رجل بلا قلب
عرفته رجلا صلبا , قاس الملامح , نادرا ما يبتسم , كأنه خاصم الدنيا وما فيها , لا يجامل أحدا , لا يهتم لأمر أحد , فهو رجل بلا قلب , مع ذلك , كان موظفا متفانيا في عمله .
كنت وباقي الزملاء , أشبه بعائلة , عدا هو بطبيعة الحال , نتزاور ونتهادى.
بعد خمس سنوات من العمل معا , قررت زيارته , بحجة تهنئة بالعيد, والواقع أردت أن أخترق حصنه المنيع , كشف سر جموده , وإنطواءه , إتصلت به مسبقا , رحب بالزيارة , أعطاني عنوان منزله , في جبل الزهور , كان في استقبالي على مدخل الشارع الضيق , كأنه مدخل مخيم , عندما ولجت البوابة الرئيسه , شاهدت منزلا متواضعا , لكنه مريح وهادىء , كان ثمة رجلا عجوزا رث الثياب , طويل اللحية , يعتمر الكوفية , يجلس أمام المنزل , على حافة سور , يحيط بساحة المنزل , رددت السلام , قلت في نفسي ,ربما كان متسولا . نهره زميلي بنبرة جفاء وغلظة , طلب منه , أن ينزوي جانبا , عن مدخل المنزل , إمتثل الرجل , وفي عينيه الحادتين دمعة تمساح , دخلنا الصالون , كان والده باستقبالي , حياني , ولم ينبس ببنت شفه , نظرته تخفي ألما وحيرة , قلقا وخنوع , دقائق إستأذن , جر نفسه ببطء , تركنا وغادر .
كان زميلي كريما , وابتسامته لم تفارق محياه , على عكس ,ما عهدته من قبل , كانت زيارة قصيرة , إذ أحسست ,أن هناك خطبا ما , أن الوقت لم يكن مناسبا , ودعته وانصرفت ,ما زال الرجل ,واقفا أمام المنزل , نظرته الثاقبة ,توحي بالخبث والمكر , فكرت مليا في هذا الرجل ولم أهتدي لتفسير منطقي .
بعد شهور , توفي والد زميلي فاتصلت به معزيا , واستأذنت بزيارته مع باقي الزملاء , رحب أيضا بالزيارة , استقبلنا أمام منزله , كان متجهم الوجهه , حانقا , قلت لعله متأثرا على وفاة والده , أمام المنزل كان نفس الرجل , واقفا كتمثال , قاسي الملامح , عابس الوجه , يتربس كثعلب , لا يبدو عليه الحزن , , نهره زميلي :ـ إنتهت الزيارة .
قال الرجل :ـ سأطمئن على أمك وأغادر .
قال زميلي :ـ لا شأن لك بأمي , إنصرف الآن .
حملق الرجل فيه بغضب , وانصرف ولم ينبس ببنت شفة .
يوما , في المكتب , فاجأني صديقي قائلا :ـ هل الوقت مناسبا للزيارة بعد المغرب ؟
قلت مبتسما :ـ بالطبع يا صديقي , أنت مرحب بك في أي وقت , أحسست أنه يريد رد الزيارة , أو يفتح صفحة جديدة . بعد الصلاة ,كنت وإبني الأكبر في استقباله , جلسنا نتحدث , دخل والدي , استقبلته بالباب, فلثمت يده وجبينه , دعا لي كعادته كلما التقينا , عرفته بصديقي فرحب به , بعد دقائق إستأذن والدي , أخذ بيد إبني وخرجا , إنقلبت أسارير صديقي من دون سابق إنذار , بدا عليه الحزن , إغرورقت عيناه , ثم ثار بقوة ,كبركان , يرمي بحممه في كل اتجاه , تجهش بالبكاء , إندهشت من تصرفه المفاجىء , لم أدر ما عساي أفعل , إقتربت منه , رتبت على كتفيه , فجأة , أخذني بين ذراعيه , إستمر بالبكاء , وأنا ألاطفه , وأواسيه ,من غير علم لي , بأسباب بكائه , هدأ قليلا , تنهد بسلاسة , كسيارة تتهادى لتقف, ناولته منادييل , مسح بها دموعه , نظر إلي نظرة مذنب , أشفقت عليه كطفل بريء .
قال : أرجو المعذرة , لقد أسأت التصرف معك , فأعذرني , عندما شاهدتك تقبل والدك , وهو يدعوا لك بألفة وحنان , ذلك الذي حرمت منه طوال حياتي , لم أرد عليه , صمت للحظات , إلتفت إلي بذل , كأن ,ما سيقوله مؤلما , كان مترددا , كأنه يفكر بعواقب ما سيقوله , أو ,أنه يتساءل هل يثق بي أم لا !
تشجع وقال :ـ والدي ليس والدي .
ذهلت , حملقت به , تساءلت , هل جن صديقي ؟ هل يهذي الرجل ؟
صمت ,كأنه توقع أن أسأله تفسيرا , لكنه تابع :ـ
والدي البيولوجي ,ما زال حيا, زاد الرجل في حيرتي, لم يترك للصمت مكانا , فسألته , لم أفهم , ماذا تعني بقولك هذا !
قال :ـ والدي الذي أنتسب إليه في الهوية , ليس والدي , مع العلم ,أن الجميع يعتقدون أنه والدي الحقيقي .
بقيت محدقا به ,عله يزيح الغمام ,الذي تراكم في عقلي .
تابع :ـ والدتي ووالدي أبناء عم , ووالدي البيولوجي عمي أيضا, وكان أخ مقرب ,وصديق حميم, لوالدي ,فكان يدخل البيت بوجود والدي ,وعدم وجوده .
صمت زميلي, كان يتأملني , هل فهمت مقصده أم لا؟ لكنه لاحظ عكس ذلك .
فقال :ـ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الحمو الموت .
حدجني بنظرة مؤلمة , بعينين مغروقتين , ثم تابع :ـ يوما كنت مريضا عدت من المدرسة مبكرا , تفاجأت بوجود عمي مع أمي , في غرفة النوم , وحدهما , بملابسهما الداخليه , بيده حبة تفاح , متباهيا كديك حبش , كانت أمي تبكي , وتنتحب في زاوية الغرفة , تفاجىء بوجودي , كأنما داهمته سيارة , إسودت الدنيا في عينيه , تناول سكينا , ووقف كذئب , وضعها على رقبتي , هددني بالقتل , إن تفوهت بكلمة , قفزت أمي نحوه كلبؤة , إنقضت على ظبي صغير , فأوقعته أرضا, ضمتني إليها بقوة وهي تنتحب, لكنه ارتدى ملابسه وانصرف .
منذ تلك اللحظة ,وأنا أعاني من عقدة الذنب , لماذا لم أخبر والدي بما يجري , كان والدي يتألم , كلما نظرت إليه , أدركت , أنه يعلم بما يجري , من وراء ظهره , لاحظت أنهما منفصلين سرا, وكان عمي ,يتمادى بفعله الشائن , مستغلا أمي وصمت أبي, عندما واجهت أمي وألححت عليها , أخبرتني أن عمي هو والدي الحقيقي , و أخذ زميلي يبكى كطفل صغير .
وقتئذ , أدركت , تصرفه مع الرجل , أمام منزله , كان عمه الحقيقي , ووالده البيولوجي . أدركت , عبوسه الدائم , وأدركت , كيف , ومن أين , إكتسب ملامحه القاسية , علمت , أن قلبه , سجين ألمه , تركني حائرا , مذهولا , وانصرف .
ألأخ الفاضل والصديق الجميل رياض حلايقة .. طابت أوقاتك
بدءاً أود أشير إلى أن الفكرة رائعة , وتستحق كتابتها كقصة.
لكن للقصة أدوات اشتغال , وأسس , ومقومات .. قد نبتعد عنها في بعض النصوص الفنطازية أو ما إلى ذلك .. ولكن صياغة قصتك هذه مرسومة بإسلوب واقعي صرف , مما يستوجب الإلتزام بقواعد القص .. إلا أنك وقعت بخطأ التقريرية , وهذا ما يسيء لهذا الأسلوب في هذا الجنس.
فلو تأملنا النص بنظرة موضوعية شاملة
لوجدناه مستوف لشروط العقدة والصراع والتطهير .. ألخ. لكنك ضيعت عنصر الإبهار في الخاتمة حيث تسرعت بكشف سر البطل قبل النهاية.
ومن عيوب النص ذكر اسم منطقة سكنى البطل بلا مبرر , ولا وجوب.
وهنالك ثمة جمل لا ترتقي لما قرأته في كتاباتك الأخرى , حيث جاءت متداخلة , وتشكو من ضعف صياغي بائن , مما أفسد متعة التلقي ..
فتولد عندي اعتقاد بأنك كنت متعجلاً كثيراً بالنشر , وربما لم تراجع النص ملياً.
ناهيك عن الأخطاء الإملائية التي وردت في أكثر من مكان .. فعلى سبيل المثال .. رسم الهمزة .. فمرة جعلتها منفردة وكان الأولى أن تجلس على كرسي الياء , ومرة أخرى ألحقتها بياء بدلاً من جلوسها على كرسي الألف , وحذفت التنوين من خنوع , وأبقيت حرف العلة بعد لم , واستبدلت الصاد بسين في كلمة يتربص , وغيرت أجهش بـ تجهش بالبكاء .. التي تشي بإجهاش كاذب , وأضفت تاءً لكلمة ربت .
وأشرت أثناء السرد بأنك لم تجد تفسيراً منطقياً لحالة لا تحتاج إلى تفسير أو لا علاقة للمنطق بجلوس رجل اشتثار استغربك. .. كون المشهد مألوفاً لدى كبار السن.
وأخيراً , وهذه ليست مجاملة , لأني لا أجامل بالإبداع نهائيا .. أقول بأنك قادر , وبجدارة أن تعيد صياغتها , وستكون من النصوص الرائعة .. وشكراً لسعة صدرك , مع بالغ تقديري.
أخي رياض حلايقة
أهنئك على الفكرة.. والنقد لا يضعف الكاتب أبداً
أتمنى أن يمر شاعرنا عمر مصلح .. أو لجنة تحكيم القصة ،على كل كتاباتي ويسجلوا ملاحظاتهم القيمة .
لكَ خالص التحية
هيام
التوقيع
وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شي... يسرك في القيامة أن تراه