(على تقاسيم عازف العود الجزائريّ محمّد عبد الله المشهور باسم علاّ فوندو)
الأخضر بركة. الجزائر
ترنيمٌ أوّلٌ:
يا عودُ..
الْمَسْ وردةَ المرضِ الدفينة وانجرحْ
متسلّقا آه الغياب
ينسابُ رملُ الوقتِ ِبلّورًا على كفّيكَ،
من أنتَ؟
اختصرْتَ الماءَ في ظمأٍ يعضّ كآبةَ البدءِ، انهمرْ
جسدًا على جمرٍ يحارُ،
النارُ صوتٌ صامت تنهار فيه..
قلعة اللغةِ، الصدى
آثار كيٍّ في هواء تنفّسِ العودِ ،الصدى سفرٌ
مُتَعَرِّجٌ، مُغْرَوْرَقٌ بالبَوْحِ،
يستشري أنينُ الصخْرِ في أصقاع وَحْدَاتِ اهتزاز الناقةِ الثكلى، تكسّرْ
لؤلؤاً يا عود في وله الشرود
متمزّقا كالريح، ملتفّا بثوبِ اللازورد المُـمَّحي يمشي
إلى غَيْبَاتِهِ الجسدُ، الصدى خَبَبُ المتاهِ..
يا عودُ واحْفُرْنٍي..مكاناً
في مهبِّ اللاجهات ، اسْتَقْطِرِ الروحَ التي
هي أنت في كأس التنهّدِ،
كائنٌ ينشتُّ في خمر المسافة أنتَ ، علِّمْنِي صُعُودَكَ في انشراخٍ،
كن سرير اللحظة الملأى بكيمياء التعبْ
*** ***
أيّها الماضي إلى أوّله
مثل حريرٍ من رمال الدهشة السكرى، تدفّقْ
شُدَّ رَحْل السفر الآن إلى آنٍ غريبٍ ليس يكفيهِ المكانُ
شُدَّ أهْدابَ انْفلاتٍ ما بِقَبْضَاتِ التمزّقْ
وَتِّرِ الأوتارَ كي يهتزَّ عُمْقُ الجَسَدِ المسكونِ باللاشيْءَ في عودٍ يُعيدُ السُبُلَ الشتّى إلى النبْعِ،ارتعشْ يا نخلُ
يا أعمدةَ الصمتِ التي شدّتْ إلى أرضٍ سماءً
حرّة النفسِ، انكسرْ
مرآة صوفيٍّ أمام الباب ،
كسّرني دموعاً من فِلِزِّ الشَجَنِ الصُلْبِ
اتخذني متن إيقاع المضيّ الأبيض الخطو إلى تيهٍ يفيضُ
أيّها العودُ النحيلُ الروحِ علّمني ركوبَ الرِّيحِ في الحريّةِ الأخرى
بكاء الطين إجهاش رمادٍ يستعيد امرأةً تتّقدُ
مفردات الليل موسيقى يَدٍ أنثى تحاكي هودجًا يبتعدُ
نقّرْ هدوء َالوَتَرِ المشدود في صُلْبِ فراغٍ يتلوّى فيه
إيقاع الشهيقْ
أيّها العودُ الصديقُ ،
اسْتَنْطِقِ الآنَ جمادَ الكونِ ،أُسْكُبْهُ نبيذاً
كن بـُهوتَ المطر الصافي على سَطْحِ زجاجِ النافذة
كن خروجَ الولدِ الحافي إلى رملِ مساء العزلةِ الغامضِ ، كنْ....
واحاتِ حيراتِ الشروقْ
كن هواء الرئة الخاصِّ ،انفطرْ
أضواء ، بعثرني خطوطا فوق ماءٍ مائلِ الحزنِ،
تعذّبني
تعلّمني كما قد شئتَ ،أيقظْ غابة الإحساسِ في لحمِ الغضار المنطفي،اذْهَبْ زفيرا
سُحُبُ العينينِ في رُكْنِ فراقٍ ذكرياتُ امرأةٍ تحتشدُ
مُفْرَدَاتُ الليل أشلاء ُكلامٍ أوّلٍ يكتبهُ فوق فراغٍ جَسَدُ
وتّرْ خيوطَ الكبدِ اطْعَنِّي بدفْقَاتِ الرنين المتلظّي
شدّ ما ينزلقُ الآنَ من الآنِ لعلّي أجِدُ
لي في فيافي خطأ الأرضِ سماءً تلدُ المعنى يتيما
كن كريَم القَسْوَةِ استقطبْ
تراثَ العُودِ واعْطُبْهُ رؤى..كنْ..
فتنةً تعصفُ أوراق اليقينِ الأصْفَرِ العَقْلِ ،اقترفني
جرسًا من موجِ معمارِ الشجا يعلو
وينهار و يعلو،
للدجى خيل من الأنفاسِ تعدو كظلالٍ،
للدجى ومْضَاتِ خلخالٍ مثنّى
حول ساقٍ ترقصُ التيندي، تمزّقْ
أيّها العود الذي يشتعلُ
سُلَّ احْتِمَالَ الخِنْجَرِ الباقي من الإيقاع ، انْحَتْهُ سرابا
يستحِثُّ السَفَرَ ،ارْتَجَّ عياءً يصلُ
هدْهدْ نعاس الموت في جفن الحياة
لحظةً
منحنيا
فوق مياهِ الأبدِ الحالمِ، عتّقْ
آخر القطْرَاتِ من خَمْرِ الصدى يا عود ! و اجرحْ
وردة الآه السجينة
ترنيمٌ ثانٍِ:
كثبانُ ماءِ الروحِ منزلقٌ عليها الكونُ ،
يا نَفَساً ينِزُّ الآن.. من صلصال إنسان الغياب،
لَكَ دمعةُ الحيوانِ في صلبِ الطبيعة،
قطرة الإجهاش من إبريق خمر الليل، يا هِجْرًا
يربّي النار في قنديل بيتٍ من لغة
لك عثرة العشاق في دَرَجِ اللقاء المنتهي بكآبة أخرى
لك امرأة تطلّ عليك مسافرا كالغيم ،
أشجارٌ لك اصطفّت على جنبيْ طريقِ مسافة الذكرى
نشيجٌ من حُليّ ذراعِ أمٍّ في صباح فراق ماضٍ
حشرجات الماء في صدر الغدير المُبتلَى بعبور غزلان البياض
لك خفقة تدعو إلى سفر وراء الطير ،
شيءٌ ينتمي لتراب طفل الذاكرة
لك خطوة القبطان فوق سفينة ترسو على غرق الغموض
من أنت فيّ لكي تهبَّ عليّ منّي،
مُلقيًا بأثاث قطعان الرتابة في حريق الوَجْدِ؟
يا وحدي الذي...
متقطّعَ الأنفاس يذهبُ تاركا جسدي رمادا،
شقّني يا صمتُ نصفين: الصدى والآه، كثّرني وحيدا
ساهرا كالشمع في عتمات لَحْظَاتِ البُهُوت.
*** ***
لك سُكْرُ الموت ما بين ذراعيّ الحياة
لك هذا الجبلُ الذاهلُ مثل الطفل في عُرْضِ الصحارى،
لك ماءٌ يشعل النيران في الصدر،اشتعلْ ثانيةً يا عودُ
قطّعني غيوماً
في مهبّ الفتنة ، استرسلْ
نشيجاً ناعماً يصطاد وحش المرأةِ الأوّل في عينين، قطّعني تخوماً.
*** ***
لك ليل جالسٌ يصغي إلى ترنيم أنفاس المكان،
أنجمٌ ترتجّ في كأسٍ نداماها الظلالُ،
جسدٌ يهمي،
هبوب النوم في قصبات يقظاتٍ، لك البيد الخيالُ .
*** ***
ترنيمٌ ثالث:
صامتا كالثلج في الليلِ يجيء الشجنُ المُنْكسر الرّغبات، يشتمُّ
نسيم التربة الأوّلِ،استرسلْ هباءً يستفزّ الحبْر يا وحْدي البعيدُ خذ قليلاً من قليلِ العُمْرِ واصنعْ ما تريدُ..بِـيَ.صُبَّ لي الشايَ،اتخذ قلبي هنيهاتٍِ صديقاًَ قد أعودُ ذات نصٍّ لأرى ما فاتني مّني، استطال الليلُ.. سلّفْني كلاما كي أقول الصمْتَ، يا صمتاً يصيدُ الخاطرَ في بُرج الفراغ الداخليّ.. خذْ قليلا من قليل الضوء واكتبْ: من هنا مرّ كثير من أناس واستحالوا ورقاً يقرأهُ لي انحناءُ الجسدِ. استرسلْ خريفا عابثاً بالورق الأصفر في بستان رمّان الحياة. *** *** لك غابةٌ من آهَ تمشي فوق ماء، معطف الأبِ عائداً للبيت ،أطفالٌ يشدّون الغمام إلى أمام النّفس،نافذةٌ لها عينان من أمل صبورٍ في جدار الوقت، بيت واحدٌ لك يستضيف الكون لحْظاتٍ، لك الماضي متخليّاً عن الماضي يدقّ البابَ يَسْتَجْدِي بهاءَ الحاضر الشفّاف، عثْراتُ الشَّجَى لكَ في طريق الرّمل تفتنُ من رآك ولم يصِلْكَ، السرُّ أنّك لسْتَ سرّاً، في ظهورك تختفي مُسْتًوْحِشاً خُبْثَ الفصاحةِ، وقفةٌ لهبوب نسْمٍ يقدح الجمرات في برْدِ الرمادِ الآن أنْتَ، مسافرٌ أبداً ولم تبْرحْ مكانك، أين تمضي..؟ حين تمضي مغمض العينين؟، ماذا خلف جَفْنَيْكَ اسْتَتَرْتَ مِنَ العَوَالِمِ؟، كلّما لامسْتَ شيئاً ذاب من وجع الغيابْ لَكَ..
أنّني لا أستطيع الآن أن أُعطيك اسماً، صُبَّ لي الشايَ، اسْتَمِرَّ، اللّيلُ هاويةٌ لِمَنْ لا صُبْحَ يُمْسِكُهُ عن الإيقاع، *** *** ساجٍ هو البحر الذي روّضته بالقرْب يجثو مثل نِمْرٍ مُصغياً للانهاية كلّما مسّدْتَ ظهر الرّمل أنّتْ كبِدُ، يا طفْلَ دهْشاتِ الهبوط الصعْبِ في وادي البداية.
لَكَ...
أنّ الوقتَ لا يكفيك فاخترتَ البقاءَ الآنَ في الآنِ، اطّرحْتاللغةَ المكْتظّةَ النَبْرَاتِ كي ترتاحَ شفّافاًَ..هناك
لك وعثاء الملاك المُنتمي للأرض في سردٍ شتائيّ الحكاية.
التوقيع
من رأى الشيءَ حُجِبْ
من رأى في الشيءِ سُلطاني اقتربْ
جاءني من قد تعرّى من ثيابِ الشيءِ فيهِ
خُطْوَتي نحوي امّحاءُ الشيءِ فاكتبْ ما ترى في ماء تيهِ
آخر تعديل وطن النمراوي يوم 08-09-2010 في 04:44 PM.
ما شاء الله ! شاعر مبدع و نفس طويل في الشعر
ليخال القارىء وهو يقرؤ هذه القصيدة أنه في معبد متصوف يرى الأمور جميلة بحكمة فيرسمها لوحة فنية راقية من جميل البوح
تحياتي لك أستاذي الفاضل بركة، و مثلها لحرفك النور هذا
و رمضان مبارك و كل عام و أنت بألف خير
فقد استمعت إلى همسات قلبك واستمتعت بأنغامها الشجية
وأبهرتني الصور المتناثرة على جدران معبدك مشكلة لوحة رائعة
وارتشفت من نميرك العذب حتى ارتويت فقد كان كالشهد المصفى
تحياتي ومودتي
الشاعر القدير والأستاذ عبد الرسول معله. أسعدني كثيرا منك هذا التجاوب الرائع مع النّص. لقد كان في كلماتك تتويجٌ أحسد عليه الأخضر بركة وأنا الأنا آخر كما قال رامبو يوما.
مودّتي الكبيرة وتقديري البالغ لكم ولذائقتكم الفائقة.
التوقيع
من رأى الشيءَ حُجِبْ
من رأى في الشيءِ سُلطاني اقتربْ
جاءني من قد تعرّى من ثيابِ الشيءِ فيهِ
خُطْوَتي نحوي امّحاءُ الشيءِ فاكتبْ ما ترى في ماء تيهِ