الـخِــزانــة الحــديــديــة
20-10-2013
بدأت الحاجة خلود ملامح الاشياء حولها تفقد ملامحها التي عرفتها,وحواسها الممتعة تضمحل ,الطعام ..صور الاشياء
لم تعد متعة الحياة بذاك البريق,مرَّ هذا العيد كغيره من الاعياد
في السنوات الاخيرة كئيباً باهتاً مؤلماُ ليس فيه من جديد عن باقي
ايامها العادية,وحيدة بين هذه الجدران التي فقدت من روحها,لم يزوها احد الا جارتها الطيبة المتزوجة حديثاً الشابة امل وهي سكنت حديثاً هنا..رغم انها لم ترى زوجها اصيل الا انها احبته من خلال امل وحديثها الدائم عنه وعن طيبته ومعاملته الحسنة لها ومحبته.لها.تمر عليها بين الحين والاخر ويصادف احياناً يوميا تسألها إن تحتاج شيء ما,كل شيء في الدار كما هو ولكنه فاقد الروح حتى غرفة نومها القديمة خَفَتَ بريقها ولم تعد تسمع لها نبض, وهذا الجهاز اللعين الهاتف الجوال ليس له صوت وصار بدل وسيلة تواصل صار يذكرها بوحدتها وعزلتها وبجحود الاشجار التي زرعتها والتي عقمت ولا تعطي من ثمارها..نظرت الى خزانتها الحديدية كأنها مرآة لحياتها,كل ذّكرياتها هنا تسكن العابها وهي طفلة ..كتبها المدرسية..شهادات نجاحها..صورها هداياها ملابسها عقد قرانها ..بدلة زفافها..كل شيء هنا في خزانتها الحديدية,لقد اصبح بينها وبين خزانتها علاقة روحية حتى شعرت انها تكلمها وخزانتها الوحيدة في البيت لم تفقد بريقها ..احياناَ تشعر كأن هناك اصوات تأتيها من داخلها..تشعر بنبض الحياة فيها,علاقة غريبة نشأة بين الحاجة خلود وخزانتها الحديدية,طوفان من الاسئلة يجتاح ذاكرتها المعطوبة وتبحث عن اجابة,أجتاح وحل الخطيئة والجحود والزيف والضغينة كل جبال الطيبة والنقاوة والحب والمسّلمات الانسانية والسلام,تغيرت طقوس الحياة اليومية واهتزت المنظومة الاجتماعية بقيمها واعرافها المتداولة .زوج ابنتها انتصار نجى باعجوبة من انفجار سيارة مفخخة وهو يتسوق فاخذ عائلته وهرب لاجئاَ في احدى الدول,اخوها الكبير كان ذاهباً بسيارته ومعه زوجته الى المستشفى فقد جاءها المخاض لطفلها الاول فقتلتهم القوات الامريكية لانه بنظرهم كان مسرعا واقترب منهم كثيراً, اخوها الاصغر اختطف ولم تعد تعرف مصيره,وكان زوجها قد توفى على اثر نوبة قلبية بعد ان عانى من مرضه طويلاً وكانت قسم من ادويته مفقودة بسبب الحصار, الوحيد هنا هو ابنها,ولكنه ومنذّ ان تزوج احلام تغيرت طباعه..حتى بات لا يسأل عنها وانسلخ كلياً عن اهله واستسلم لاحلام المتسلطة والسليطة اللسان تمتلك من الخبث ما لا يمتلكه احد فقد احاطته بهالة لا يمكن اختراقها واصبح لا يخرج عن طوعها..فسكنه الجحود وتلبسه النكران واستوطنه الخذلان واصبح تابعاً ذليلاً,لم تعد تريد ان تتذكره بل لا تذكر ان لها ولد وسمعت اخيراً هو وزوجته وكلاهما مدرسان يأخذان الرشوة من الطلاب ويساوموهم على نجاحهم.توطدت العلاقة الروحية مع خزانتها وصارت تجلس قبالتها ساعات فهي تشعر بالطمأنينة وهي قربها وتفتقدها حين تبتعد عنها,في ذالك اليوم سمعت طرقاً على الباب عرفت انها امل فمن غيرها يطرق بابها.
- اهلاً بُنيتي..تفضلي
- شكراً خالة جئت أسأل عنك,هل هناك خطب ما فوجهك شاحب
لا بأس ..أحتاج لعامل لحام-
عندما يأتي اصيل من دوامه سيأتي اليك بعامل اللحام-
مساء ذالك اليوم جاءها اصيل ومعه عامل اللحام,اخذته الى خزانتها الحديدية وطلبت منه لحام قفل الخزنة لينصهر مع بدنها,رغم ان العامل استغرب طلبها والذي سيجعل الخزانة من الصعب فتحها الا انه نفذ لها طلبها.
في اليوم التالي بعد ان رأت وجهها الشاحب قلقت عليها فذهبت لتطمئن عليها,طرقت الباب وطرقتها ثانية وثالثة..اتصلت بها على هاتفها الجوال..لا احد يرد..اصابها الذعر ,اتصلت بزوجها ترجوه الحضور اليها..فالحاجة خلود لا ترد..
جاء اصيل وكسر قفل الباب ..اسرعت امل الى داخل الدار ولغرفة الحاجة خلود..وجدتها مستلقية على سريرها وهي في أغفاءة دائمية,لقد فارقت الحياة ووجهها تعلوه ابتسامة غريبة كأنها ابتسامة دافنشي في الموناليزا وبجانبها ورقة صغيرة..
قرأتها امل بصوت مسموع وهي تجهش بالبكاء..
بُنيتي أمل..خزانتي الحديدية من على جسر الاحرارارميها في نهر دجلة..ربما عندما يستعيد زرقته قد يراها حفيدي