القصة القصيرة بين القصة القصيرة جدا و الرواية أي مستقبل؟
قبل الإجابة لا بأس من الإشارة إلى مقولة روبرت لويس ستيفنسون أنه ليس هناك إلا ثلاثة طرق لكتابة القصة أن تأخذ الحبكة و من ثم تجعل الشخصيات ملائمة لها أو أن تختار الشخصية أولا ثم تختار لها الأحداث و المواقف التي تنتمي لها , أو أن تأخذ ثالثا جوا معينا و تجعل الفعل و الأشخاص في فلكه معبرين عنه مجسدين له-
و هو ما قد تشترك فيه الرواية مع أن هاته الأخيرة تتسع لأحداث فرعية و أبطال و شخصيات و زمان و مكان متعدد ’ الوقت الذي يحد فيه كاتب القصة القصيرة من امتدادها عازفا عن المقدمات الطويلة و الزوائد و الاستطراد ’ فهي في نظر البعض : ( وجبة غنية إذا توفر لها طاه ماهر و كانت لديه الرغبة في التقيؤ على الورق)*
و بعيدا عن التنظير لهذا الجنس الأدبي فقد عرف تطورا بدءا من سرعة انتشاره إلى ازدياد مقروئيته إلى ظهور رابطات و اتحادات و جمعيات تنتصر له و بروز أقلام جادة و نشريات و صحف تهتم به’
و بالعودة إلى التساؤل نجد أن القصة القصيرة تطورت و انتشرت بالموازاة مع الرواية دون أن تحد إحداهما من أفق الأخرى بل تراوح بعض الكتاب بين الرواية و القصة فقد يتوقف احدهم عن إتمام رواية ليكتب قصة و من ثم العودة ثانية مثلما أتت –رمانة- لدى الطاهر وطار و أتت انف حنان بعد مشوار طويل مع الرواية.
لكن الأمر يختلف مع القصة القصيرة جدا بالنظر إلى الاشتراك في الإيجاز و التوتر و الوحدة فهل نعدهما معا جنسا واحدا أم أن هذا التنظيم ق ق ج جنس أخر و إن تعددت تسمياته بين : الومضة ’ المشهد القصصي’ الأقصوصة’ خواطر قصصية ؟ معتمدة على خبرات المستمع أو القارئ لفهمها’ أو كما يراها د.احمد حلس : (تشبه نوعا من أنواع الخبر العاجل لا تشبع المثقف و لكن تشبع من يريد التقاط الومضة)*. و هو موضوع متروك للنقاد مع أن محاولة التنظير للقصة القصيرة كما يرى السيناريست عيسى شريط كمحاولة وصف مرآة لشخص همجي لم ير مرآة في حياته.
لا يعد انتصارا للقصة القصيرة إن قلنا إنها ما دامت جنسا قائما غير محدود بكم من سطر أو صفحة أو كلمة ’ تستلذ فيها قراءة أكثر من قصة تتناول نفس الفكرة ’ و ما دامت لها القدرة على التجدد و التفاعل و الاستفادة من الروافد الجديدة كالتقنيات السينمائية في المزج بين العناصر و إعادة إنتاج الدلالة و الغوص مع علم النفس التحليلي و الخيال العلمي و التقنية الرقمية ’ فسيظل الكتاب ينتجون لنا قصصا قصيرة تشكل كل واحدة تجربة جمالية بذاتها تتبوأ مكانتها إلى جانب الرواية.
وأرى أن مخاض كتابة القصة القصيرة ليس نفسه مخاض القصيدة بشتى تسمياتها أو الرواية أو المقال.
القصة القصيرة لحظة صدق في القبض على الوهج في الزمان و المكان و بالأدوات المناسبة ’ و إن لحظة الميلاد ليست خيارا ’
و أن عدد كتاب القصة القصيرة يزداد في انتظار جرأة النقد على مماشاة هذا الزخم يظل القاص وحده يدير الدفة في انتعاش واضح للنشر الورقي و تفاعل كبير داخل الفضاء الالكتروني.
-----------.
* الاديب حسن غريب احمد
* ندوة ق ق ج ملتقى الصداقة الثقافي