شاءت الغربة أن نلتقي- التقينا في منتصف الطريق- نحمل معاني الغربة.. تلك الغربة التي جاهدنا للتخلص منها ومن أثقالها بلفظها من داخل قلوبنا المفعمة بالحب والأمل والإصرار لكنها تعلقت بشباكنا وتمسكت بنا متشبثة بكل رموز ومعطيات واقعنا الأليم كي تجعلنا ننسى ما بذلنا كثيرا من اجل تذكره : حتمية أن نعود.. أن لا نبقى حيث نحن.. أن نسابق الريح.. أن ندور مع الشمس كي نصل الى مشارف الوطن.. الى ربوعه .. الى أعماقه.. الى جذور أشجاره ونباته.. الى صخور السفوح وحجارة التلال.. أن نصل الى دود الأرض والى مرابط خيولنا الشهباء.
شاءت الغربة أن نلتقي على وجيب قلوب عامرة بالضياء لا يدميها حاجة لكسرة خبز ولا يُنزفها جرح غائر حتى تصل الى فلسطين.. الى قلب الهدف.. الى ساحة الوغى التي ما كفّت أن تكون مهبطا لمفاوز الشجعان التي سحقت وتسحق كل الغزاة والغرباء.
شاءت الغربة أن تتحدانا لتكسر شوكتنا ، ولكننا عاهدنا الأرض أن لا ننثني .. عاهدنا دماء شهدائنا أن تبقى حمراء .. عاهدنا الليل أن نبقى شموعا تضيء الدرب. سنبقى أحرار.. سنبقى ألما في وجه الغربة والاغتراب.
شاءت الأقدار أن نغترب .. أن نكون على خط النار نصطلي بوهج الفرقة والحنين ونوزع أرواحنا في كل بقاع المعمورة.
شاءت الأقدار أن تسرقنا من أنفسنا وشاء الوقت أن يمضي سريعا محموما يمتطي صهوة حصان بري غير مروض.
شاءت الغربة أن تكون القرار- قرار سيد على عبده، ولكن عصر العبودية انتهى وتلاشى زمن الاقنان ، فلا قرار على احد ولا لونا يسبق بقية الألوان.
شاءت الغربة وشاءت وشاءت.. لكننا أبينا أن نكون غرباء ، رفضنا أن نغطي الشمس بثقوب الغربال ولم نُجَن حين جُن بقية ربعنا ولم نُدر ظهورنا لحدود أرضنا.. فعيوننا تشخص إليها وتحدق في مفاتنها حتى اليوم الذي نُزف فيه إليها.
شاءت أمي أن تبقى من النساء وشاءت الأرض أن تبقى عربية تقاوم محاولات الطمس والتغييب ، تمددت حتى وصلت كل مكان وتقلصت لتكون قارب نجاة ودرعا يقينا حُمّى الغربة وانسلاخ . لنعُد إليها ، لنرجع إليها بقلوبنا ، لنقترب منها بسيوفنا ، لننتفض فرحا بقُرب نجاتها . إنها تدعونا الى حضنها وتصرخ بصوت هادر : إنني المحبة .. إنني الألفة .. إنني التسامح .. إنني الأرض .. إنني الملتقى
شاءت أمي أن تبقى من النساء وشاءت الأرض أن تبقى عربية تقاوم محاولات الطمس والتغييب
*************************************
**
*
لعل إصرارها في الإبقاء على عروبتها وتاريخها البعيد حجة على أبنائها الذين خانوا العهد وعرضوها لطاعون الغرب الحاقد..
بوح عبق بالألم فتفرع في كل لمحة وتسكينة فيه.. ولله الأمر
سلمت أناملكم أيها القدير والحواس
وكل عام وأنتم بألف خير ولعل النصر قريب
محبتي والاحترام
الأخ سمير الأسعد
كيف لا يستحيل محراب حرفك أملاً
وأنت الذي تهدي الصمود معانيه والإصرار أناقته
ستبدو المشاعر غارقة في البديع ولا ريب
أسأل الله نصرا قريبا
وكل عام وأنتم بألف خير
تقدير يليق
.
عظيم هذا النص وعظيمة الدهشة التي قرأتها
بكل حب ومحبة ونحن أحياء هذه الأرض وحضننا الوحيد الذي ندفن ونعود له
فلمَ نتشتت
رائع ما جاد به قلمك
شكراً لهذا العمق والصدق
تقديري
التوقيع
حين
دخلت محرابك....
كنت قد توضأتُ بدمعة
ولأن البحر لم يصل مدّهُ لقاعك
سأرجع له الدمعة