في الـــ 27/2/ من العام 2009 خرجت من طريبيل قبل طلوع الشمس
يعني بالعراقية (من الغبشة)
كان المطر غزيرا ومع ذلك كنت أطلب من السائق بزيادة سرعته..فوالدي مات
فجر ذلك اليوم وهو الذي أوصاني رحه الله تعالى بدفنه أنا وأخ آخر اختارنا من
لين أبناءه التسعة ..لماذا ..لا ندري..
كنت ابتسم وأنا أسأل نفسي: هل أنت سعيد لأنه اختارك..وهل ستكون سعيدا
إذا لم يفتك دفن والدك..ما هذا الانجاز العظيم الذي تحرص على ان لا يفوتك
أعود للإلحاح على السائق بزيادة سرعته...كادت السيارة تنقلب غير مرة
وازدحام الأسئلة لا يتوقف..
أخيرا وصلت .. ولحقت بالصلاة عليه ودفنه..
تساءلت أي حب خبأه لي حتى أيامه الأخيرة ..كم كانت مشاعري متناقضة
أنظر من حولي بأحاسيس غريبة ..أشعر بحزن أثقل من جبل..حزن لم أشعر
به من قبل...
هنا ومع قراءتي لهذه القصيدة انتصب ذلك الحزن أمامي ورأيته يحدق بي..
الحزن هنا له سطوة عجيبة يعيد عليّ أسئلة تركت البحث عن أجوبتها منذ زمن
بعيد ..لكنني وبعد ان عدلت جلستي قلت : لماذا هذا الحزن الهائل في قصيدة عشق
عاشقة تناجي عاشقها ..تشكو من غربة فرقت بينهما..وحنين إليه وإلى لقاء
قريب يجمعهما .. لماذا تحضر ذكرى وفاة والدي ..لا أشكك بصدق مشاعر العشاق
وحنينهم ..لا أسئ الظن بمحب عذبه هواه ..وما هذا العنوان العجيب
(أتقاطر منك) هل كان السماء وما تحمل من غيم وهي تتقاطر منه كما يشاء
وعلى هواه ..كأنه جهد كبير يبذل وهي حبات عرقه الكثيرة ..سيستحم بعد قليل
وتفنى ويفنى تواجدها بينما يخلد هو للراحة أو يخرج لانجاز شئ ما ..هذا كثير
ان تتقاطر من أحدهم ..هذا موت يأتي بالتنقيط...وتذكرت أنني كتبت ذات يوم
على الفيسبوك
(بالتنقيط يمتلئ الإناء مهما كان كبيرا)
وهذا ما يعني أن الجهة
التي تتقاطر ستنتهي قريبا وهي في طريقها للفناء، بينما الآخر لا أرى منه شيئا
يجب أن يكون له ردة فعل ما...
القصيدة ومن الكلمة الأولى تشعر بأن سيدها لو أمر عاشقته بقتل نفسها لفعلت دون
تردد..تستمع إليها وإلى كلماتها بشغف وحزن كبير ..ليس بيدك أن تنصح أحدهم
بأن لا يحب أو أن يترك عشقه .. لكنني ومن باب تخفيف ثقل الحزن قلت من الممكن
أن تكون القصيدة بعنوان آخر ... وبدأت أفكر بعنوان يناسب هذا الجنون ويقلل من
الكآبة المنتشرة في كل أرجاء القصيدة .. والحقيقة وبعد عدة قراءات شعرت بأن هذا
الحزن لم يأتي من عشق عادي ..ولا أكثر من عادي.. وكأن الكلمات بدأت بالتمدد
إليّ ..استيقظت كل أوجاعي .. وتذكرت كلماتي بعد دفن والدي ... يا إلهي كيف
قلت هذا .. ومن أين جئت به ...
(وتعال أفردك في مساحة تحضنها عيني)
رايت حزن الناصة التي تتشبث به وتخاطبه بحزن عميق
إذن كان علي أن أدفن والدي ولا بديل لذلك إن كنت أحبه ..لكنني كنت سأفتديه لو كانت
سنة الحياة تسمح بذلك..
وبدأت قراءة جديدة للقصيدة ...