الدرب مسكون بالخوف ، أبخرة الموت تتصاعد من كل شبر في الأرض الجرداء ، و تظهر شجرة يابسة أخنى عليها الدهر ، فهي آخر ما تبقى من ماضي الحياة في هذا الفضاء الجنازي ، فيما تلوح بقايا أسراب غربان محوِّمة في البعيد ،حيث قرن الشمس آخذ في الغياب ، معطيةً بأصواتها خلفية تزيد المشهد مأساوية .
بينما يسير متوكئاً على عصاه في هذا العالم الرهيب ، سارحاً في نفسه المختلطة أجواؤها بين الأسى و الفزع و الضياع ، نبهه صوت قادم من خلفه منكسراً : عماه !
التفت و قد فاجأه وجود بقية حياة في هذه البيداء المشوبة بالهلاك ، فلقي فرخ طير على شفا الموت ، يظهر أن العطش هو الذي يكاد يودي به .
أسرع فسقاه من قارورة الماء التي معه ، فكأنما أنزل عليه الحياة من السماء إنزالاً .
سأله بنظراته المتعجبة عن سر بقائه في حضرة الموت هنا .
أجاب و على وجهه ابتسامة سخرية منهكة : أما سمعت بسرب الموت حين يقتحم أرضاً ، فيذبح صغارها ، و يهتك ستر نسائها ، ثم يولِّي منتشياً بما فعل .
قال الشيخ الذي كست وجهه تغضنات القرون :
- سمعت به في بلاد كذا و كذا مما مررت به .
- لا يا سيدي ، فما أحسب ما مررتَ به يعدل ما رأيت .
- أو كنت في جهنم ؟
- حين تكون جهنم في السماء لا خوف منها ، أما إذا ظهرت على الأرض فيكون الويل .
التوقيع
الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ