الارنب ...... قصة : مهند الياس
.. أحس بشيء ما يجثم فوق دثاري ، فيشيع بعض الدفء فوق طرف من خاصرتي ومن الأسفل ، حيث لم أعط أي تفسير لما أحس به بادئ الأمر ، إلا عندما حركت قدمي ومددتهما باستقامة ، إذ وجدت الأرنب وقد قفز إلى الطرف الآخر من السرير ، وتكور بجانب الوسادة ،، تركته ينعم بهدوئه .. فرأيت عينيه الخرزيتين الصفراوين والنصف مغمضتين فتنسدل رموشه الطويلة ذات الشعر المائل الى الاسود الفاقع فتثير في الدهشة لتركيبة منظره الجميل .. فرحت اتوجس اذنيه
الطويلتين البيضاء ، مثل نتف القطن الناصع ، وبطنه الرشيقة ، ورأسه المثلث المتناسق ، وذيله القصير المتكور وهو اشبه بالكرة الصغيرة في مؤخرته ،، قالت زوجتي ، وهي تقف امام المرآة تصفف شعرها الذي عقصته بالامس لدى ( الكوافيرة ) ، حيث لعنت ذلك اليوم الذي وطأت قدماها صالونها كونها ثرثارة ، وغير مؤدبة ، وتتدخل في شؤون الآخرين :-
ــ يبدو انه كسول هذا الصباح ...؟
قلت :-
ــ يبدو ذلك ..!!
.. لكن للحظة ، نط الارنب من فوق السرير بخفة ، ووقف فوق المنضدة ، التي تحمل المرآة الكبيرة ، فرأيت صورته تنعكس عبر المرآة ، بينما تنشغل زوجتي بالحركة فوق رأسها ... قالت تمزح .. ــ هل اصفف شعره ؟!
قلت :-
ــ لا .. لم ادخله الحمام البارحة ..؟!
قالت :-
ــ سأدخله أنا ..!
.. وانفرجت تجاعيدها بابتسامة خفيفة فيها سر اعرفه ، ثم وضعت المشط في حاوية الأمشاط وحثت الخطى خارج الغرفة !
.. لازلت مدثراً ، وانعم بشيء من الدفء تحت الدثار ، إذ يبدو إن المطر قد توقف الآن ، أراه من خلال النافذة أمامي ، وقد أزاحت ستارتها زوجتي قبل قليل ، فظهرت بعض ارتفاعات أشجار أليوكالبتوس العالية ، المعمرة ، و لمعت أغصانها بسبب رشقات المطر القوية !
.. اتوجس الارنب الذي يقف بجانب المراة فارى الجانب الاخر منه منعكسا فيها .. وضحكت زوجتي ،، حيث تذكرت ما اخبرني به صديقي عن هذا الارنب اللعين والمشاكس والهاديء وما فعله بركاب الطائرة التي اقلته من استوكهولم الى بغداد ، فنشر فيهم شيئا من الرعب بالرغم من كونه حيوانا مسالما لا يؤذي مثل الحيوانات الاخرى .. حيث انفلت من قفصه الصغير وراح يقفز من فوق الرؤوس قفزات متناهية وينحشر تحت المقاعد ، فخلق نوعا من اللغط المخلوط بالضحك قال لي صديقي :
- انه من سلالة فريدة
- قلت له :
- اعرف .. ان الارانب تتكاثر بشكل غير طبيعي .. واذا ما اصبجت لدينا مجموعة .. فاين اذهب بها ..؟
قال:
- .. وقتها .. تصرف ..!
- .. ولكن بعد شهر مات الذكر ، وبقيت الأنثى ،، مات الذكر بطريقة لم تكن في الحسبان ، فقد حاول أن يتسلق شجرة ألسدر المرتفعة في حديقة منزلنا ، ذات الأغصان المتشابكة ، ولا اعرف لماذا أراد ذلك ، هل كان يطارد شيئا ما ..؟ أم انه يلعب ، فنحن نعرف الأرنب ومن طبيعته ، لا يطارد مخلوقا ، فقد تعودنا أن نراه وهو يحفر خندقا ، أو ثقباً في الأرض ، يصل إلى بعض الأمتار وبعيداً عن البيت ، حتى أن طفلا من الجار وجد الأرنب يسير في باحة حديقتهم ، وراح يطارده وعندما دخل في نقرة النفق الذي عمله توقف الطفل مذهولا ، وراح ينظر بعينين شرهتين ولا يصدق مايرى ، وحلول أن يمد رجله في فوهة الثغرة ، لكنه ، سحبها خشية أن ينزلق وتنحشر قدمه ويقع في مأزق ، وفكر الطفل في أن يأتي بدلو من الماء ويصبه في الثقب حتى يخرج الأرنب ، فسحب خرطوم الماء الطويل ، وفتح الصنبور بقوة وراح الماء يتدفق بقوة ، ثم دس فوهة الخرطوم في الثقب ، لكن الماء لم ينضح إذ كما يبدو وجد له منفذ عبر النفق الطويل ، ولما لم يجد بُد بدأ الطفل بسحب الخرطوم ، فوجد إن الثغرة قد ترسبت بها الأطيان ، وانهارت جوانبها الهشة ، فغلق الصنبور وبعد أن وجد لا فائدة .. تراجع بعض الخطوات إلى الخلف ، لكنه فوجئ بالأرنب يقف على مسافة منه ، نظر إليه ، وفكر في أمره ، وحاول أن يتقدم نحوهُ بعض الخطوات ، لكنه لم يجرئ خوفا ً من أن يختفي عنه ُ، وبقي واقفا ً ثانيا ً في مكانه ، وقد مد له يده ،
صرخ به
ــ تعال !
يبدو ان الارنب لم يفهم اشارة الطفل ،، او ما ذا يريد .. فغادره بخطوات بطيئة كما لو انه يستهزيء به ثم انعطف باتجاه اخر يقفز بين الحشائش ثم توقف تحت سياج الحديقة ولحق به الطفل بسرعة لكنه تعثر وسقط على الأرض ، انفجرالطفل بالبكاء ، وتعالت صرخاته يبدو انه ارتطم بالأرض قويا ً ، وقد خرجت أ ُمهُ مذعورة متجهة اليه بشعور خائف وصرخت به
- مابك يا حبيبي .. قم انهض ..!
قال الطفل وهو مغمور بالبكاء :
_ الارنب ..!
قالت:
__ اي ارنب هذا هل لدينا .. ارانب ..؟!
قال وبعد ان اشار بيده ..
: انه هناك ..!
لم تفهم الام مما يقوله الطفل ، وقادته من يده ، ثم دلفت به داخل المنزل !
.... حين بدأت الشمس تنزلق خلف الافق تركت عصارتها تسيل مثل خيوط فضية ناصعة
تنعكس عبر وا جهات الاشجار ، فتتشابك مع تفرعاتها الكثيفة ووجدت ان اقف امام الحديقة ، لحظتها شعرت بكسل يدب في اوصالي ، كوني قد سهرت مع زوجتي ليلة البارحة اذ كنا نشاهد انتوني كوين في فيلمه الشهير زوربا اليوناني ، ولما انتهى الفيلم ، بدأنا نتجاذب اطراف الحديث .. عن ايام الدراسة .. ومفارقاتها الكثيرة .. وزهو احلامنا .. وعن الحب والزواج والتعب اليومي .. وعن الطفل الذي سيطرق باب الحياة بعد ايا م ببكائه الحاد وعن اختيار الاسم لحضرته .. قلت لها:
- .. وان كان بنتا ..؟!
حدجتني بنظرة ساخرة ووضعت يدها على بطنها المنتفخة .. قالت :
- .. لا .. يبدو ان راسه كبيرا .. وضحكنا من اعماقنا ..! ..
اخذت نفسا عميقا ، وشعرت بالهواء يملا صدري .. وفاجأتني زوجتي :
_ هذا كوب من الشاي .. دفيء به صدرك ..!
قلت لها :
_ _ لنجلس هنا ؟
قالت:
_ر بما يكو الهواء باردا ..!
قالت:
_ انه منعش ما بعد المطر ..!
جلسنا في الحديقة .. وبالضبط تحت سقيفة عملتها بيدي قبل ايام من سعف النخيل والاعواد المتيبسة القوية لتخفف عن البيت انعكاس ضوء الشمس وعبر الواجهة الامامية منه ..!
وضعت كوب الشاي على المنضدة .. لكنني نهضت وتوقفت في منتصف الحديقة ادور بنظراتي حولها اذ وجدتها رطبة .. وغير منتظمة .. وكأنني اراها لاول مرة .. بسبب
الاهمال الطويل لها .. حيث فوجئت بمشهد ميلودرامي شد انتباهي لم افطن اليه حتى في الخيال وشنج انفاسي وجعلني في حالة من الذهول .. حيث وجدت الارنب وقد جلس بشكل حزين ومريب ، امام الحفرة التي تحتظن انثاه ، وقد بدا عليه الحزن تماما ً ، حتى اني رأيت عينيه تذرفان حبات من الدموع فتسيح من تحت جفنيه الطويلين وقد انبسطت اذناه الى الخلف
قلت :
ــ يا الهي ..!
لم اتحرك بقيت مشدودا ً للمنظر الغريب بل اقول .. لم اتمالك نفسي فقد احسست ان دمعة ً قد سقطت من عيني دون ان ادري ، واصبحت ُ في حيرة من امري لهذا العالم الغريب ولم اتحرك الا عندما احسست ان اصابعا ً دافئة ً تمتد الى وجهي لتمسح الدموع من عيني برفق .. حينذاك عرفت ان زوجتي تقف ورائي .!!