الصيام عن الشهوات
حدق في وجهها البكر.. ابتلع شهقة تاهت بين الدهشة والخوف, وصام عن الكلام عشرة أعوام, تدوّرت خلالها الصبية إلى امرأة مشتهاة, تلاحقها أينما حلت آهات شهوات الافتراس..
حتى كان يوما, وفيما كان الصياد يسحب شبكته من الماء أخبرته, أن فراقا حدث بينها وبين من سباها عشرين عاما..
رحل الرجل بعينيه إلى المدى, رأى نورسا يمتطي خيوط الشمس الراحلة, ويصدر صوتا موجوعا.. سألت تخبئ ذعرها:
- ما به الطير يا أبي؟!!
- لا أدري إن هو يطلق بيان الرجوع أو يطلق بيان الوداع!!
ورفع رموشها ونظر مليّا, وهمس كمن يحدث نفسه:
- ليس هو..!!
- من هو يا أبي؟؟
- احذري خداع المراوغين من الرجال..
وأخذها إلى صدره وغادرا المكان, بينما كانت الشمس تلملم خيوطها وتسحب معها النورس وتغطس في الماء..
وفي البيت أشعل سراج الزيت, واخرج من صندوق حاجياته الخاصة لفافة تضم بضع وريقات.. قال:
- قبل أن تتخلقي جبلة آدمية بيوم, وقعت في شبكتي سمكة ملونة مثبت على صدرها علبة صغيرة.. رقصت.. وقالت:
- اعتقني, يكون هذا الصندوق لكَ, وأنا لي والماء..
كتب على الوريقات, أن امرأة ستظهر بين الأزرقين.. تسير في الدروب تبحث عن وليف تتبعها رائحة الخزامي, ستقع سبية لرجل جُيل من وهم, فيصوم لحمها عن الشهوات عشرين عاما, وأنها ستفيق يوما على صوت نورس أجهدته الرحلة, ينادي بعد أن اقتات على العذاب واستبد به الشوق:
- أنا من تنتظريه يا رضاب
- من أنت, ومن أين أتيت؟!!
- أنا المنسي بن زمن قادم من عسقلان