لايعرف لماذا قادته قدماه بالقرب من ذلك المكان لوكان يعلم أن مروره سيقوده إلى السجن لمسحه من ذاكرته إلى الأبد، وحين انبلج الصباح، كانت عيناه كحبتين من الخوخ الأحمر، بالكاد استطاع ان ينام ساعتين أو أقل، قدم إليه الحارس وجبة الإفطار يمضغ بضع لقيمات والألم
يعتصره أنا الذي يدعي ربه ليل نهار بأن يكفيني بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه،إتهم بإغتصاب إمرأة عنوة؟ رحماك ربي لم أفعلها ولن أفعلها أبداً.
أيقن الشاب أن توسلاته لن تساوي شيئاً وان المرأة المعتدى عليها لم تتعرف على الفاعل، فعلى الرغم من خطورة الجريمة وشدة عقوبتها، أصبح على قناعة أن القضية تتلبسه ولن ينقذه منها أحد إلا القدرة الإلهية.
كانت أمه تبكي بكاءاً حاراً عندما علمت بالتفاصيل ، كانت على وشك ان تخطب له فتاة طالما أعجبت بها، حين علم جيرانه بتهمته وسجنه، لم يصدقوا، ولكن أحداً لم يشأ أن يكذب الشرطة.
يدور في الغرفة الصغيرة المحكمة الإغلاق، يحاصره فراغ كئيب، ينظر من النافذة المرتفعة الضيقة، فلا يرى إلا فضاء ضيقاً لايتسع لعصفور قلبه الذي كان يبحث عن حبيبة تواسي وجده في الليالي الحالكات، يجلس منكسراً تحت النافذة تماماً، يتأمل جلابيته الرثة المتسخة وصنبور
الماءالصدئ المتوضع قرب الحائط، يفكر بصوت مرتفع يؤنس وحشته : لماذا ذهبت من ذاك الشارع قرب ذاك المكان.
الكوابيس تتوالى على نومه الخائف المتعب، يرى رجالاً ببدلات خاكية وعمرات على رؤوسهم،يسحبونه عنوة إلى المشنقة، يرتجف،يشدُ عليه الغطاء تصطك أسنانه يذهب في نوبة من الخوف ترافقه حتى ينقض عليه سلطان النوم ويستخلصه اليقظة.
أمام القاضي أقسم بأغلظ الإيمان أنه لايعرف تلك المرأة ولم يرها طوال حياته، وأن هناك إلتباساً، بإعتقاله وإلقاء التهمة عليه خاطب القاضي:" والله يافضيلة القاضي ما ارتكبت فاحشة في حياتي ولا عرف الحرام طريقاً إليِّ ولو كنت أعلم أن مجرد مروري من ذلك المكان سيوقعني
في هذه المصيبة لقطعت رجلي قبل أن تطأة".لاحظ القاضي أن الشاب لايكذب وانه يتمزق من الداخل لكن الوقائع تشير إلى انه هو الفاعل، إذ لم يكن احد في مكان الحادث سواه والمرأة المعتدى عليها.
ثمة رجل يرتدي دشداشاً أبيض، مربوع تميل قامته إلى الطول، وعلى رأسه حطة حمراء منقطعة يضع فوقها عقالاً رفيعاً، كان يجلس في قاع المحكمة الشرعية، ويستمع إلى المتهم ، ويقرأ ملامحه ويتأمل حركات يديه وشفتيه.
في اليوم التالي إستدعى القاضي أبا عدنان وسأله إذا كان قد ذهب إلى المكان الذي إرتكبت فيه الجريمة وعاينه وكشف عن آثار الأقدام فيه، أجابه أبو عدنان بالنفي إذ لم يكلفه احد بذلك، طلب منه القاضي أن يذهب بسرعة إلى هناك ويقتفي الأثر ثم يعود ويبلغه عمّا توصل إليه.
كان المكان عبارة عن بيت متهدم و مهجور، متطرف، يقبع جانب الشارع الضيق، وان الجاني إستغل مرور المرأة من هناك وأغلق فمها بيده وسحبها داخل البيت وارتكب جريمته، آثار أقدامه ما تزال واضحة، وعندما قارنها أبي عدنان محسن القرشي،.
بآثار أقدام الشاب لم تتطابق، عندها أعلم القاضي بان هذا الشاب الذي في السجن[ بريء ]..ولم يرتكب الجريمة ويجب إطلاق سراحه، وبينما كان القاضي يفكر بالأمر إذ بضابط الشرطة يدخل عليه ويصطحب معه رجلاً مقيداً ، سأل ما جريمته؟ أجاب الضابط ألقينا القبض عليه
عندما سمع رجالنا صوت إمراة تستغيث كان يحاول اغتصابها واعترف بأنه هو الذي ارتكب الجريمة التي حدثت في البيت المهجور قبل مُدّة.
القاص القدير علي الشيخلي : أشيد بقصتك الواقعية وبلغتها العالية ، إنها من ملفات الحياة القاسية و قد أجادت مخيلتك الباهرة في التعامل مع هكذا سرد عصيِ محققة متعة قرائية قادتني الى عالمها وعالمك أيها الصديق المبدع !
الأديب القدير علي الشيخي
تحية من القلب
أعتذر عن تأخري في الرد
جميل أن تنتقي هذه القصص من ملفات "أبو عدنان"
والأجمل هو سردك الذي يجعلنا جزء من الحدث الذي تقدمه لنا بأسلوب أنيق
تحياتي وتقديري أيها العزيز