غرباء شعر : د. جمال مرسي يَا سَرَاباً حَسِبْتُهُ نَبعَ مَاءِ=نَحوَهُ سَارَت فِي الهَجِيرِ ظِبَائِي كُلَّمَا سِرنَ خُطوَتَينِ إِلَيهِ=عُدنَ عَشراً ـ مِن بُعدِهِ ـ لِلوَرَاءِ خَادِعٌ أَنتَ ، كَم مَدَدتَ بِسَاطاً=أَبصَرَتْهُ اللُّجَينَ عَينُ الرَّائِي سَاحِرٌ أَنتَ ، كَم أَسَرتَ عُيُوناً=بِبَرِيقٍ مِن جَفنِكَ الوَضَّاءِ كَاذِبٌ أنتَ ، كَم وعدتَ بِسُقيَا =تَرتَوِي مِن فُيُوضِها صَحرائِي فَغَدَت مِن جَدبِ الوُعُودِ قِفَاراً=و فُؤَادِي مِن حَرِّها فِي عَنَاءِ يا سَرَاباً : هَل كُنتَ بَعضَ حَبِيبِي=و حَبِيبِي هَل كَانَ كُلَّ شَقَائِي ؟ أَنتُمَا الوَهمُ ، أَم أَنَا ؟ لَستُ أَدرِي=قَد تَوَارَت حَقِيقَةُ الأَشيَاءِ و تَلاشَى فِي نَاظَرِيَّ رَبِيعٌ=كَانَ أُنسِي ـ فِي وَحشَتِي ـ و ضِيَائِي حَطَّمَت غُصنَهُ يَمِينُ خَرِيفٍ= و هَوَت فَوقَهُ شِمالُ شِتَاءِ فَذَوَى الغُصنُ ، و الطُّيُورُ تَهَاوَت= و جَفَاهَا شَدوٌ ، و رَجعُ غِنَاءِ صِرتُ أَحيَا فِي غُربَتَيَّ وَحِيداً=لَيسَ لِي غَيْرُ الشِّعرِ مِن أَصدِقَاءِ و طُيُوفٍ مَرَّت أَمَامِي و ذِكرَى = كُنتَ فِيهَا كَالصُّبحِ حُلوَ الرُّوَاءِ كُنتَ نِيلاً يَجرِي بِكُلِّ عُرُوقِي=و فُرَاتاً عَذباً سَرَى فِي دِمَائِي كُنتَ دِفءَ الشُّمُوسِ فِي بَردِ لَيلِي=و ضِيَاءَ البُدُورِ فِي ظَلمَائِي كُنتَ حُلماً ، يَا لَيتَهُ دَامَ عُمراً=كُنتَ مَهدِي ، و اليَاسَمِينُ غِطَائِي يَا حَبِيبِي : و أَنتَ مِن نَبتِ قَلبي=كَيفَ عُلِّمتَ كُلَّ هَذَا الجَفَاءِ ؟ كَيفَ أَصبَحتَ فِي الجَوَانِحِ جُرحاً=بَعدَمَا كُنتَ بَلسَمِي و دَوَائِي ؟ ليتَ شعري ، أتستحيلُ ورودي=شوكةً في حلقي و في أحشائي ؟ لَم أَزَل مِن أَمرِ الهَوَى فِي ذُهُولٍ=و السُّؤَالاتُ دَاخِلِي فِي اْصطِلاءِ هَل بَنَى القَلبُ بِالغَرَامِ قُصُوراً= هَشَّةَ الأُسِّ ، مَائِلاتِ البِنَاءِ ؟ فَتَدَاعَت فَوقَ الرُّؤُوسِ لَيَالٍ =كَم قَطَعنَا سُكُونَهَا بِلِقَاءِ كَم تَمَنَّيتَ مِثلَمَا أَتَمَنَى= و الأَمَانيُّ رَوضَةُ الشُّعَراءِ كَم حَلَمنَا ـ و الحُلمُ طِفلٌ بَرِيءٌ ـ = بِالأرَاجِيحِ فِي رُبَا الجَوزَاءِ بِالفَرَاشَاتِ تَستَبِيهَا مُرُوجٌ=و خُطَانَا مِن خَلفِهَا فِي خَفَاءِ بِسَلامٍ يَعُمُّ أَرضَ المَنَايَا=و بِعَيشٍ مُنَعَّمٍ و رَخَاءِ فَأَفَقنَا عَلَى حُطَامِ مَنَامٍ= و سَرَابٍ و أَدمُعٍ و بُكَاءِ و عَلَى وَاقِعٍ يُمَزِّقُ حُلماً =و يُذِيقُ المُنَى كُؤُوسَ الفَنَاءِ فَافتَرَقنَا ، و فِي الصَّحَائِفِ ذِكرَى=و مَضَينَا فِي الدَّربِ كَالغُرَبَاءِ