ذكرت هذه لأذكر الثغرة المميتة التي دخلت منها الحركات السياسية المغلفة بالفقه والإجتهاد الى جسم الدولة العباسية ومن ثم الى جسد الإسلام.. ساعدها أن نواة الدولة العباسية تكونت على أيدي قادة من غير العرب.. وليس في هذا شائبة لو لم تكن فيها رؤيا سياسية وقومية أستغلت الدين لأهداف تأريخية وجيرتها بطريقة ذكية لمشروعها .. وبالتالي أعطت الذريعة للأقوام الأخرى لتتجه بذات الإتجاه، مما أحدث خللاً فكرياً وبنيوياً في تركيبة السلطة عند المسلمين فأصبح الصراع على السلطة ليس وفق المنظور الديني في العدل والمساواة بل وفق المنظور القومي مغلف بأطار فلسفي ديني ، وهذا ما أوجد الحركات السياسية المغلفة بالدين من خلال ثغرات حراكية انسانية تحتمها الطبيعة البشرية ، استغلتها ابشع استغلال وغلفتها بفقه مختلق وتأويل للتاريخ وفق ما يخدم تطلعاتها القومية الموروثة...
النخب مهما كانت هي نتاج بيئة.. والبيئة حاصل جمع فسلجة التكوين وسلوك وعادات ومعتقدات..
الغرب عموما.. والكيان الصهيوني درس بدقة هذه المعطيات البيئية والعقائدية، والقوميات الأخرى التي كانت لها نزعة أمبراطورية استيقظت طموحاتها .. بعد انهيار المشروع القومي العربي ..
لنكن صريحين.. كل طوائف الدين الإسلامي تؤمن بالله ورسوله واليوم الأخر وتنطق بالشهادتين.. إذن ما هو وجه الأختلاف؟؟
لقد ركزاصحاب المشاريع على الفرعيات وضخمها وسخر الإعلام لها واشترى الذمم وانساق الجهلة للهوية الضيقة في الوطنية ولكنه دون ان يعلموا انساقوا لمشروع فضفاض عريض عابر لحدود وطنه، فهو من جهة ضيق الهوية في الوطن، ومتسع الهوية في المشروع العابر للوطن، وتلك ازدواجية غابت عنهم، لنعد الى صلب الموضوع وما ذكرته للدلالة على استنتاج ضمن معطيات الصراع الكوني ..
هناك قطبان منذ الأزل..هم الروم والفرس.. وما التفرعات القومية الا نجوم تدور في فلكهما.. وهناك طموح تركي نما ما بعد هاتين.
الإسلام الغى دور هذين القطبين ولما كان العرب هم نواة الإسلام ومنهم خرج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبهم تمت الفتوحات الإسلامية وكانوا رجال فتح وبناء .. فلا نستغرب ان نرى اليوم حلفاً تحت الطاولة مغلف بعقائدية لتشويه صورة الإسلام وسلب خصوصية الأوطان بفرية الديمقراطية الغربية وطائفية فارسية وخلق منظمات أرهابية تستقطب المغيبين والمهمشين وجعلها ندّاً وكليهما تعتمد على جهل ونظرة قاصرة للدين والوطن وحرية المعتقد وحقوق الإنسان من قبل شعوب المنطقة وعلى شمولية النظرة وتجاوز الولاء للوطن.. مستهدفة العرب من خلال خلق تنظيمات مجرمة ارهابية تشوه الدين اولا وتستهدف العرب ثانيا لأنهم المستهدفون اولا وأخيرا,, فباستهداف العرب وهم نواة الإسلام يضرب عصفورين بحجرمن قبل ذات القطبين.. الروم ممثلين بالغرب والفرس.. ودليلنا ان كل الحركات السياسية المغلفة بالعقيدة وما تفعله من دمار وقتل وتشريد يجري على أرض العرب فقط! وهي نتاج فكري واحد وإن أختلفت المسميات وتنسيبها باسم الطوائف وإعطاء هالة وقدسية للحاكمية باسم الله كولي الفقيه والخليفة, وغيرها من المسميات ، الفرق فقط بعضها تلبس لباس الدولة كإيران وبعضها تلبس لباس منظمة كداعش وميلشيات كأنهما اضداد ولكنهما يسبحان ضمن الفكر التدميري الضيق، بل وصل الحال وجودهما معا يخدمان نفسيهما وزوال احدهم خطر على الأخر، وبحجة هذه الحركات نرى التدخل وتجييش الجيوش كل بطريقته الخاصة .
أما ان حدثت هنا او هناك من عمليات ارهابية خارج ارض العرب فهي لذر الرماد في العيون وللتمويه لا اكثر.
انها صراع ارادات مغلفة بعقائدية.. مما يؤسف له ان العرب ليست لهم أستراتيجية عليا موحدة.. عكس الغرب والفرس والأتراك وكل استراتيجيتهم ردود افعال وإن حدث ان ولد مشروع عربي يوئد في الحال لقصر نظرالمشروع وإعطاء الذرائع في انهاءه.. لقد عمل اصحاب المشاريع على تبادل الأدوار فيما بينهم وسهلا لبعضهما تمرير مشارعيهما مع اعطاء طابع مزيف للعداء بينهما، وما الإتفاق النووي الأخير الا دليل براغماتية الفارسية وزيف شعاراتها(الشيطان الأكبر)ومصلحية الغرب في التعامل مع شريك قوي، لا شريك اتكالي، خامل، وغير فاعل...
ولهذا اصبح الكثير منهم أدوات بالإنابة لكلا المشروعين وهم ضحية صراع الإرادات بين هذه المشاريع كما الشعوب العربية ضحية لهذه المشاريع التقسيمية وبسط النفوذ، ساعد ذلك بيئة جاهلة منقادة اعطت مفاتيح الولوج لها لتمزيقها وتفريقها من خلال جهلها وغيبوبتها وتعلقها بجمود الفكر وعدم مواكبتها للعصر وانتماءها لعصور تأريخية مختلف عليها، وبعضها مزور ، وغياب المشروع الوطني ونخب وحكام لا ينظرون الى أبعد من أقدامهم.
يتبع
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 10-07-2015 في 11:36 PM.
هذه دراسة عميقة مزودة بحقائق وتحليل متسلسل يسهل على القارئ الإحاطة بالفكرة العامة للنص بالإضافة الى التفاصيل التي تربط الأحداث بعضها ببعض..
من الواضح أن التاريخ يعيد نفسه وكما تفضلت ..كان في الماضي قطبي الصراع هم الفرس والروم وكانت دائماً الدول الإسلامية هي الملعب الذي تقام عليه الاحتفاليات التوسعية..إلا في عهد الدولة العثمانية التي أصبحت فيه الدولة الإسلامية هي اللاعب الأقوى خاصة في أوروبا..
حتى تحقق القوى العظمى مآربها في السيطرة على بلد ما عليها دراسة سيكولوجية البشر قبل دراسة جغرافية المكان..فالمكان يمكن السيطرة عليه والتغلب على المصاعب فيه بتحديث تقنيات القتال..أما البشر فهم الحلقة الاصعب ولذلك كان البحث في طريقة للسيطرة عليهم وجعلهم يقومون بالمهمة بالنيابة عن الدول الكبرى..
ولأن شعوبنا شعوب تتعامل بالعاطفة وتحترم رجال الدين فكان من السهل الولوج الى فكرها من خلال الدين وهذا ما كان..وماكان ليتم هذا الا بتطوع البعض بتنفيذ المخططات الجاهزة والمعدة سلفاً ..
لو أخذنا العراق كمثل..ما قبل العدوان الأمريكي على العراق لم نكن نسمع أبداً بأي صراع طائفي بين سنة وشيعة ..ربما كانت هناك حالات فردية لا تذكر ..لكن ما يهمنا هو المفهوم الجمعي الذي كان يؤمن بحق المواطنة لكل الأطياف على الجغرافيا العراقية..
الحرب انتهت شكلياً برحيل القوت الأمريكية لكن هناك حرب أخرى أشد خطورة تم إرساء دعائمها على أساس ديني وتم توظيف بعض رجال الدين التجار الذين يجيدون غزو العقول بفتاوى مسيسة ومفصلة حسب المشروع الغربي لهلهلة الجسد العربي الإسلامي ..
والحقيقة وللأسف نحجت هذه الاستراتيجية الى حد ما الى تدمير الجسد المجتمعي العراقي والذي امتدت أثاره الى كل مناحي الحياة..
كثيرون يلعنون أيام الدولة العثمانية ويعتبرونها سبب تخلف الدول العربية ولكن من يقرأ التاريخ يجد أن الدولة العثمانية وحدت كل الدول الإسلامية تحت لواء الإسلام دون التمييز بين المذاهب أو الطوائف وبالمقابل لم تقصي الأفراد الذين يدينون بديانات أخرى ..هنا كان تسخير الدين تسخيراً صحيحاً وصحياً ..
الحرب واضحة الأن ..هي حرب ضد الإسلام بالضبط كالحروب الصليبية وما يسمونها بالحروب المقدسة ولكن مع فارق كارثي وهو أن أدوات هذه الحرب هم المسلمين انفسهم..زرعوا داعش والقاعدة في قلب الخارطة العربية لينفذوا أعمالأ لا يقبلها الدين الإسلامية لتشويه صورة الدين الإسلامي عالمياً واقليمياً لدرجة بدأت أصواتاً إسلامية تتعالى وتطالب بإسلام وسطي وغيره وكأن الإسلام درجات وقابل للتصنيف..
الحل برأي المتواضع هو الالتفاف تحت عباءة الهوية الوطنية وعدم الإنجرار لتجار الدين وفتاويهم المستوردة وتبعيتهم لمن لا ينتمون للهوية الوطنية..
عندما تتدخل إيران في العراق فذلك لأن العقدة الفارسية مازالت قائمة وليس من أجل الدين وعندما تتدخل اي دولة غربية فذلك لأن العقدة الرومية مازالت موجودة ..أما تركيا فلي رأي أخر فيها وياليتها تعيد أمجاد الدولة العثمانية ..أعرف ان هذا ربما لن يستصيغه البعض ولكن هذا رأيي الشخصي ولا ألزم به أحد..
أشكرك أديبنا المقتدر على هذه الدراسة العميقة التي أثرت معلوماتي بصدق وفتحت المجال للنقاش في هذا الموضوع المهم..
دمت راقياً بفكرك ، وأتمنى أن لا تكون مداخلتي نشاز أو خارج إطار الفكرة ..
كما أتمنى على الزملاء والزميلات المرور ووضع رؤاهم في هذه الدراسة وإثراء المقال بما لديهم من فكر..
مداخلة في غاية الأهمية وأغنت المقال و(البحث)زخما معلوماتيا ورأيا فكري صائب
بعين فاحصة ..هذه المداخلة الرائعة من الأديبة المقتدرة الصديقة سلوى حماد فيها
ما يغني ويثري الحوار بما جاء فيها من اراء وخاصة وجهة النظر في الدولة العثمانية
وكنت في باقي الأجزاء سأعرج عليها ولكن لا بأس في عودة لمداخلة الصديقة سلوى
ان نذكر الحقائق المجردة من العاطفة في تأريخنا...لي عودة ان شاء الله