتها التي غادرها بمحض إرادتهما ... تحكي مع نفسها ، هنا كان يجلس ليتابع نشرات الأخبار ومشاهدة الافلام الاجنبية المولع بها لدرجة مللي منه أحيانا ؛ وهنا يطالع جريدة الصباح في شرفة تسورها نباتات يسقيها كل صباح وفنجان قهوته يسبقه ؛ هنا في صالة رسمنا خطوط أثاثها بجمال حبنا في هذا الركن تحت أبجورة منحوت عليها رسوم قديمة تنير جزء كبير من المكان ؛ يأخذني الى حضنه ويداعب شعري هنا دفئ الشعور وهمهمات الهوى....
أستاء ت من الفراغ القاتل الذي سيطر على المكان رغم أمتلاءه بالعشاق تسلل الى داخلها بعض الملل وكأنه جمر تحت رماد ... كرهت قرارا أتخذته في لحظة غضب وكان سببا في هذا البعد والإنفصام ... كم تمنت أن يأتيها حبيبها محملا بأشواقه ليغرقها ويعوضها عن ساعات القلق والإنتظار ويبدد عنها عامأ من الوحشة وألم الفراق .
حادثته دائمآ في غيابه ... في صمتها وصخبها .. همست اليه ،غفرت لك يا حبيبي خطيئتك ، ماكان يجب أن أغضب وأطلب الإنفصال ، وأنت أيضا ما كان ينبغي أن تطاوعني .
هتفت بداخلها ... نادته ... توسلته ألا يطيل الغياب
صارعت رغباتها كعاصفة هوجاء ؛ وعطشها للقاءه ... فهي بحاجة لرجل يفهمها .. يغور في أعماقها ... صارعته في كل أندفاعاتها المجنونة فهو ضيفٌ دائم على تفكيرها ودواخلها .. هو حبيبها يفهمها ؛ ويفهم طريقة تفكيرها ، وحتى لاتدع فرصة ليتسرب من بين يديها كما الرمال ، حادثته طلبت منه العودة ، فحبها له أكبر من الخطيئة وأعطته وعدأ بالغفران .
على الرغم من الاجواء الرومانسية للمكان وصوت فيروز الملائكي (كيفك انت )... الأ أنها شعرت بأن لا شئ جديد ... كل الأشياء متشابهة وغير متجانسة ... قررت بعد طول انتظار ان تكتب له بعض من كلمات حبٍ ووداع وتتركها على الطاولة أو عند نادل المقهى فالحالتين سيان ..أخرجت ورقة وقلم فضي رشيق يعطي انعاسكآ جماليا بين أناملها .. حاولت أن تجمع أفكارها بما ستكتبه .. وهي سارحة بأفكارها سمعت صوت الجرس المعلق في سقف المقهى والذي ينبه الجالسون بدخول شخص جديد .
أستنفرت مشاعرها ...تأهبت... رفعت رأسها بحركة هي مزيج من الارتباك والفرح ، حسبته هو ، كانا عاشقين من رواد المكان كسرا الصمت ببعض الهمهمات والهمسات وبقهقهاتهما العالية .. جلسا على الطاولة المجاورة لطاولتها تتوسط الطاولة زهرية صغيرة وفيها وردة حمراء أحست بمشاعرهما من بريق عينيهما وتوهجهما ولمسات يديهما لبعضهما .. نظرت اليهما بفضول لذيذ .. أسترجعت ذكرياتها وقصة حبها .. حدّثت نفسها هكذا هي قصص العاشقين ترابط ملموس محسوس،
سويا في كل الاوقات .. أن تفتح عينها أو أن تغمضها تجده أمامها في كل همسة ... فحقيقة الحب غير قابلة للانقسام أن نكون أو لانكون حيثما أُوجد توجد .
رجعت برأسها الى الخلف شابكة يديها تحتضنه .. تركت لأفكارها العنان .. أرخت جسدها على الكرسي الخشبي وتأملت ذاتها وحياتها معه ؛ لقد أحبته حبا اسطوريا وتغاضت عن خيانته ... قطع تفكيرها صوت كابح لسيارة مسرعة ... تعالت أصوات الناس في الشارع وتجمع المارة .. انطلقت أبواق السيارت لفتح المجال لسيارة إسعاف حضرت لانقاذ امرأة تعرضت لحادث مرور.
استعادت رشدها وبحركة من عيونها الناعسة تابعت العشاق يتهامسون بكلمات حب تذوب بين شفاهم .. وتتساقط كحبات مطر رقيقة ..وجوه متوردة متوهجة حتى أن نبضات قلوبهم غيرت ملامح وجوههم .
أمسكت قلمها الفضي وكتبت بقصاصة ورق صغيرة ...(حبيبي .. حبنا جرب أن ينمو بين الاشواك .. لسعته شمس حارقة فجلس القرفصاء لايام طويلة كبدوي يتأمل دربه بعد أن ضل أتجاهه في الصحراء .. حبنا لم يعرف يومآ هذا الترف .. لكنه في عروقنا يهدر كفيضان لا يبالي بالسدود .. كنتَ معي رغم بعدكَ ) طوت الورقة بترتيب سريع كعادتها ؛ خشت على كلماتها الا تتطاير من بين السطور .
نادت على النادل الاسمر صاحب كرشٍ متهدل طلبت الحساب وأضافت عليه بقشيشآ وأبتسمت أبتسامة عريضة تنم عن الإمتنان..مسحت المكان بنظرة متفحصة وكأنها تودع المقهى ورواده إلى الأبد.
غادرت المقهى ... أخرجت الورقة من جيب قميصها قرأتها وهي تمشي بأرتياحٍ .. مزقتها بقلبٍ بارد .. تناثرت قصاصاتها هنا وهناك أخذتها ريح الخريف .. كتبت على يدها لم يبق أمامي سوى أن أعالج النار بالنار ليكف قلبي عن الانين..؛
الاستاذة عوطف عبد اللطيف
أجمل ما تسطرين من كلمات كأن يديك الجميلتين تمتد ؛تمتد وتستطيل ؛لتلامس شغاف قلبي؛
كل منا قد اضاع بعض حقائبه في محطات الانتظار ..؛
يقول برنادشو.. تعرف انك عاشق عندما تبدأ في التصرف ضد مصلحتك الشخصية..؛
شكرآ ل ألقك يا نبع العواطف المتدفقة