.................................................. ................................................
ما إن شرع أبو الميش بتدوير محرك سيارته ، بعد أن وضب كل أغراض القائمة اليومية الممهورة بخاتم زوجته ، وهي العادة التي درج عليها بعد أن أحيل إلى قائمة الانتظار ،حتى سمع عدة نقرات خفيفة على البلور الجانبي للسيارة ، ألتفت باتجاه الصوت ، وتفرس في وجه المرأة التي تطرق البلور بأصابعها ، وبحركة مرتعشة كبس زر التحكم بالبلور لينجلي بوضوح عن وجه امرأة خطت في مشوار العمر مليّا لكنها مازالت تحتفظ ببعض ملامح تنم عن جمال لا يزال يعرش على الجسد المتلفح بلباس ينمّ عن ذوق أنيق بالرغم من قدمه .
أفترت شفتاها عن ابتسامة مرحة وهي تنوء تحت حمل الأكياس التي ضمت حاجيات البيت من خضار ومواد تموينية ، وانسدلت فواحم خصلات من شعرها لتغطي قسما من وجهها .
ـ أهلا وسهلا مدام ......أنا بالخدمة ....شو بتأمري ؟
ـ صباح الخير وين طريقك جار ... سألت والابتسامة تعلو شفتيها
ـ بالاتجاه الذي ترغبين أجاب وابتسامة ثعلبية علت شفتيه
ـ إذا ما في إزعاج ممكن توديني بطريقك للبيت
ـ بكل سرور .... تفضلي .... انا بخدمة الطيبين
قطعا لم يكن في نيته تقديم خدمة إنسانية مجانية ، وهو الذي اعتاد أن ينظر إلى المرأة كوجبة شهية على مائدة مغامراته التي تعد ولا تحصى ،والتي امتدت طيلة سنوات شبابه الغارب ، ولا يزال يعتقد أن في العمر بقية ، وفي النساء والسياسة لا يوجد محرمات .
لم يمنعه رأسه الذي طار غرابه ، ولا خطوط العمر التي بدأت تترك أثارها على محياه ، ولا كونه أصبح لديه أحفاد من خوض مغامرات لم تعد تليق به لمجرد أن يضيف اسما جديدا لقائمة طويلة من أسماء النساء الذين عبرن في حياته ، ويشكلن مادة دسمة لأحلام وردية تراود مخيلته كلما وضع رأسه على وسادة نومه .
لم يضيع الفرصة ، بحلق بالوجه مليا ، فدهش لكماله بالرغم من أثار العمر البادية عليه ،والتي بدت من خلال العيون السوداء الذابلة التي اكتنفتها هالة خفيفة سوداء ، وخصلات الشعر الغزيرة الفاحمة التي تقصفت أطرافها واستلقت لترتاح على أكتافها ، تعبة من عبث الزمن وعصف الريح ، والصدر العارم الذي أرتج بغنج عندما استقرت على مقعد السيارة لا يزال يقاوم الجاذبية .
بدا له أن الوجبة جاهزة وليست بحاجة لأكثر من تسخين ، كانت الفرصة بنظره مواتية ليقدم نفسه كفارس أحلام على الرغم من أنه أصبح في مؤخرة المقاتلين . أعتمد على مخزونه الثقافي في انتقاء العبارات الرومانسية والكلمات اللطيفة لإيصال عواطفه المبتذلة تمهيدا للوليمة المفترضة .
بدا كذئب ارتدى جلد خروف ، شرع في تقديم الحكم والأمثال والنصائح لقطيع من الخرفان تاه في الصحراء ليقوده إلى المصيدة .
لكن مشوار الأحلام لم يدم طويلا ، حيث قطعت عليه سيل نفاقه عندما أشارت إليه بالتوقف أمام مدخل أحد البنايات ، ولم يكن المدخل غريبا عنه فهو يعرف بعض سكانه .
ـ يسلمو دياتك..... تفضل شراب فنجان قهوة ......أبو يوسف بالبيت بس تعبان شوي .
ـ مين أبو يوسف ..... سأل مرتبكا
ـ ولو صاحبك ...... شو بلشنا ننسى.....؟.
تدفق الدم بقوة في عروقه مرتطما بقحف رأسه، لينعكس احمرارا على صفحات خدوده ، وشعر كأن سطلا من الماء البارد انسكب على رأسه.
أنت أم يوسف ؟؟؟؟؟ ...... أنا أسف ما عرفتك ... الحق ع خيي أبو يوسف
على كل حال سلامي لأبو يوسف ..... وإنشاء الله معافى ....
خرجت أخر كلماته متداخلة وغير مفهومة
حاول الإقلاع بالسيارة.... فتمنعت .... وارتجت وانطفئ المحرك ....غاب عن ذهنه في زحمة الانكسار تحرير ساعد فرامل اليد ، تداخلت قدماه ببعضهما البعض وتاهت بين دعسة البنزين والدبرياج .......
كان في موقف لا يحسد عليه فأسعفته بأخر عبارة أعادته لصوابه :
ـ شو أبو الميش بدك دفشة .....؟؟؟؟؟