لم ألتق به منذ سنين،لا أقول إني نسيت بعضاً من ملامحه أو لم أعد أذكرها ، أو أني نسيت عادته التي ما افتك عنها يوماً ما .. وهي حين ينتعل الطرقات لتفريغ شحنات غضبه، مؤرجحاً سلسلة مفاتيحه ،وحيناً آخر محركاً يديه ليعيش حلم عازف الأوركيسترا ، وهو يعزف الكادينزا أو أنه يدندن طريق النحل ، جاءني بعاداته ، أصبح أكثر نضجاً بتقليمه شاربه الغزير ، وَوَقعُ المشيب على مرج صدره فترى السواد منه نافراً ،نالته سُمرة إلى شهبة . وجديده يعتصر سيجارة بشفتيه نافخاً سحبها أمواجاً لترنيماته الموسيقية .
- أنتِ ! ..الاستثنائية . . كما عهدتك جميلة
- نعم أنا هي .. واصل حديثه
- لازالت ذكراك تأسرني ، اخبريني هل تزوجتِ ؟ أتعملين؟ أتدرسين ؟،ها..(متنهدا ) قولي لي ، أين أنت الآن؟ ، وما الذي أتى بك إلى هنا ؟ ،...و ..و ..و...
* * *
أتعبتني أسئلته التي لم أجب على أي منها ، وعاد ليسأل من جديد ،غير منتظر ٍ إجاباتي الأولى .. وكأنه يلاحق الوقت إن كنت لا أزال وحيدة
- ها أنت تلوذين بالصمت
- لم تعطني الوقت الكافي للإجابة ..
- لايهم .. تعالي لنجلس قليلاً .. وقتها أريد رداً لكل سؤال أسأله .
وبقيت أصيخ السمع لتوقفاته وجزمه لموضوعٍ يبدأه وينهيه وحده ..
- ضاحكاً ، هل تشعرين بقلقي .. لا أعرف ما بي ، حين رأيتكِ ، فقدت زمام نفسي .. ثقي لا أعرف مابي ... ! هل هو الشوق ؟هل هو .؟.... دعكِ ..! لا أعرف ... حين سنجلس ....
- .ولم يكمل حديثه ...فتح باب الكافتريا منتحياً جانباً لأدخل .. لم ينتظر النادل ليسحب الكرسي ،بل سحبه لأجلس ، وترك النادل يسحب له الكرسي ، أول مرة يترك سلسلة مفاتيحه على المائدة.
قال :هل مازلت مشدودة الأعصاب مثلي ؟
مشيراً للنادل دون أن يأخذ رأيي فيما سوف أطلبه
- فنجانيّ قهوة .. ملتفتاً إليّ، كيف تحبين ارتشافها ..لم ينتظر ردي.. قال للنادل وهو غارقٌ في دوامة أجهل كنهها .. لها مضبوطة ولي بحليب .. حاول أن يكون طبيعياً وحريصاً ليتجنب أسئلتي.
- أردف قائلا : كم عمرك الآن ؟
- قلت باستغراب.. هل نسيت ؟ ، لاجواب منه ، سوى أنه أطال التحديق بي.
-قال بقنوط :وجودك الآن معي أزال عني جبالاً من الوحدة .. وسأعتبر أن كل ما يحدث الآن هو من الماضي.
- لاعليك جيرني في صفحات الماضي .. وما الفرق ؟
- الكلام في حالة المضارع فيه ألم لي ، إنسي كل الكلام ، دعيني أشتت الموضوع ، سأنافقك ، صمت للحظات وغير حديثه .. ما زلت تلك المرأة الإستثنائية ، واسترسل بهمسه قائلاً : حين كنت أخلد لنفسي أصفك بالملقن ،الذي يلقن الممثلين في المسرحيات ، ولكن في نظر الجمهور أنت شبح ، يختبئ وراء صندوقه ، لا وجود لك مع أنك روح المسرحية، أو أنت كعمال المطبعة ، طبعوا الآف الكتب دون أن يكتب أحد الكُتاب أسماءهم في إي إهداء ،هذا قدرك .. لاشيء بنظر الآخرين .
- صدقت ، وكذلك في روح الأشخاص الذين يعبرون على ضمير جثتي ينسونني حين تنتهي المسرحية .
- أتريدين أن تكوني تافهة ومشهورة ؟
- لا أحتاج للشهرة
- لأنك فوق مستوى الأشياء العظيمة ، دعيني أُبَرْوِز لك الصورة ، أنت فعلاً رغم أنف الزمان امرأة استثنائية ومثالية إلى أبعد نقطة في ضمير العالم.
- استثنائية، استثنائية .. دائماً أُمجد بها من قبل الرجل وما أن أقرأ ما يدور في مخيلته ،أهرب وأترك المكان رغم أني بحاجة لإثبات ذاتي ، بت أكره نفسي ، حين ينطقها أحدهم .. أنزوي في غرفتي وأشرع أبواب دولابي .. أنظر إلى نفسي في المرآة ،لأرى من أكون ؟ وكيف استثنيت من هذا العالم ؟
هل بأفكاري ؟ .. أو أني لست كبنات جيلي ، متحفظة أحياناً ، التزم بما تعلمته من عائلتي أو أن أكون متحضرة وراقية وماذا ؟ ما الذي حصلت عليه ..؟
لاشيء ..! أرسم وجهي بأناملي في المرآة ، وأغلق أبواب دولابي ، لأشطب آخر صورة لي بصفتي الوجه الأخير الذي يحدّق فيه ، وآخذ علكة في فمي ،وأقول حين أمضغها ..ها أنا أحاول مضغ أحلامي ، وحين أنهض في الصباح ،أتغوطها .
هذه أنا.. المرأة الاستثنائية !
- ضحك بامتعاض، قائلا : إن البكاء لدي ،سرُ غنائي
- تواسيني !
- نعم ، ربما نفسي أيضاً ..لأني مستمر بالتغوط ، للأسف، الأشياء الجميلة لانحصل عليها ، إلا في ساعات متأخرة من الليل، لنحلم بها ، وحين يغدفُ الليلُ ستوره، نصافح أحدنا الآخر ونتوادع .
- وجاءنا النادل بالقهوة التي لم أطلبها
___________
من المجموعة القصصية الحب رحيل
الكانديزا : (هي مقطع موسيقي ينفرد به العازف من دون مرافقة الفرقة ويظهر فيه كل طاقته الإبداعية ثم تختم الفرقة مع العازف المقطوعة. )
التوقيع
ذات كأس، مترع بالغروب، وعلى حافته تتسكع شهقة ليل .
آخر تعديل فاطمة الفلاحي يوم 09-22-2012 في 01:45 PM.
استثنائية، استثنائية .. دائماً أُمجد بها من قبل الرجل وما أن أقرأ ما يدور في مخيلته ،أهرب وأترك المكان رغم أني بحاجة لإثبات ذاتي ، بت أكره نفسي ، حين ينطقها أحدهم .. أنزوي في غرفتي وأشرع أبواب دولابي .. أنظر إلى نفسي في المرآة ،لأرى من أكون ؟ وكيف استثنيت من هذا العالم ؟
السؤال الذي يطرح نفسه
كم استثنائية مرت في حياة رجل واحد
الأستاذة فاطمة الفلاحي
يصبح المتلقي أسير الحرف عندما يأخذه الكاتب إلى منطقة من الدفء والصدق والإحساس
شكرا لك
تثبت مع التقدير
[SIZE="5"]استثنائية، استثنائية .. دائماً أُمجد بها من قبل الرجل وما أن أقرأ ما يدور في مخيلته ،أهرب وأترك المكان رغم أني بحاجة لإثبات ذاتي ، بت أكره نفسي ، حين ينطقها أحدهم .. أنزوي في غرفتي وأشرع أبواب دولابي .. أنظر إلى نفسي في المرآة ،لأرى من أكون ؟ وكيف استثنيت من هذا العالم ؟
السؤال الذي يطرح نفسه
كم استثنائية مرت في حياة رجل واحد
الأستاذة فاطمة الفلاحي
يصبح المتلقي أسير الحرف عندما يأخذه الكاتب إلى منطقة من الدفء والصدق والإحساس
شكرا لك
تثبت مع التقدير [/SI
ZE]
دعيني أقبل قلبك سولافة الحرف الجميل
يوزعك قلبي انحناءاته وأنت تشرعين بمنحي درجة التثبيت سيدتي
التوقيع
ذات كأس، مترع بالغروب، وعلى حافته تتسكع شهقة ليل .
الرائعة أبداً فاطمة الفلاحي :
دائما ما تأخذني نصوصك الى عوالم صدق ما أحوجنا إلى تكريسها في نصوصنا الآن ، أيتها الأستثنائية الباهرة قصصك محطات يتوقف عندها المسافرون الى عوالم السرد بعد أن يخلفوا وراءهم حقائبهم المملوءة بالدهشة !
الرائعة أبداً فاطمة الفلاحي :
دائما ما تأخذني نصوصك الى عوالم صدق ما أحوجنا إلى تكريسها في نصوصنا الآن ، أيتها الأستثنائية الباهرة قصصك محطات يتوقف عندها المسافرون الى عوالم السرد بعد أن يخلفوا وراءهم حقائبهم المملوءة بالدهشة !
وما أحوجني لهذا المرور الاستثنائي ، عصرني قلبي مذ أيام مضت ، تراءى لمسامعي وكانت حقيقة ، يد غادرة طالت كل اتجاهات كركوك ، فآلمني قلبي ، ولم أعرف لك طريقا آخر غير الفيسبوك ، وأنت عوالمك بعيده عنه .. شكرا ، ألفا ويزيد ، أولها لبعث الأمل في روحي؛ على أنك بخير ، وثانيها في يزيد ،وهو مرورك الشذي ، الذي أنعش روحي والمداد ..
كن بخير لأهلك ولنا
التوقيع
ذات كأس، مترع بالغروب، وعلى حافته تتسكع شهقة ليل .