حدثتني نافذتي الديوان الأول للشاعرة انتصار دوليب في سوريا ... من الولايات المتحدة الأمريكية كاليفورنيا \\
أدونيس حسن
أخيرا صار الحلم واقعا وحقيقة اختصر واختصرت بين دفتيه خلاصة تجربة عميقة في الحياة على قلة السنين في العمر, تلك الأعوام التي كانت تثبت في العدد وتتسع في المعنى والمعرفة والثقافة, ووثق شعراً وأدباً بدماء ودموع المواقف الحياتية المعاشة قبل أن يدخلا ذاكرة التأمل القصيرة وقصدية النجومية المرهقة وغيرة الظهور والإعلان, مخترقا المسافة الطويلة بين مشارق الأرض ومغاربها, بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا, لم يغب يوما الشرق من قلب الشاعرة انتصار دوليب رغم أنها عاشت معظم أيام حياتها في الغرب, فكان أول ديوان لها تصدره في سوريا\ حدثتني نافذتي \ الصادر عن دار الحوار في اللاذقية.
في حدثتني نافذتي فاتحة الديوان, استطاعت الشاعرة أن تنقل لنا حديث النافذة المكون من خمسة مقاطع وهمسة ختامية مفتوحة على بدايات جديدة, تربطها بخيط تمكن من أن يقدم الفكر والفكرة حول درجة عالية من الحرية تسمى الانعتاق وبتوازن وتجانس في الشكل واللون داخل حدود كل مقطع, حتى لمسنا وبإحساس عميق علاقة التكامل وداخل مستوى الصورة وأيضا داخل مستوى المضمون وعلى خطين يربطهما معادلة الميزان المستقر اللسان على حالة الاتزان, حيث كان التوازي في كفة, والنتيجة الصفرية للقاء بينهما في الكفة الأخرى, وكانت الصورة الشعرية مرسومة بريشة وقلم ولون وخط لم يُغال أو يُقال في بذل الألوان أو المداد فيهما, وخط المعنى يتصاعد ضمن منطقية عقلية وفكرية أوضح ما فيها التراكم العفوي العميق ومن النواحي الزمنية والكمية والنوعية لثقافة الشاعرة.
إن شرعية إنشاء الحوار والحديث بين أطرافه, تتخلق من أرض, تحوي درجة عالية من الخصوبة, حتى تفي نبات الانسجام حاجته من القوة في خيوط نسيج الخيمة, التي تظلل تبادل الأطراف الحديث, وتحمي رهافة الأنامل التي تتجاذب حدوده من خدش حرارة الضوء فيه, لقد تحققت هذه الشرعية هنا , عندما صدرت من محورية الغربة والوحدة التي تدور حولها النافذة والشاعرة في آن.
النافذة محاطة بأربعة خطوط تحدد وجودها القسري والثابت بقوة في جدار ضارب الجذر في استقراره, والشاعرة متوفرة بنفس المعنى ولكن باختلاف بسيط في الصورة, قد تكون أربعة جدران ترمز إلى أسباب تؤكد قسرية حضورها ضمن مساحة ترفضها, وكذلك تطل النافذة من هذا الحضور المحدد والمتشدد في قهريته على عالم تجاوز كل خط ولون وشكل في تحرره من أي احتمال لبلوغ نهاية تؤطر سهول انتشاره بأي رقم كان, وأيضا تطل الشاعرة عبر النافذة من هذه المساحة المحددة على عالمها الداخلي الذي يمتلك نفس الأشكال والألوان.
هذا التشابه والتطابق قاد إلى كسر غلاف الغربة بمطرقة الحديث, فكانت النافذة وطن الشاعرة عندما صارت كل ثغر عينها, والشاعرة وطن النافذة عندما تجمعت في حاسة السمع كل حواسها الخمسة وقد تكون أكثر حتى ترى الأحاديث الخمسة والهمسة,
حدثتني نافذتي
أن أضعنـــي في المتحف..وأتوسد أقنعة الموتى
فــ الليل يكبر في وجهي
وريش السنونو ما عاد يكتشف مساحتي
ولا يلائم عِتق حوافي
حدثتني نافذتي
أن أنبذ فكرة الجذور
أن أمضي كــ الهواء
لا أثر له على رؤوس العشب
لن يفيدني التهام الخراب
ببعضٍ من آثار ذاكرتي
حدثتني نافذتي
أن النبع قد يدعي الحياة
بينما تسكن أحشاءه الوطاويط الميتة
سيتآكل رأسي في بطء
إن ارتوى منه
حدثتني نافذتي
أن الليل مشلول ولا يقدر على المجيء إليّ اليوم
كان يسقط كــ نيزك في صدري
والآن..لا يستطيع حتى
ارتداء لونه
حدثتني
أن تلك البركة.. تشتهي المحيط وتحن إليه
تريد من السماء أن تطحن تلوثها
هنـــاك
همست نافذتي
قبل أن تغفو فوق صمتها
أنني..يجب أن أغلق اللون الأخضر
وأكتفي
بلون احتراق عكازي
وفي تساؤلات أسئلة تضع الخط الفارق بين الليل والظلام, وتؤكد أنه نفس الخط بين قصة العزف واللحن الجميل وحكاية الضجة, ويتعمق التساؤل من به خير النور لو تحطمت أقداح الظلام, وهل نستطيع أن نرى النور, وهل يكفينا هذا النور الذي يتكئ على جدار الظلام, وتترك انتصار بعد هذه الأسئلة بداية الأجوبة : لا بد أن هناك نورا آخر لا يبكي على أحد ولا أحد يبكيه, لا يتكئ على شيء ولا شيء يتكئ عليه:
لماذا تنتحب قيثارة الليل
أقداح الظلام تتحطم في صخب
تبكي الثلوج شبح الموت القادم
أي جنون يعتري المكان..؟
تأوهات تقرع ناقوس اليقظة
وضجة النجوم
تنتحر في استسلامٍ مرير
و أما في رقصة للعالم الآخر صنعت الشاعرة من الجسد أبجدية تجعل العمى والعماء بصر وبصيرة والصمم رهيف سمع , وتحول أقسى القلوب إلى أعذبها وأرقها, عندما تصل الغربة حد النهاية , وتسقط كل بهاءات الأشياء عن وجهها , تشحب أشد الأنوار إضاءة, يصبح عز الصيف شتاءً شديد البرودة, وأكثر الأشياء قرباً تنتهي إلى البعد واليتم, وهذا الوصول بالغربة لحد النهاية يستهلك كل المعاني في الكلمات وكل الكلمات في معانيها, نهرب إلى صوت آخر غير صوتها, نبحث فيه عن حضور .. حضورنا, فلا نجد أنفسنا إلا عدنا من جديد إلى قاعة الغياب, ولا يبقى أخيرا إلا الجسد الذي امتص الكثير من غوائل الفراغ الساعرة إلى تحطيم وجودها في الآن من أجل وصولها إلى البقاء, يتلوى ويطلق في كل حركة جملة من روايات التوق إلى التواجد, يحاول بها إجبار العيون على أن تسمع والأسماع أن ترى, والأقدام أن تتكلم ,عندها يصبح الصمت أشد دوياً من الرعد, وصورة الحركة العميقة السكون أكثر ضجة من كل أسباب الأصوات.
ساقان منهكتان
ثوب من ظلام مدلهم
ووشاح من لهب متأجج
يطوق عنقها كما الحياة
حذاءٌ حصدهُ الرقص
كيان هدهدته رتابة الألم
يلتحم بغتةً..بأرضٍ لا عهد لها
ويستمر نبض الموسيقى
وعن صخب .. صخب .. يتحدث الميلاد بداية الصخب, وكذلك سعير الشوق إلى وطن الجواب, يدفع فجر السؤال إلى النهوض وما أن يأتي وقت ظهيرته, يبدأ صخبا آخر من نوع آخر, ينسكب داخلنا رصاصاً منصهراً, يجعلنا أبخرة تتصاعد في سماء البحث عن نحن, لتثبت أننا رماداً يظلل بريق النجوم وضوء القمر على أرض اعتادت الرحيل عن أرضها تحت نير جفاف القلوب من شجرها وبحرها وبشرها ومن كل نعومة بتلات أزهارها المسقية بعروق من رحلوا في غياهب السعي إلى وطن...
انتظرك لتأتي في صخب
لتفتح ذلك الكهف في فيك
وتمد لسانك المرجاني
وتلعق في صمتٍ..صمتي
ثم يعودُ الصخب
ويخطو في غفلةٍ ..كالبرق
إلى محراب الحزن في عيني
حيثُ الشمس منهكة
والأشجار متحجرة
والمحيط ساكن
ليعبث بكل وجودي
ولنذوي معاً
في رنةِ الألم الملتهب
ذلك الصخب
يُعري الكون من الصمتِ
ويذكي محرقة النجوم
يغتصب ظلال الأرضِ
ويرسل عابثاً إلى السماءِ
عشرين نيزكاً
وبضع شُهُب
وبداية المعرفة تبدأ من ثلاثة مسارات في حيرة من زجاج
-السؤال: وضمن شرطية في شرعية الامتلاء فاللون الأبيض للبراءة ليس غير وعاء أغلق أبوابه على حركة الألوان, وعندما تكبح لحظة التأمل الحركة يندفع الانبهار بالسؤال عن ليل الاكتشاف .نحن لا نسأل بل يخرج منا السؤال
-الحلم: ليس غير تلك النوافذ في جدران العجز نحاول أن نحلق منها إلى سماء القدرة لنقطف من شجرتها ثمرة بداية الطريق إلى إعادة الإرادة المسلوبة حتى تحمل كفة الواقع إلى سوية كفة الحلم وعند ذلك يؤشر لسان الميزان لجهة المسير
-البحث: وفيه العودة إلى صفحات بيضاء لم يلونها المداد بألوان الأبيض, وعند التوقف في لحظة التأمل يلح بياضها على أن يُكتب ويظهر طيفه, وهنا يبدأ اشتعال السؤال والحلم معا في وقت العجز عن التحليق والعجز عن التوقف في لحظة التأمل, ولا يبقى إلا الركون تحت الظلال المعدومة اللون ضمن شبهة بلوغ الألوان....
طفل صغير يتساءل عن مذاق العشب
دمية تحلم بقطعة حلوى
لحية شيخ باهتة تبحث عن ظلال ملونة
وطريق المعرفة هو المسار الذي يصل بنا إلى تلك الصدمة العنيفة من ارتطام الأسئلة التي كبرت بجدران محدودية الواقع وانتهاء خطوطه, صدمة يتطاير شرارها من الاحتكاك الشديد لدرجات عالية من اهتلاكنا, تمتد يد الأسئلة الكبرى بلطف من تحت رماد العجز وتخلع عنا كل تلك الثياب العاجزة عن رد قارس برد عدمية الجواب أو رد هجير شمس السؤال, وهنا تصبح أجساد الأسئلة عارية وكذلك أدواتها نحن الأجساد, وهل نبقى في العراء تحت لهيب أسواط الأعين الحمراء الحارة الفاقدة للضياء, أو نذهب إلى مكان دافئ غير بارد وغير حار نختبئ به خوفا على توقف الأسئلة الكبرى عن الجريان, وضمن شرطية تكثر وتتكاثر فيها بنود نفاذ البصيرة حتى يكون البصر من حديد يقطع بنصله رقبة مزج السم بالدسم والحبل السري بين مخارج الحي من الميت ومداخل الميت إلى الحي, نصلٌ يستطيع أن يقشر صورة الشبهة عن زكي صورة الحقيقة, و به يفصل رؤوس الاطمئنان والتسليم والجمال عن جسد الخنوع والاستسلام وأقنعة المساحيق الرخيصة على وجه الخير والجمال.
وروح للكهف تختبئ
تخشى أن تشهد انطفاء السماء
تسد أذنيها عن تلميحات الموتى
تمسك أنفها عن رائحة القبر الشهية
وتتغاضى عن وداعة ثغره الأنيق
أما في غريب في وجهي فقد تركت الشاعرة انتصار دوليب القصيدة تسافر في اطمئنان الضجيج المتبخر من لعب الأطفال في الشوارع الضيقة للحارات الفقيرة وقد تدثرت دفئا لتتقي قارس الصقيع الثقيل للهدوء المريب في شوارع الأحياء المترفة العريضة, ودخلت غار بقعة الضوء الصغيرة هربا من سهول حزنها على الحقيقة المشنوقة على عيدان ضباب الأسواق, هوت بمطرقة امتلاء عبير أزهار الحدائق على الرأس الأسود للغبار المتناثر من مداخن المصانع ,,سحقت فراغ الأجواء, لم تجد نفسها في المدينة.
ذهبت إلى البوادي لترقص بين قطعانها على أنغام عزف النسيم بريشة الحرية على أوتار أعشابها, تعبت من تشنج مسافات السهول ,,راحت إلى ارتخاء المسافات في سحيق الوديان, استحمت ببساطة الحرير من جداولها ورمت وعثاء السفر في سحيق عدمها.
لم ترتو من كل الأقداح المتنوعة الشراب, أرادت شرابا عتيقا عميقا, ولت وجهها شطر الغابات, ارتشفت من كؤوسها زمنا عميقا, انفتحت أبواب بصيرتها على الجم الكثير.. للآتي القادم من عتيق الماضي.
في غريب في وجهي كأن الشاعرة تجلس في نفس المكان الذي كان يجلس فيه المهندس والفيلسوف والرسام ليوناردو دافنشي عندما ألقى غريب سؤاله في وجه الموناليزا أو الجوكندا ,,سؤال واحد وضعت له أجوبة بعدد من رأى نفسه في وجهها, وحتى الآن لم تأتي عيون ليوناردو في وجه أحد ليرى الجواب.
غريب في وجهي سيبقى غريبا حتى يأتي من يستطيع قطع المسافات الطويلة الذاهبة إلى مدينة الشاعرة ويلتقي في وجهها....
غريــب فــي وجـهــي
غريب
يقشر الهمس عن أصوات الزجاج
فوق فجوة جبهتي
يرتشف دمع الصبايا الساكنات
في خطايا وجنتي
وبخفه المدهون بكذبةِ اللبلاب
يخطو فوق عشب أهدابي
يرفع نعش النداء من صوتي
ينثر بعصاً سوداء طوفان الظلام
على إكليل ثغري
فإذ ما اسْمألَّ الظل لسلالة الألم
وتهجت أطيافها كل الثنايا في دمي
لملم أسمالَ الدموع
وسكب منها الامتلاء
في ذلك الوكر العقيم
من صحارى مقلتي
وراح عميق بصيرتها في قلادة النظرات ... إلى وعي ذهاب الخوف بالبصر, بقي لها الحديث عن تمسك الفراغ بأوتاد عناصره حتى تبقى خيمته منصوبة في بحر الخواء, تخترق القلادة جدران الجدباء القاحلة إلى بعد النضج , وبعد النضج إما قطاف عن شجرة العدم , أو تسقط على أرض الوجود وتتفسخ, لم ترض القلادة كل المقبول في ..حولنا .. قادتنا إلى عالم حرفته الاختراق, والانعتاق من كل ما يخضع للتحديد بين خطوط الصورة, عبر الدرج الصاعد إلى صمت الضجة حتى نعي التخلص من ضجة الصمت, وبعد ذلك , بعد الإصغاء والإنصات والأخذ باليد إلى معبد الكواكب, تهب القلادة كل نور النظرات, ويسكن في الأحداق في مَرتبة بيضاء ناصعة نضرة وبسيطة كذلك, نقرأ بها عدمية تعدد الألوان والأشكال ومركباتها المعقدة, ونصل إلى الثابت البسيط الراسخ الهدوء لحد اهتزاز وارتباك حتى الأمكنة والأزمنة.
رحلت قلادة النظرات من مكانها في العنق, واستقرت جميعها داخل العينين, ولم يعد البصر أداة للرؤية فقط, بل تعداها إلى حس الرائحة واللمس, لتظهر كل الحياة بعين الحياة التي اكتشفت موتا , وعجز إغراء لونها عن أن يمنع الروح من تلقف رائحة احتراقها تحت وهج نفاذ البصيرة إلى سر الحياة الذي أرانا أيضا تناقض المنسجمات, وهنا فقط هنا بلغت حضورا التهم سلالة الفناء, ولم يبقى منه إلا ذكرى تحاول الانتقام منا,,,,,
قلادة النظراتِ
أصغي بها لبحر..
متجلبب بالخوف
يطبق فكه على أصدافه المثقوبة
وأحواضه الخشبية
أنصت بها لجدباء..تخثر جفافها
لم يبلل وجهها لعاب السماء
ولم تمزق سعيرها رياح الماء
قلادة النظرات
تسوقني لمعبد الكواكب
حيث مومياء كاهنة..تفضح صمت الموت
تمشط أوراق الحياة
تصوغها في موروثة الوجود..بأريج توقعاتي
وأحدقُ
في وجه البراءة البري ذاك
أقبية للسماء تفتقت عن بسمة جرداء للقمر
مقبرة منسية لطائر
وورم في قامة الظل الشريد
يقيم مراسم الضريح لها
لغز للمساء يرتجف..رفوف للدهر ترتبك
وأعمدة مكسورة للحلم
يراق عليها رداء الغموض
بأصابع مهملاتِ
وتكتب الشاعرة انتصار دوليب القصيدة في عاصمة السماء وهي غارقة في عالمين متناقضين , دون أن ترحل من تلك القمة المرتفعة المشرفة منها على تلك العوالم التي تعدت هنا الاثنين:
الواقع بكل ما فيه من انعكاس العالم الآخر على وجه مرآة مجعد, والعالم الآخر النقي وبكل ما يملك من صفاء ونقاء لدرجة أنه ليس بحاجة لوجه مصقول حتى يرى ذاته فيه, لقد شف لحد أن صار عارفا عالما بذاته, ومندمج بكل تفاصيل وجوده, بعيدا عن أي انفصال أو انقطاع, وكذلك ليس متصلا لحد الذوبان والاستغراق بنفسه أو بغيره, عالم لا ينطق إلا من حضور استوعب كل أسباب الوجود ولنقطة لا تنفصل الأشياء عنه أو تمتزج فيه, هو أوسع رحابة من التسلط, ويستمد سلطته من خارجه الداخل فيه.
وكذلك عالم الشاعرة وذاتها وهي مغروسة في أرض الواقع وأرض العالم الآخر, وكيف تمتص منهما وبنفس الوقت نسغ وجودها الذاتي, وموقف لون الأوراق ودرجة نضج الثمار على شجرتها, وكيف يمكن تعميم واقع آخر من الممكن أن يحقق الحضور المتوازن والعادل في قصيدة أنشدتها وهي ترقب تلك العوالم الثلاث, لتقدم حكاية الشعر كيف يكاد أن يكون الجواب لأسئلة وجودية أرَّقتْ خطية العلم والفلسفة.
من هناك تطل على واقع مقعر صعدت من حوافه الجدران المرتفعة والعالية, صنعت حيزا منعزلاً عن ما حوله وعجزا عن الشعور بما فيه, حتى أنه يستسلم لكل ما يصيبه ويحصل له ولو بلغ الألم جريان الدموع في أعماقه\ بـ وادٍ يتجاهل البكاء.\,وترسم الشاعرة حدود عجزه ولا تطلق اليأس في قلبه \و مجرد زرقة باهتة\,ومن الفتحة الضيقة تصنع نافذة تطل منها على عالم رحب واسع فسيح\ أفتح خيالا ضاحكا\,عالم مضيء ولكن ليس أي ضوء.
إنه ضوء يمتلك اللغة ووسيلة التعبير التي تعرفها الشاعرة حتى تستطيع الحوار معه \ أجد مساحة من شموع تعرفني\, ويتوفر فيه أسلحة وأدوات صنعت من أجل الحياة\ مذنبات لا تحدق بي في تسمم \, هذا العالم ليس غريبا عنها فيه الجمال الذي تبحث عنه وفيه ضالتها \ وجاذبية قريبة المنال تدعوني\.
من هذه النافذة وكل ما وفرت من طاقة وقوة ستحطم كل دواعي الفناء والتدمير المتربصة بعوامل الاستمرار والحياة \ لأن أكسر العاصفة\, وبعد أن تمتلك كل نواصي السيطرة على الواقع المربك والمظلم يتشكل هنا العالم الخالي من القبح ومن الحزن, وبنفس الوقت فيه المكان الخارجي ووسطا للحياة والعيش, ويكون أيضا هو حيز داخلي ينطوي فيه الخارجي في جدلية العلاقة بين العطاء والأخذ, ولا ينفصل عن الذات, بل هي التي تدير شؤونه وتعمل باستمرار على نموه وتطوره \ وأدخل قلبي عاصــمـــة السماء\
بـ وادٍ يتجاهل البكاء..و مجرد زرقة باهتة
أفتح خيالا ضاحكا
أجد مساحة من شموع تعرفني
مذنبات لا تحدق بي في تسمم
وجاذبية قريبة المنال تدعوني
لأن أكسر العاصفة..وأدخل قلبي
عاصــمـــة السماء
ولا تتوقف الشاعرة انتصار دوليب عن التقديم لشروط استمرار هذا العالم العاصمة للسماء, حيث تكتشف مركزية لكون مختلف للحياة \ هناك حيث الشمس لا تنقسم\, هذه المركزية التي تتجاوز الوقت وتعلو فوقه, وفي تلك العاصمة لا تسلط لا تحكم, هي مدينة تقوم إدارتها ودفة حكمها على وعي بمعرفة بلغت حد السعادة أو ما يمكن أن نطلق عليه سعادة الوعي, قد نمت الحرية فيه خارج حالات الكبت والقولبة والتنميط, فحكام ذلك العالم احترموا تلك القوانين والأنظمة التي صنعتهم وصنعوها حتى صار دور الحاكم يحكي دور المحكوم خارج مواثيق وعهود وضرورات إبرامها \ المدارات ترقص في حرية على مسمع الأقمار\, وقد بلغ هذا العالم من الاستقرار حالة هدوء عميق فلا عواصف ولا أعاصير من الممكن أن تشق سلامة وخير وجمال هذا العالم \ الهواء قصير القامة يسير بثقة\, وهناك لا سموت ولا جهات من الممكن أن تولد تعدد الاحتمالات أو صدفة تحمل ما نريد ولا هدر لكرامة أو انحناءة ذل نستجدي فيها حق لنا \ القِــبلة لا تتوسل في اكتئاب لسوء الحظ\,ولا أحقاد أو ضغائن حيث لا يوجد أية مبررات لتخليقها أو توليدها طالما انتفت الحواف هناك \ السهام المسمومة لا تتردد في البيوت..وحلقات الفضاء فوقها لا تملأ حاجتها بالخراب \
هناك حيث الشمس لا تنقسم
المدارات ترقص في حرية على مسمع من الأقمار
الهواء قصير القامة يسير بثقة
القِــبلة لا تتوسل في اكتئاب لسوء الحظ
السهام المسمومة لا تتردد في البيوت..وحلقات الفضاء فوقها
لا تملأ حاجتها بالخراب
و نص \كون بلا وجه\ تقدم فيه انتصار لوجود لم يبخل في عطاياه من نور وجمال وخير, ولكن عندما أطلق كَرَمُهُ الحركةَ فيه بدأت صورة الحركة تعتقل أنوار جماله من زوايا الثغرات في نقاط الضعف في كونه, وبنفس الوقت الذي تفعل فيه صورة الحركة هذا الفعل تجد السماء مبررا لحضورها المخترق لمستوى المعقول فيه, فتبدأ بهطل مستوى معقول أرقى وأرفع .. لتنكفئ عتمة الزوايا الضيقة عن حشر الحقيقة, لا بل يتحول جسد الحقيقة عندها إلى الاكتمال في تجاوز حدود الجسد والمحدود والمؤقت, وتصل إلى غايات الاستمرار والديمومة, وفيه وفي هذا المستوى من بعض نوبات جنون السماء, يعلم الظل عجزه عن الانقضاض على شمسه, ويعي أن أجنحته ستتكسر ولن يبلغ وقت افتراس نفسه ونفسه هي الشمس.
كيف ينقض على سبب وجوده الذي ليس له خيار في التخلص منه, فهو ليس أكثر من لوحة إعلان عن هيبة الضياء في الشمس,,, شمسه,,,في صحوة السماء هذه, تريح جديد الإتيان بفجر الصباح حتى من التمتمة, فقد خلعت الجدران التي تحمل النوافذ, وصار الكون وهذا الوجود بيتا واحد, وعندها كذلك لا يعود هناك حاجة لفعل أقل من فعل السماء بكل ما يمتلك من بساطة وعفوية في خلق حياة لن يجتاحها حشرجة الصدر ولا ضيق في شهيق نقي الهواء. وكيف يكون للكمال وجه وقد هضم اكتمال رأسه كل عناصر الجسد منه,حتى أنه لم يبق إلا وجها, وتطرح هنا انتصار السؤال الكبير: كيف نستطيع أن نميز وجه الأشياء إذا لم تكن هذه الأشياء إلا عبارة عن وجه؟
تجيبنا ببساطة الاقتدار...
هذا وجه الكون أو كون بلا وجه, وكما نراه هو ليس مثلنا عندما نقوم بتحويل الأشياء عن حالتها فلا نرى أنفسنا إلا عبيدا لها, وكذلك عندما تستخدمنا الأشياء وتسلب داخلنا لتحل محله وتديرنا من الداخل بعد أن تفقد حضورها الذكي الطبيعي, فتفقدنا حضورنا الذكي الطبيعي. هنا يبدأ هذا الكون بترك الأشياء على ما هي عليه, يمد يده إلى الشجرة ويقطف منها الثمرة,, ليس فقط ليقتات الثمرة وإنما أيضا لتبقى الشجرة, ولو لم يقطفها سينكسر غصنها تحت ثقل الحمل ويدمر حياتها, ويبلل عروقه بالألم ليزرع الفرح في حقول الحياة عندما يترك قمحها يتراقص بطرب السعادة, وبعد أن تلقف ألم جفاف نضجه وكاثر الحياة في حبة النضج الجافة, وبذلك لم يترك طريقا إلى معادلات الجمال إلا أغلق بابه, فانفتحت أبواب اكتماله,,,, وهكذا يكون قد أطاح برأس الألم .. برأس الحزن..
كون بلا وجه تراق فوقه الساعات..وينحشر جسد الحقيقة في بعض زواياه الضيقة المعتمة..يرفرف الظل فوق شمسه متأهباً للانقضاض عليها..تنحسر عن نوافذه تمتمة الصباح...تسعل الأحذية في طرقاته الرطبة..بينما لا تسهو السماء فيه عن ممارسة بعض نوبات جنونها المقدس
كون بلا وجه..اقتات على الطبيعة وارتوي من نواح سنابل القمح...اختزن نهاية الجمال في لحظة اكتماله..واختار أن يكفر عن سيئات الأغنيات الممطوطة بالموت
وأمد يدي داخل إطاره النبيذي...أتلمس غباراً أنجبته حصى النجوم بعد رقصتها الغافلة..على لحن تشنج فيه الظلام فانتحر
أتحسس نحيب الصمت الذي استوطن آفاقا تمددت مخالب الظل فيها تصبغ دفئها بالبرد
ودمعة..رقدت على حافة القبر في أحشاء مقلته تبتهل لمغفرة النسيان
أحدق في تلك الدوامات التي خلفتها تأملاتي..ثقيل هو عقلي لكن أناملي لا تكف عن العبث بفكرة انطلاقي هناك..لأسكب أجيالاً من الغوغاء أرجم بها غفلته..حتى يفيق و يبحث عن وجهه ويستعيد ملامحه من صقيع الذبول
وتطرح الشاعرة انتصار دوليب في \أيها الساكن رأسي\ مفهوما جديدا لتلك العلاقة التي تربطها بمن تخاطب, وهي هنا لا تتحدث عن الحب بالمعنى المعروف فعادة يكون الحديث عنه بلغة القلب \أيها الساكن رأسي \ ولكن أتت هنا السكنى في الرأس والذي يرمز إلى المنطق والعقل وكل مفرداته الواضحة بشكل كامل \ المتوائم مع وجهي\, ومعروف أن الوجه هو الجزء الواضح من صورة الشخص والمعبر عن الكثير من المحتوى الداخلي بقسماته الخارجية, ثم تؤكد كيف يكون هذا الوضوح الخارجي مقترن بوضوح الداخل ونقاءه \ الضباب في كوني لا يستطيع أن يدعي ملكيتك\ وهذا الإعلان سيؤدي حتما إلى الثقة بالمستقبل والثقة بالطريق إليه \ والغد لا يسافر على جرحي فيك\
أيها الساكن رأسي
المتوائم مع وجهي
الضباب في كوني لا يستطيع أن يدعي ملكيتك
والغد لا يسافر على جرحي فيك
غالبا تستند الأشياء الأقل كثافة على الأشياء الأعلى كثافة فأغلب السوائل تطفوا \ تستند \ على وجه الماء, والماء أعلى كثافة من أغلب السوائل, وحتما هنا لن يكون الجدار إلا برقة الأثير وأرهف من الحرير, فالأشياء تبلغ المجال الواقع خارج نطاق الرؤية \ اللامرئي \ عندما تتجاوز الخط واللون والمادة مثل الروح والأفكار والأحلام, ولكنها أشياء تخطت كذلك المألوف من الأحلام \أنت..يا من يستند اللامرئي مني عليه\, وماهية هذا الشيء من نور, وهنا لم تبخل علينا الشاعرة عندما حددت ماهيته ولكن بقى السؤال معلق على شجرة التأمل: ما هو الشيء الذي أرق من النور الذي يستند عليه ؟ \ وتنحدر أقواسه من تقاسيم النور في أفقي\بصورة أخاذة تجيب انتصار بلغة السؤال, وتخبرنا عن اللامرئي أنه الروح وهي تعود إلى جسده وتحيا في نوره ورهافة أثيره وهو يحيا بها \ هل أهيئ مرفئي ليقبض فقط على كثافة رجوعي فيك\ مع أنها كانت وعلى مساحات الوقت لا تنظر إلا إلى شمس الرحيل وهي تحاول أن تنهي يوم الحياة
بالرحيل \وهل أفصل الموت عن شمسي لأجلك..؟\
أنت..يا من يستند اللامرئي مني عليه
وتنحدر أقواسه من تقاسيم النور في أفقي
هل أهيئ مرفأي ليقبض فقط على كثافة رجوعي فيك
وهل أفصل الموت عن شمسي لأجلك..؟
وهذا التميز في الكتابة كان الناتج الطبيعي لسيرة أدبية وفنية بدأت منذ طراوة العود للشاعرة انتصار دوليب, حيث بدأت معالم الإبداع في الرسم تتجلى في اهتماماتها حين استضافتها عدة برامج تلفزيونية, وفي الثالث الابتدائي تولت المسؤولية في الإذاعات المدرسية والبرامج الثقافية, وأصبح لها أوقات ثابتة مستقطعة من الحصص الدراسية للغة العربية لقراءة أعمالها الشعرية والنثرية, وأنشأت مجلة شهرية ثابتة تصممها وتطبعها وحدها أثناء دراستها المتوسطة في نيجيريا, وبعد تخرجها من الجامعة عملت مذيعة في القناة الأولى في المملكة العربية السعودية, ومقدمة للبرنامج الصباحي الرئيسي على الهواء, وأيضا كمراسلة إخبارية للقناة وممثلة لها في العديد من المؤتمرات العلمية والطبية, وعملت في مدرسة الملكة \ ألينور\ في لندن كمدرسة للفنوت الجميلة, كما عملت في الولايات المتحدة الأمريكية \ ولاية نيفادا \مدرسة للفنون الجميلة في مدرسة للمعاقين, وشاركت في العديد من المعارض الفنية والنشاطات الثقافية, وكذلك عملت كسكرتير ثقافي لإحدى الجاليات العربية في ولاية كاليفورنيا, ومستشار في رابطة الأدباء العرب في الولايات المتحدة الأمريكية وتمارس الكثير من الأنشطة في عدة مؤسسات كمتطوعة, وتدرس اللغة العربية لغير الناطقين بها, وكانت عضوا في إحدى لجان التحكيم لمسابقة قصيدة النثر لعام 2010, وكذلك لم تكن عضويتها عادية في الكثير من المنتديات والتجمعات الأدبية فغالبا كانت في المهام الإدارية العليا والإشرافية الواسعة, إضافة إلى أنها كانت تكتب في العديد من المجلات والصحف العربية منها مجلة سيدتي وحاليا في الكثير من الصحف الإلكترونية \ سيريان ديز الثقافي \- مركز النور الإعلامي والثقافي – الشبكة الإخبارية اليمنية – والشبكة الإخبارية السعودية – وصحيفة المثقف – وهناك الكثير .. \, وتعد حاليا لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية, وحاصلة على بكالوريوس في العلوم السياسية ودبلوم حاسوب وماجستير مع مرتبة الشرف من جامعة \ فينكس \ الولايات المتحدة الأمريكية , بالإضافة للكثير من الدورات التعليمية بمختلف المجالات العلمية والأدبية.
رد: حدثتني نافذتي الديوان الأول للشاعرة انتصار دوليب في سوريا ... من الولايات المتحدة الأمريكية كاليفورنيا \\
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أدونيس حسن
أدونيس حسن
أخيرا صار الحلم واقعا وحقيقة اختصر واختصرت بين دفتيه خلاصة تجربة عميقة في الحياة على قلة السنين في العمر, تلك الأعوام التي كانت تثبت في العدد وتتسع في المعنى والمعرفة والثقافة, ووثق شعراً وأدباً بدماء ودموع المواقف الحياتية المعاشة قبل أن يدخلا ذاكرة التأمل القصيرة وقصدية النجومية المرهقة وغيرة الظهور والإعلان, مخترقا المسافة الطويلة بين مشارق الأرض ومغاربها, بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا, لم يغب يوما الشرق من قلب الشاعرة انتصار دوليب رغم أنها عاشت معظم أيام حياتها في الغرب, فكان أول ديوان لها تصدره في سوريا\ حدثتني نافذتي \ الصادر عن دار الحوار في اللاذقية.
في حدثتني نافذتي فاتحة الديوان, استطاعت الشاعرة أن تنقل لنا حديث النافذة المكون من خمسة مقاطع وهمسة ختامية مفتوحة على بدايات جديدة, تربطها بخيط تمكن من أن يقدم الفكر والفكرة حول درجة عالية من الحرية تسمى الانعتاق وبتوازن وتجانس في الشكل واللون داخل حدود كل مقطع, حتى لمسنا وبإحساس عميق علاقة التكامل وداخل مستوى الصورة وأيضا داخل مستوى المضمون وعلى خطين يربطهما معادلة الميزان المستقر اللسان على حالة الاتزان, حيث كان التوازي في كفة, والنتيجة الصفرية للقاء بينهما في الكفة الأخرى, وكانت الصورة الشعرية مرسومة بريشة وقلم ولون وخط لم يُغال أو يُقال في بذل الألوان أو المداد فيهما, وخط المعنى يتصاعد ضمن منطقية عقلية وفكرية أوضح ما فيها التراكم العفوي العميق ومن النواحي الزمنية والكمية والنوعية لثقافة الشاعرة.
إن شرعية إنشاء الحوار والحديث بين أطرافه, تتخلق من أرض, تحوي درجة عالية من الخصوبة, حتى تفي نبات الانسجام حاجته من القوة في خيوط نسيج الخيمة, التي تظلل تبادل الأطراف الحديث, وتحمي رهافة الأنامل التي تتجاذب حدوده من خدش حرارة الضوء فيه, لقد تحققت هذه الشرعية هنا , عندما صدرت من محورية الغربة والوحدة التي تدور حولها النافذة والشاعرة في آن.
النافذة محاطة بأربعة خطوط تحدد وجودها القسري والثابت بقوة في جدار ضارب الجذر في استقراره, والشاعرة متوفرة بنفس المعنى ولكن باختلاف بسيط في الصورة, قد تكون أربعة جدران ترمز إلى أسباب تؤكد قسرية حضورها ضمن مساحة ترفضها, وكذلك تطل النافذة من هذا الحضور المحدد والمتشدد في قهريته على عالم تجاوز كل خط ولون وشكل في تحرره من أي احتمال لبلوغ نهاية تؤطر سهول انتشاره بأي رقم كان, وأيضا تطل الشاعرة عبر النافذة من هذه المساحة المحددة على عالمها الداخلي الذي يمتلك نفس الأشكال والألوان.
هذا التشابه والتطابق قاد إلى كسر غلاف الغربة بمطرقة الحديث, فكانت النافذة وطن الشاعرة عندما صارت كل ثغر عينها, والشاعرة وطن النافذة عندما تجمعت في حاسة السمع كل حواسها الخمسة وقد تكون أكثر حتى ترى الأحاديث الخمسة والهمسة,
حدثتني نافذتي
أن أضعنـــي في المتحف..وأتوسد أقنعة الموتى
فــ الليل يكبر في وجهي
وريش السنونو ما عاد يكتشف مساحتي
ولا يلائم عِتق حوافي
حدثتني نافذتي
أن أنبذ فكرة الجذور
أن أمضي كــ الهواء
لا أثر له على رؤوس العشب
لن يفيدني التهام الخراب
ببعضٍ من آثار ذاكرتي
حدثتني نافذتي
أن النبع قد يدعي الحياة
بينما تسكن أحشاءه الوطاويط الميتة
سيتآكل رأسي في بطء
إن ارتوى منه
حدثتني نافذتي
أن الليل مشلول ولا يقدر على المجيء إليّ اليوم
كان يسقط كــ نيزك في صدري
والآن..لا يستطيع حتى
ارتداء لونه
حدثتني
أن تلك البركة.. تشتهي المحيط وتحن إليه
تريد من السماء أن تطحن تلوثها
هنـــاك
همست نافذتي
قبل أن تغفو فوق صمتها
أنني..يجب أن أغلق اللون الأخضر
وأكتفي
بلون احتراق عكازي
وفي تساؤلات أسئلة تضع الخط الفارق بين الليل والظلام, وتؤكد أنه نفس الخط بين قصة العزف واللحن الجميل وحكاية الضجة, ويتعمق التساؤل من به خير النور لو تحطمت أقداح الظلام, وهل نستطيع أن نرى النور, وهل يكفينا هذا النور الذي يتكئ على جدار الظلام, وتترك انتصار بعد هذه الأسئلة بداية الأجوبة : لا بد أن هناك نورا آخر لا يبكي على أحد ولا أحد يبكيه, لا يتكئ على شيء ولا شيء يتكئ عليه:
لماذا تنتحب قيثارة الليل
أقداح الظلام تتحطم في صخب
تبكي الثلوج شبح الموت القادم
أي جنون يعتري المكان..؟
تأوهات تقرع ناقوس اليقظة
وضجة النجوم
تنتحر في استسلامٍ مرير
و أما في رقصة للعالم الآخر صنعت الشاعرة من الجسد أبجدية تجعل العمى والعماء بصر وبصيرة والصمم رهيف سمع , وتحول أقسى القلوب إلى أعذبها وأرقها, عندما تصل الغربة حد النهاية , وتسقط كل بهاءات الأشياء عن وجهها , تشحب أشد الأنوار إضاءة, يصبح عز الصيف شتاءً شديد البرودة, وأكثر الأشياء قرباً تنتهي إلى البعد واليتم, وهذا الوصول بالغربة لحد النهاية يستهلك كل المعاني في الكلمات وكل الكلمات في معانيها, نهرب إلى صوت آخر غير صوتها, نبحث فيه عن حضور .. حضورنا, فلا نجد أنفسنا إلا عدنا من جديد إلى قاعة الغياب, ولا يبقى أخيرا إلا الجسد الذي امتص الكثير من غوائل الفراغ الساعرة إلى تحطيم وجودها في الآن من أجل وصولها إلى البقاء, يتلوى ويطلق في كل حركة جملة من روايات التوق إلى التواجد, يحاول بها إجبار العيون على أن تسمع والأسماع أن ترى, والأقدام أن تتكلم ,عندها يصبح الصمت أشد دوياً من الرعد, وصورة الحركة العميقة السكون أكثر ضجة من كل أسباب الأصوات.
ساقان منهكتان
ثوب من ظلام مدلهم
ووشاح من لهب متأجج
يطوق عنقها كما الحياة
حذاءٌ حصدهُ الرقص
كيان هدهدته رتابة الألم
يلتحم بغتةً..بأرضٍ لا عهد لها
ويستمر نبض الموسيقى
وعن صخب .. صخب .. يتحدث الميلاد بداية الصخب, وكذلك سعير الشوق إلى وطن الجواب, يدفع فجر السؤال إلى النهوض وما أن يأتي وقت ظهيرته, يبدأ صخبا آخر من نوع آخر, ينسكب داخلنا رصاصاً منصهراً, يجعلنا أبخرة تتصاعد في سماء البحث عن نحن, لتثبت أننا رماداً يظلل بريق النجوم وضوء القمر على أرض اعتادت الرحيل عن أرضها تحت نير جفاف القلوب من شجرها وبحرها وبشرها ومن كل نعومة بتلات أزهارها المسقية بعروق من رحلوا في غياهب السعي إلى وطن...
انتظرك لتأتي في صخب
لتفتح ذلك الكهف في فيك
وتمد لسانك المرجاني
وتلعق في صمتٍ..صمتي
ثم يعودُ الصخب
ويخطو في غفلةٍ ..كالبرق
إلى محراب الحزن في عيني
حيثُ الشمس منهكة
والأشجار متحجرة
والمحيط ساكن
ليعبث بكل وجودي
ولنذوي معاً
في رنةِ الألم الملتهب
ذلك الصخب
يُعري الكون من الصمتِ
ويذكي محرقة النجوم
يغتصب ظلال الأرضِ
ويرسل عابثاً إلى السماءِ
عشرين نيزكاً
وبضع شُهُب
وبداية المعرفة تبدأ من ثلاثة مسارات في حيرة من زجاج
-السؤال: وضمن شرطية في شرعية الامتلاء فاللون الأبيض للبراءة ليس غير وعاء أغلق أبوابه على حركة الألوان, وعندما تكبح لحظة التأمل الحركة يندفع الانبهار بالسؤال عن ليل الاكتشاف .نحن لا نسأل بل يخرج منا السؤال
-الحلم: ليس غير تلك النوافذ في جدران العجز نحاول أن نحلق منها إلى سماء القدرة لنقطف من شجرتها ثمرة بداية الطريق إلى إعادة الإرادة المسلوبة حتى تحمل كفة الواقع إلى سوية كفة الحلم وعند ذلك يؤشر لسان الميزان لجهة المسير
-البحث: وفيه العودة إلى صفحات بيضاء لم يلونها المداد بألوان الأبيض, وعند التوقف في لحظة التأمل يلح بياضها على أن يُكتب ويظهر طيفه, وهنا يبدأ اشتعال السؤال والحلم معا في وقت العجز عن التحليق والعجز عن التوقف في لحظة التأمل, ولا يبقى إلا الركون تحت الظلال المعدومة اللون ضمن شبهة بلوغ الألوان....
طفل صغير يتساءل عن مذاق العشب
دمية تحلم بقطعة حلوى
لحية شيخ باهتة تبحث عن ظلال ملونة
وطريق المعرفة هو المسار الذي يصل بنا إلى تلك الصدمة العنيفة من ارتطام الأسئلة التي كبرت بجدران محدودية الواقع وانتهاء خطوطه, صدمة يتطاير شرارها من الاحتكاك الشديد لدرجات عالية من اهتلاكنا, تمتد يد الأسئلة الكبرى بلطف من تحت رماد العجز وتخلع عنا كل تلك الثياب العاجزة عن رد قارس برد عدمية الجواب أو رد هجير شمس السؤال, وهنا تصبح أجساد الأسئلة عارية وكذلك أدواتها نحن الأجساد, وهل نبقى في العراء تحت لهيب أسواط الأعين الحمراء الحارة الفاقدة للضياء, أو نذهب إلى مكان دافئ غير بارد وغير حار نختبئ به خوفا على توقف الأسئلة الكبرى عن الجريان, وضمن شرطية تكثر وتتكاثر فيها بنود نفاذ البصيرة حتى يكون البصر من حديد يقطع بنصله رقبة مزج السم بالدسم والحبل السري بين مخارج الحي من الميت ومداخل الميت إلى الحي, نصلٌ يستطيع أن يقشر صورة الشبهة عن زكي صورة الحقيقة, و به يفصل رؤوس الاطمئنان والتسليم والجمال عن جسد الخنوع والاستسلام وأقنعة المساحيق الرخيصة على وجه الخير والجمال.
وروح للكهف تختبئ
تخشى أن تشهد انطفاء السماء
تسد أذنيها عن تلميحات الموتى
تمسك أنفها عن رائحة القبر الشهية
وتتغاضى عن وداعة ثغره الأنيق
أما في غريب في وجهي فقد تركت الشاعرة انتصار دوليب القصيدة تسافر في اطمئنان الضجيج المتبخر من لعب الأطفال في الشوارع الضيقة للحارات الفقيرة وقد تدثرت دفئا لتتقي قارس الصقيع الثقيل للهدوء المريب في شوارع الأحياء المترفة العريضة, ودخلت غار بقعة الضوء الصغيرة هربا من سهول حزنها على الحقيقة المشنوقة على عيدان ضباب الأسواق, هوت بمطرقة امتلاء عبير أزهار الحدائق على الرأس الأسود للغبار المتناثر من مداخن المصانع ,,سحقت فراغ الأجواء, لم تجد نفسها في المدينة.
ذهبت إلى البوادي لترقص بين قطعانها على أنغام عزف النسيم بريشة الحرية على أوتار أعشابها, تعبت من تشنج مسافات السهول ,,راحت إلى ارتخاء المسافات في سحيق الوديان, استحمت ببساطة الحرير من جداولها ورمت وعثاء السفر في سحيق عدمها.
لم ترتو من كل الأقداح المتنوعة الشراب, أرادت شرابا عتيقا عميقا, ولت وجهها شطر الغابات, ارتشفت من كؤوسها زمنا عميقا, انفتحت أبواب بصيرتها على الجم الكثير.. للآتي القادم من عتيق الماضي.
في غريب في وجهي كأن الشاعرة تجلس في نفس المكان الذي كان يجلس فيه المهندس والفيلسوف والرسام ليوناردو دافنشي عندما ألقى غريب سؤاله في وجه الموناليزا أو الجوكندا ,,سؤال واحد وضعت له أجوبة بعدد من رأى نفسه في وجهها, وحتى الآن لم تأتي عيون ليوناردو في وجه أحد ليرى الجواب.
غريب في وجهي سيبقى غريبا حتى يأتي من يستطيع قطع المسافات الطويلة الذاهبة إلى مدينة الشاعرة ويلتقي في وجهها....
غريــب فــي وجـهــي
غريب
يقشر الهمس عن أصوات الزجاج
فوق فجوة جبهتي
يرتشف دمع الصبايا الساكنات
في خطايا وجنتي
وبخفه المدهون بكذبةِ اللبلاب
يخطو فوق عشب أهدابي
يرفع نعش النداء من صوتي
ينثر بعصاً سوداء طوفان الظلام
على إكليل ثغري
فإذ ما اسْمألَّ الظل لسلالة الألم
وتهجت أطيافها كل الثنايا في دمي
لملم أسمالَ الدموع
وسكب منها الامتلاء
في ذلك الوكر العقيم
من صحارى مقلتي
وراح عميق بصيرتها في قلادة النظرات ... إلى وعي ذهاب الخوف بالبصر, بقي لها الحديث عن تمسك الفراغ بأوتاد عناصره حتى تبقى خيمته منصوبة في بحر الخواء, تخترق القلادة جدران الجدباء القاحلة إلى بعد النضج , وبعد النضج إما قطاف عن شجرة العدم , أو تسقط على أرض الوجود وتتفسخ, لم ترض القلادة كل المقبول في ..حولنا .. قادتنا إلى عالم حرفته الاختراق, والانعتاق من كل ما يخضع للتحديد بين خطوط الصورة, عبر الدرج الصاعد إلى صمت الضجة حتى نعي التخلص من ضجة الصمت, وبعد ذلك , بعد الإصغاء والإنصات والأخذ باليد إلى معبد الكواكب, تهب القلادة كل نور النظرات, ويسكن في الأحداق في مَرتبة بيضاء ناصعة نضرة وبسيطة كذلك, نقرأ بها عدمية تعدد الألوان والأشكال ومركباتها المعقدة, ونصل إلى الثابت البسيط الراسخ الهدوء لحد اهتزاز وارتباك حتى الأمكنة والأزمنة.
رحلت قلادة النظرات من مكانها في العنق, واستقرت جميعها داخل العينين, ولم يعد البصر أداة للرؤية فقط, بل تعداها إلى حس الرائحة واللمس, لتظهر كل الحياة بعين الحياة التي اكتشفت موتا , وعجز إغراء لونها عن أن يمنع الروح من تلقف رائحة احتراقها تحت وهج نفاذ البصيرة إلى سر الحياة الذي أرانا أيضا تناقض المنسجمات, وهنا فقط هنا بلغت حضورا التهم سلالة الفناء, ولم يبقى منه إلا ذكرى تحاول الانتقام منا,,,,,
قلادة النظراتِ
أصغي بها لبحر..
متجلبب بالخوف
يطبق فكه على أصدافه المثقوبة
وأحواضه الخشبية
أنصت بها لجدباء..تخثر جفافها
لم يبلل وجهها لعاب السماء
ولم تمزق سعيرها رياح الماء
قلادة النظرات
تسوقني لمعبد الكواكب
حيث مومياء كاهنة..تفضح صمت الموت
تمشط أوراق الحياة
تصوغها في موروثة الوجود..بأريج توقعاتي
وأحدقُ
في وجه البراءة البري ذاك
أقبية للسماء تفتقت عن بسمة جرداء للقمر
مقبرة منسية لطائر
وورم في قامة الظل الشريد
يقيم مراسم الضريح لها
لغز للمساء يرتجف..رفوف للدهر ترتبك
وأعمدة مكسورة للحلم
يراق عليها رداء الغموض
بأصابع مهملاتِ
وتكتب الشاعرة انتصار دوليب القصيدة في عاصمة السماء وهي غارقة في عالمين متناقضين , دون أن ترحل من تلك القمة المرتفعة المشرفة منها على تلك العوالم التي تعدت هنا الاثنين:
الواقع بكل ما فيه من انعكاس العالم الآخر على وجه مرآة مجعد, والعالم الآخر النقي وبكل ما يملك من صفاء ونقاء لدرجة أنه ليس بحاجة لوجه مصقول حتى يرى ذاته فيه, لقد شف لحد أن صار عارفا عالما بذاته, ومندمج بكل تفاصيل وجوده, بعيدا عن أي انفصال أو انقطاع, وكذلك ليس متصلا لحد الذوبان والاستغراق بنفسه أو بغيره, عالم لا ينطق إلا من حضور استوعب كل أسباب الوجود ولنقطة لا تنفصل الأشياء عنه أو تمتزج فيه, هو أوسع رحابة من التسلط, ويستمد سلطته من خارجه الداخل فيه.
وكذلك عالم الشاعرة وذاتها وهي مغروسة في أرض الواقع وأرض العالم الآخر, وكيف تمتص منهما وبنفس الوقت نسغ وجودها الذاتي, وموقف لون الأوراق ودرجة نضج الثمار على شجرتها, وكيف يمكن تعميم واقع آخر من الممكن أن يحقق الحضور المتوازن والعادل في قصيدة أنشدتها وهي ترقب تلك العوالم الثلاث, لتقدم حكاية الشعر كيف يكاد أن يكون الجواب لأسئلة وجودية أرَّقتْ خطية العلم والفلسفة.
من هناك تطل على واقع مقعر صعدت من حوافه الجدران المرتفعة والعالية, صنعت حيزا منعزلاً عن ما حوله وعجزا عن الشعور بما فيه, حتى أنه يستسلم لكل ما يصيبه ويحصل له ولو بلغ الألم جريان الدموع في أعماقه\ بـ وادٍ يتجاهل البكاء.\,وترسم الشاعرة حدود عجزه ولا تطلق اليأس في قلبه \و مجرد زرقة باهتة\,ومن الفتحة الضيقة تصنع نافذة تطل منها على عالم رحب واسع فسيح\ أفتح خيالا ضاحكا\,عالم مضيء ولكن ليس أي ضوء.
إنه ضوء يمتلك اللغة ووسيلة التعبير التي تعرفها الشاعرة حتى تستطيع الحوار معه \ أجد مساحة من شموع تعرفني\, ويتوفر فيه أسلحة وأدوات صنعت من أجل الحياة\ مذنبات لا تحدق بي في تسمم \, هذا العالم ليس غريبا عنها فيه الجمال الذي تبحث عنه وفيه ضالتها \ وجاذبية قريبة المنال تدعوني\.
من هذه النافذة وكل ما وفرت من طاقة وقوة ستحطم كل دواعي الفناء والتدمير المتربصة بعوامل الاستمرار والحياة \ لأن أكسر العاصفة\, وبعد أن تمتلك كل نواصي السيطرة على الواقع المربك والمظلم يتشكل هنا العالم الخالي من القبح ومن الحزن, وبنفس الوقت فيه المكان الخارجي ووسطا للحياة والعيش, ويكون أيضا هو حيز داخلي ينطوي فيه الخارجي في جدلية العلاقة بين العطاء والأخذ, ولا ينفصل عن الذات, بل هي التي تدير شؤونه وتعمل باستمرار على نموه وتطوره \ وأدخل قلبي عاصــمـــة السماء\
بـ وادٍ يتجاهل البكاء..و مجرد زرقة باهتة
أفتح خيالا ضاحكا
أجد مساحة من شموع تعرفني
مذنبات لا تحدق بي في تسمم
وجاذبية قريبة المنال تدعوني
لأن أكسر العاصفة..وأدخل قلبي
عاصــمـــة السماء
ولا تتوقف الشاعرة انتصار دوليب عن التقديم لشروط استمرار هذا العالم العاصمة للسماء, حيث تكتشف مركزية لكون مختلف للحياة \ هناك حيث الشمس لا تنقسم\, هذه المركزية التي تتجاوز الوقت وتعلو فوقه, وفي تلك العاصمة لا تسلط لا تحكم, هي مدينة تقوم إدارتها ودفة حكمها على وعي بمعرفة بلغت حد السعادة أو ما يمكن أن نطلق عليه سعادة الوعي, قد نمت الحرية فيه خارج حالات الكبت والقولبة والتنميط, فحكام ذلك العالم احترموا تلك القوانين والأنظمة التي صنعتهم وصنعوها حتى صار دور الحاكم يحكي دور المحكوم خارج مواثيق وعهود وضرورات إبرامها \ المدارات ترقص في حرية على مسمع الأقمار\, وقد بلغ هذا العالم من الاستقرار حالة هدوء عميق فلا عواصف ولا أعاصير من الممكن أن تشق سلامة وخير وجمال هذا العالم \ الهواء قصير القامة يسير بثقة\, وهناك لا سموت ولا جهات من الممكن أن تولد تعدد الاحتمالات أو صدفة تحمل ما نريد ولا هدر لكرامة أو انحناءة ذل نستجدي فيها حق لنا \ القِــبلة لا تتوسل في اكتئاب لسوء الحظ\,ولا أحقاد أو ضغائن حيث لا يوجد أية مبررات لتخليقها أو توليدها طالما انتفت الحواف هناك \ السهام المسمومة لا تتردد في البيوت..وحلقات الفضاء فوقها لا تملأ حاجتها بالخراب \
هناك حيث الشمس لا تنقسم
المدارات ترقص في حرية على مسمع من الأقمار
الهواء قصير القامة يسير بثقة
القِــبلة لا تتوسل في اكتئاب لسوء الحظ
السهام المسمومة لا تتردد في البيوت..وحلقات الفضاء فوقها
لا تملأ حاجتها بالخراب
و نص \كون بلا وجه\ تقدم فيه انتصار لوجود لم يبخل في عطاياه من نور وجمال وخير, ولكن عندما أطلق كَرَمُهُ الحركةَ فيه بدأت صورة الحركة تعتقل أنوار جماله من زوايا الثغرات في نقاط الضعف في كونه, وبنفس الوقت الذي تفعل فيه صورة الحركة هذا الفعل تجد السماء مبررا لحضورها المخترق لمستوى المعقول فيه, فتبدأ بهطل مستوى معقول أرقى وأرفع .. لتنكفئ عتمة الزوايا الضيقة عن حشر الحقيقة, لا بل يتحول جسد الحقيقة عندها إلى الاكتمال في تجاوز حدود الجسد والمحدود والمؤقت, وتصل إلى غايات الاستمرار والديمومة, وفيه وفي هذا المستوى من بعض نوبات جنون السماء, يعلم الظل عجزه عن الانقضاض على شمسه, ويعي أن أجنحته ستتكسر ولن يبلغ وقت افتراس نفسه ونفسه هي الشمس.
كيف ينقض على سبب وجوده الذي ليس له خيار في التخلص منه, فهو ليس أكثر من لوحة إعلان عن هيبة الضياء في الشمس,,, شمسه,,,في صحوة السماء هذه, تريح جديد الإتيان بفجر الصباح حتى من التمتمة, فقد خلعت الجدران التي تحمل النوافذ, وصار الكون وهذا الوجود بيتا واحد, وعندها كذلك لا يعود هناك حاجة لفعل أقل من فعل السماء بكل ما يمتلك من بساطة وعفوية في خلق حياة لن يجتاحها حشرجة الصدر ولا ضيق في شهيق نقي الهواء. وكيف يكون للكمال وجه وقد هضم اكتمال رأسه كل عناصر الجسد منه,حتى أنه لم يبق إلا وجها, وتطرح هنا انتصار السؤال الكبير: كيف نستطيع أن نميز وجه الأشياء إذا لم تكن هذه الأشياء إلا عبارة عن وجه؟
تجيبنا ببساطة الاقتدار...
هذا وجه الكون أو كون بلا وجه, وكما نراه هو ليس مثلنا عندما نقوم بتحويل الأشياء عن حالتها فلا نرى أنفسنا إلا عبيدا لها, وكذلك عندما تستخدمنا الأشياء وتسلب داخلنا لتحل محله وتديرنا من الداخل بعد أن تفقد حضورها الذكي الطبيعي, فتفقدنا حضورنا الذكي الطبيعي. هنا يبدأ هذا الكون بترك الأشياء على ما هي عليه, يمد يده إلى الشجرة ويقطف منها الثمرة,, ليس فقط ليقتات الثمرة وإنما أيضا لتبقى الشجرة, ولو لم يقطفها سينكسر غصنها تحت ثقل الحمل ويدمر حياتها, ويبلل عروقه بالألم ليزرع الفرح في حقول الحياة عندما يترك قمحها يتراقص بطرب السعادة, وبعد أن تلقف ألم جفاف نضجه وكاثر الحياة في حبة النضج الجافة, وبذلك لم يترك طريقا إلى معادلات الجمال إلا أغلق بابه, فانفتحت أبواب اكتماله,,,, وهكذا يكون قد أطاح برأس الألم .. برأس الحزن..
كون بلا وجه تراق فوقه الساعات..وينحشر جسد الحقيقة في بعض زواياه الضيقة المعتمة..يرفرف الظل فوق شمسه متأهباً للانقضاض عليها..تنحسر عن نوافذه تمتمة الصباح...تسعل الأحذية في طرقاته الرطبة..بينما لا تسهو السماء فيه عن ممارسة بعض نوبات جنونها المقدس
كون بلا وجه..اقتات على الطبيعة وارتوي من نواح سنابل القمح...اختزن نهاية الجمال في لحظة اكتماله..واختار أن يكفر عن سيئات الأغنيات الممطوطة بالموت
وأمد يدي داخل إطاره النبيذي...أتلمس غباراً أنجبته حصى النجوم بعد رقصتها الغافلة..على لحن تشنج فيه الظلام فانتحر
أتحسس نحيب الصمت الذي استوطن آفاقا تمددت مخالب الظل فيها تصبغ دفئها بالبرد
ودمعة..رقدت على حافة القبر في أحشاء مقلته تبتهل لمغفرة النسيان
أحدق في تلك الدوامات التي خلفتها تأملاتي..ثقيل هو عقلي لكن أناملي لا تكف عن العبث بفكرة انطلاقي هناك..لأسكب أجيالاً من الغوغاء أرجم بها غفلته..حتى يفيق و يبحث عن وجهه ويستعيد ملامحه من صقيع الذبول
وتطرح الشاعرة انتصار دوليب في \أيها الساكن رأسي\ مفهوما جديدا لتلك العلاقة التي تربطها بمن تخاطب, وهي هنا لا تتحدث عن الحب بالمعنى المعروف فعادة يكون الحديث عنه بلغة القلب \أيها الساكن رأسي \ ولكن أتت هنا السكنى في الرأس والذي يرمز إلى المنطق والعقل وكل مفرداته الواضحة بشكل كامل \ المتوائم مع وجهي\, ومعروف أن الوجه هو الجزء الواضح من صورة الشخص والمعبر عن الكثير من المحتوى الداخلي بقسماته الخارجية, ثم تؤكد كيف يكون هذا الوضوح الخارجي مقترن بوضوح الداخل ونقاءه \ الضباب في كوني لا يستطيع أن يدعي ملكيتك\ وهذا الإعلان سيؤدي حتما إلى الثقة بالمستقبل والثقة بالطريق إليه \ والغد لا يسافر على جرحي فيك\
أيها الساكن رأسي
المتوائم مع وجهي
الضباب في كوني لا يستطيع أن يدعي ملكيتك
والغد لا يسافر على جرحي فيك
غالبا تستند الأشياء الأقل كثافة على الأشياء الأعلى كثافة فأغلب السوائل تطفوا \ تستند \ على وجه الماء, والماء أعلى كثافة من أغلب السوائل, وحتما هنا لن يكون الجدار إلا برقة الأثير وأرهف من الحرير, فالأشياء تبلغ المجال الواقع خارج نطاق الرؤية \ اللامرئي \ عندما تتجاوز الخط واللون والمادة مثل الروح والأفكار والأحلام, ولكنها أشياء تخطت كذلك المألوف من الأحلام \أنت..يا من يستند اللامرئي مني عليه\, وماهية هذا الشيء من نور, وهنا لم تبخل علينا الشاعرة عندما حددت ماهيته ولكن بقى السؤال معلق على شجرة التأمل: ما هو الشيء الذي أرق من النور الذي يستند عليه ؟ \ وتنحدر أقواسه من تقاسيم النور في أفقي\بصورة أخاذة تجيب انتصار بلغة السؤال, وتخبرنا عن اللامرئي أنه الروح وهي تعود إلى جسده وتحيا في نوره ورهافة أثيره وهو يحيا بها \ هل أهيئ مرفئي ليقبض فقط على كثافة رجوعي فيك\ مع أنها كانت وعلى مساحات الوقت لا تنظر إلا إلى شمس الرحيل وهي تحاول أن تنهي يوم الحياة
بالرحيل \وهل أفصل الموت عن شمسي لأجلك..؟\
أنت..يا من يستند اللامرئي مني عليه
وتنحدر أقواسه من تقاسيم النور في أفقي
هل أهيئ مرفأي ليقبض فقط على كثافة رجوعي فيك
وهل أفصل الموت عن شمسي لأجلك..؟
وهذا التميز في الكتابة كان الناتج الطبيعي لسيرة أدبية وفنية بدأت منذ طراوة العود للشاعرة انتصار دوليب, حيث بدأت معالم الإبداع في الرسم تتجلى في اهتماماتها حين استضافتها عدة برامج تلفزيونية, وفي الثالث الابتدائي تولت المسؤولية في الإذاعات المدرسية والبرامج الثقافية, وأصبح لها أوقات ثابتة مستقطعة من الحصص الدراسية للغة العربية لقراءة أعمالها الشعرية والنثرية, وأنشأت مجلة شهرية ثابتة تصممها وتطبعها وحدها أثناء دراستها المتوسطة في نيجيريا, وبعد تخرجها من الجامعة عملت مذيعة في القناة الأولى في المملكة العربية السعودية, ومقدمة للبرنامج الصباحي الرئيسي على الهواء, وأيضا كمراسلة إخبارية للقناة وممثلة لها في العديد من المؤتمرات العلمية والطبية, وعملت في مدرسة الملكة \ ألينور\ في لندن كمدرسة للفنوت الجميلة, كما عملت في الولايات المتحدة الأمريكية \ ولاية نيفادا \مدرسة للفنون الجميلة في مدرسة للمعاقين, وشاركت في العديد من المعارض الفنية والنشاطات الثقافية, وكذلك عملت كسكرتير ثقافي لإحدى الجاليات العربية في ولاية كاليفورنيا, ومستشار في رابطة الأدباء العرب في الولايات المتحدة الأمريكية وتمارس الكثير من الأنشطة في عدة مؤسسات كمتطوعة, وتدرس اللغة العربية لغير الناطقين بها, وكانت عضوا في إحدى لجان التحكيم لمسابقة قصيدة النثر لعام 2010, وكذلك لم تكن عضويتها عادية في الكثير من المنتديات والتجمعات الأدبية فغالبا كانت في المهام الإدارية العليا والإشرافية الواسعة, إضافة إلى أنها كانت تكتب في العديد من المجلات والصحف العربية منها مجلة سيدتي وحاليا في الكثير من الصحف الإلكترونية \ سيريان ديز الثقافي \- مركز النور الإعلامي والثقافي – الشبكة الإخبارية اليمنية – والشبكة الإخبارية السعودية – وصحيفة المثقف – وهناك الكثير .. \, وتعد حاليا لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية, وحاصلة على بكالوريوس في العلوم السياسية ودبلوم حاسوب وماجستير مع مرتبة الشرف من جامعة \ فينكس \ الولايات المتحدة الأمريكية , بالإضافة للكثير من الدورات التعليمية بمختلف المجالات العلمية والأدبية.
رد: حدثتني نافذتي الديوان الأول للشاعرة انتصار دوليب في سوريا ... من الولايات المتحدة الأمريكية كاليفورنيا \\
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انتصار دوليب
ماذا لو تحدثت نافذتي لألف قمر دمشقي
ماذا لو نطقت بألف عصفور من الفستق الأخضر
وماذا لو قالت اللوز والتوليب
وتلفظت بالسماء والبحر
لن تفوق أبـــدا هذه النظرة الفاحصة من النجوم التي تكرمت بها سيدي الكريم جدا
تلك النافذة التي ستناضل بالزهر لأنها ولدت بـ سوريا الحبيبة, حماها ربي
كم من مرآة فرحة علي أن أقدم هنا
كم من أعواد بخور ضاحكة وقصائد غارقة في أساطير الكرز
أشجار الصندل التي هاجرت إلى هنا وتم تكريم هذياني بها هي أكبر بكثير من مساحاتي المتواضعة
لا أدري كيف أقدم امتناني, أدونيس حسن, وسوريا التي ما زالت تمنحني أكثر مما حلمت به أناملي بألف ألف حديقة ملائكية الثمار
تحيتي وامتناني في عمق فضاء ليس كأي فضاء
مودتـــي وباقة نبض هائلة لوطني السماوي هناكـــ
وماذا بعد أن تحدث كل الشعر بالدعاء لدمشق وجسدها سوريا وقميصها العربي
أن يبقى القلب فيها يضخ دماء الحياة في أرجاء مساحتها
ويحفظ نسيجها من مخالب المكان وأنياب الأيام
وأن تقفل لهجة التضرع الحزام ملفوفا على باقة من باقات سوريا وفيها غصن اسمي
وماذا بعد أن ملأت مستودعات الذاكرة بتحقيق الحلم
حيث تكون سوريا أكون ,, وحيث أكون تكون سوريا
شكراً لك سيدتي
أن رفعت الدعاء والنداء لبلدي وأهل بلدي بالخير والحياة
وألف شكر لكلمة تساوي عندي من الحياة ألف