قيل بأنه حين يشق عباب طرقات المدينة،تنحني الصخور لتمهد لذلك الطرق الغاضب فراغا لصدى أنيق،وقيل كذلك إن جموح الصباح هواية اعتادها أهل السوق،حيث تتأرجح أبصارهم بين أمرين:فإما أن يكون مع الصهيل الغاضب سوطا للانتقام،أو السكون المترقب القادم خلف ذنابة صهيل النشوى الجامحة.
قيل بأنه حين يصهل تورق أعشاش أللقالق،ويعلن العشاق بدء مغامرات العشق المرصعة بالقبلات والأنين،وكذلك يعلن ذلك الدوي المجلجل بين الأزقة ثورة الاباحيات،فللأجساد من خلال ذلك الصهيل الراكض بين دروب المدينة حق بالفوران ونزع رداء الكبت دون أدنى خوف من أغلفة الحشمة والدين.
وقيل بأنه إذا ما تعرض ولو لخدش بسيط أثناء جموحه اليومي،يلقى مسبب ذلك الخدش عقابا قد يصل الموت ،ناهيك عن درج اسمه وذويه في قائمة غير المرغوب فيهم،محكمة خاصة أسست لهذه الأغراض،تسن المواد القانونية،تحصي الجرائم ألمرتكبه،وتعاقب الجناة،سجون أدوات تعذيب وحتى طرق إعدام خاصة لمثل هذه الجرائم،قيل بأنها جرائم التعرض لرموز السلطة والجنرال.انه جموح الصهيل،يؤجج بريق نياشين الجنرالات،هو دافع عطفهم أو غضبهم على الناس،فقد قيل بان تحت طرق سنابكه ترقد الجنان،وتتفجر عيون ماء متدفقة،حين يمر يسارع البعض لكسب ود الجنرال من خلال تامين طريق خاو لذلك الجامح الصاهل،أما إذا وطأ حافره صدر احدهم فذلك دون أدنى شك وسام بطولة وولاء.
الجنرال يحبه،يقدسه،يلملم غبار حوافره ويكونها تربا لصلوات الناس،وزارة بمؤسساتها وموظفيها ومعداتها وأموالها التي تشكل سنويا ربع ميزانية البلاد،وقيل كذلك النصف،تعمل على راحة الحصان،انه رشيق ذو غرة حمراء،قيل إن الجنرال قد ورثه من أبيه وأجداده،وقيل كذلك انه من عائلة أدمنت صهيل الحروب،فحين يصهل تباشر الوزارة المختصة والمؤسسات ألتابعه لها من خلال علمائها ومنظريها بترجمة الصهيل،ونتائج التحليل والتقارير تثمر دوما عن حرب تتهدم على إثرها إحدى الدويلات الصغيرة،أو الكشف عن بعض المتآمرين،أو عن عيد وطني يحتفل العامة فيه،حصان الجنرال وصهيله هو اللوب الموجه لسياسات البلاد،لذلك هو محط انظارالشعب والشعوب المجاورة،قيل بان الجنرال يهدهده في الليل،يسهر على أن لا يمرض أو...يموت،موت الحصان كابوس يدفعه العامة بالنذور والصلوات والدعاء،فكيف سيكون مصيرهم في ذلك اليوم المعربد بالسواد...؟وأي دعاء أو صلاة ستدفع عنهم وعن أطفالهم غضب الجنرال...؟
"الحداد في جميع المنازل...!"
ذلك اقتراح البعض،فمن غير المعقول إن يتقرب الجنرال بأي أذى من بيت يقيم الحداد على روح الراحل العظيم.
أيام والحداد يموج في البلاد،مكبرات الصوت تنعى وتنوح،والجنرال منزو في غرفة خاوية إلا من السواد وبعض صور الفقيد،وكذلك كدس كبير من أجود أصناف الهيل،قيل إن احد أصدقاء الجنرال قد أرسله كعلف للفقيد.
مراسيم الحداد انتهت،الشارع يترقب،والجنرال مازال معتكفا بجانب كدس الهيل،قيل بأنه مضرب عن الطعام،وقيل كذلك بأنه يخطط للانتحار،قيل...وقيل...وقيل.
واهم ما قيل وتناقله الناس،كان بخصوص حجم الحداد وشكله إذا مات الجنرال،هل سيكون اكبر بعدا أو سوادا من حداد موت الحصان...؟ومن سيأمر في حينها بذلك...؟
ومات الجنرال ولم يجد من يؤمن بسلطانه الحداد له،قيل إن ذلك اليوم كان يوم اللاحداد،إذ لا حداد حتى في منزل الجنرال الخاص.
***
مشتاق عبد الهادي
ملاحظة\هذه القصة احرزت المركز الثاني في مسابقة الوفاق عام 2004