جنة إبلييس
وقفت أمامه بكل ألقها فوجهها النضر وعينيها اللوزيتين السوداوتين جعله شعلة من نار, تناسى ملابسها البسيطة بل تخيلها بثوب وردي أنيق من النوفيته الذي يملكه فكانت حورية من الجنة . نظر إليها نظرة شيطانية , بكلام معسول أخرج المارد من قمقمه , ذكرها بحياتها البائسه مع رجل شريف , فقير الحال, وأدخل في عقلها أنها اميرة يجب أن تعيش في قصر منيف, مع خدم وحشم , وأن ترى العالم من حولها فتسافر هنا وهناك لتعيش حياتها منعمة مكرمة مع رجل يقدر جمالها ويعرف قدرها , أصاب الهف بقوة قنبلة نووية , أحدثت شرخا هائلا في قلبها , وجعلتها كنمرة في قفص .
زوجها يعمل في كسارة , يعود إلى البيت تعبا , مغبرا , رائحته كرائحة التراب , كانت تستقبله بابتسامه , تحرص على راحته دوما ,أما الآن , تبدلت الأحوال , تغيرت المصالح , والنظرة للحياة , أهملته تدريجيا , أخذت تقسو عليه , تسمعه كلاما مرا , تشعره بفقره , بعجزه , تذكره أنها مجرد خادمة , بل سجينة في بيته الحقير المستأجر .
كان يتودد لها , يلاطفها , عساها تعود لرشدها ,أخيرا طلبت منه الطلاق , وأصرت عليه , ذلك الذي أدمى قلبه , جمع أولاده وبناته الأربعه بين يديه , حزينا تكاد الدمعة تذرف من مقلتيه , مخبرا إياها بحبهم لها , وإنهم بحاجتها , حاول أن يعرف سببا مقنعا دون جدوى , توسل الزوج , بكى الصغار , أخذت حقيبتها وغادرت حانقة غاضبه .
توسط الأهل والأصدقاء , بقيت مصرة على موقفها , وأمام عينيها جنة إبليس , لتنعم بطعم الفاكهة المحرمة , على أمل الخلود في النعيم الموعود , هددت وتوعدت , حتى حصلت عليه , شعرت بأنها طير طليق يحلق في فضاء رحب لا حدود له .
تزوج طليقها بعد أن فقد الأمل بعودتها , لم يسمح لها بزيارة الأبناء في منزله , فلم تكترث , ثم اختفت العائلة فجأة .
وقفت أمامه بكل ألقها , تبسمت له , سرى إحساس غريب في جسده ,علم أنها حصلت على الطلاق وانقضت عدتها , فانفرجت أساريره , أجلسها مكانه , سحرها بالثياب الأنيقة , والحلي اللامعة , استأجر لها شقة مفروشة في الجاردنز ,سافرت معه إلى تركيا في شهر عسل جميل لم تحلم به يوما , بل كان حلما بعيد المنال , طلباتها مجابة , سهرات جميلة , تنام على ريش النعام حتى وقت متأخر .
علمت أن زوجها التاجر الساحر يملك منزلا جميلا من شقتين وعلمت أنه متزوج من امرأتين وله من الأولاد عشرا , لم تكترث لذلك كله , فهي تعيش حياتها بكل معانيها , ثيابها الفاخرة ترسل إلى دراي كلين كل اسبوع , تعود لها نظيفة أنيقة مكوية , طعامها يأتي إليها من المطعم المجاور أحيانا , وغالبا ما تتناوله مع زوجها في سهرات حمراء .
وقع المحظور , تأثرت البلاد بما يدور في العالم من نكسات مالية واقتصادية , انتكست تجارة الزوج , أرسل البنك إشعارات متتالية مطالبا إياه بتسديد الديون المتراكمه , أخيرا باع البنك منزله الجميل في مزاد علني , لم يستطع دفع أجرة الشقة المفروشه , استأجر منزلا متواضضعا زج فيه نساءه الثلاث وأبنائه الأربعة عشر .
كل صباح يصحو الجميع على صياح الأطفال ومعاركهم التي لا تنتهي , تتقاتل النساء بسبب وبدون سبب , بالكاد يحصل الواحد منهم على طعام يسد رمقه .
شعرت الزوجتان السابقتان أنها السبب في تدهور الأحوال , لأنه أنفق عليها الكثير من الأموال , اتفقتا عليها فضربنها ونقلن كلاما للزوج عن كسلها وعنادها , تغيرت معاملة الزوج لها , همومه ومشاكله المادية العصية على الحل ,جعلته لا يهتم لأحد .
تآمرتا الزوجتان على إذلالها فتركتا المنزل , بقيت تعمل في البيت حتى كلت,وعند عودتهما أخذن يلومنها على إهمالها وعدم إعداد الطعام للصغار , تقاتلن وانهلن عليها بالضرب , فخرجت من المنزل قسرا , جلست عند الباب على ناصية الشارع تنتظر الزوج , لكنه دخل المنزل كأنه لم يرها , مما زاد في ألمها وعذابها , استذكرت حياتها مع زوجها السابق , كانت ملكة منزلها , الزوج لها وحدها , طلبت من زوجها أن تذهب إلى منزل أخيها تلك الليلة فلم يمانع .
أخبرها شقيقها أن طليقها قد حصل على عمل في إحدى دول الخليج . وأنه اتفق مع صاحب العمل أن يزوده بالحجارة , أنشأ منشارا للحجر , أخذ يرسل السيارة تلو الأخرى إلى البلاد المجاورة , بعد عام اشترى أرضا وبعد عام أخر بنى منزلا من طابقين .
ثم أنبها على ترك زوجها السابق وأبنائها , أذهلها ما سمعت , توسلت إليه أن يأخذها بسيارته إلى هناك فشاهدت عجبا , ذهلت عندما رأت أحد أبنائها يقف في الشرفة ,حاولت الدخول فمنعها الأخ , تندمت وتحسرت , لم يحن النوم عليها تلك الليلة , بقيت تبكي حظها , وقلة عقلها , وعدم القناعة بما عندها , فساءت حالتها وتدهورت صحتها وعاشت تنتظر الموت أو يغير القدر حياتها .
رياض حلايقه