وجدت في فكرة الحديث عن نزار قباني جسرا يوصلني بها، امتدادا لسلسلة الجسور المقطوعة قبلا و كأنّها كانت تفتقد لمُلْهِم هو صانع كلمات و امرأة تقتات منها، فاتحة كتاب جديد بيننا، رحلة كلمات لتوّها انطلقت .. قلت لها : و قد استاء أيلول فجأة و أرسل زخّات استيائه لتعكّر طقسا تبنّاه الربّيع على حين غفلة : - نزار قباني و صباح أيلولي ... قد تحتاجين لمضلّة تخفين تحتها رقصات شعره المجنونة ... خاصة أنّ أوراقه في جلّها " نساء مختفيات " . رفعت رأسها دون عينيها و كأنّ حرفا ما قد سجنهما ..
الحروف في عالمي نساء و قد تكون في عالمها رجلا، أو لمسة شعرية متزاحمة العهود الرجالية،| تماما كما هي ربطات العنق، تلك التي تتكئ عليها أنثى كلّما شعرت بحاجتها لرجل و كأنّ الرجولة في زماننا تفتقد لشيء من خصوصياتها، فتتخفّى تحت شرعية معقودة .. لذلك خفت أن تكون بذلك مرتبطة أو متورّطة بمشاريع ارتباط .. قالت : - رقصات الشّعر المجنونة قد تستهويك و أنت تحت المطر ... تحتاج فقط لشيء تحمي به الصفحات من التلف .. فكلّ ورقة يتلفها المطر هي إسدال لذاكرة و تمزيق لشرعية امتدت مترابطة .. لذلك أنا أرفض أن يتذمر المطر على صفحاتي . قلت : - قد يكون ذلك صحيحا .. لكن الزّكام أيضا شعر شرس .. ابتسمت و قالت : - فليكن .. لست أخشاه بقدر ما أخشى فضيحة مطرية، تتصوّر فصولها بنشوة انتصار فوق كتبي . تفكّ الحصار عن أسوار الكلمات، فيتطاير الألم بأجنحة متعثّرة و يتبعثر .. هناك و في المدى البعيد .. فلا يمكنني معايشته بطريقة مبتهلة .. و بنصف رغبة في البكاء .. قلت : - بنصف رغبة في البكاء ... !! و هل يصّح تجزئة الرّغبات ..؟ و كبت الدموع .؟ قالت : - قد يحدث ذلك إذا امتزج الضعف بلحظة كبرياء قاتل، يهزم نصف الرّغبة و يدع نصفها الآخر يتبعثر على أمل اللّقاء، على أمل الخطيئة و لحظة شجن تبيح لمَا بعد الغرور التصنّت على رقرقة الدموع و هي تتجمهر محاولة لعقد اعتصام يطالب بحرية الانهمار، ألا يقولون أنّ الخوف يولّد الاستسلام .. الهزيمة النّصفية و ترك النّصف الآخر لطواعية الألم و كأنّك تهزمه بطريقة التعذيب النفسي . كأنّك تقتصّ من لحظة الضعف تلك التي جعلتك تبكي .. رفضا لكل ثانية ضعيفة . قلت : - حتى البكاء .. يصلح ليرضخ لفرضية الهزيمة أو الانتصار .. ألا تعتقدين أنّ ذلك من قبيل الجنون .. و الهمس الكاذب .. قالت : - أنا لم و لن أجبرك على أن تسلّم بأفكاري .. هي رؤى شخصية أكتفي بعرضها متى شعرت أنّ المتلقي يصلح ليشرب من مائها العكر .. فتموت رغبة العطش لديه كلّما ..... ثم صمتت فجأة دون أن تُتِّم جملتها و كأنّها كانت في لحظات تجربة و خواطرها المجنونة .. كأنّ لغة الانتصار استفحلت فجأة لتردع لحظة ضعف فاقت حدودُهَا، طاقتها لأنّها كانت ترغب في البكاء ثم أجهضت رغبتها كلّها ليس فقط في نصفها الذي ادعته لتوّها . و مع ذلك كانت أذكى من أن يفوتها تلميح تشكيك أو ارتياب .. قالت : - البكاء أمام رجل لا يحتاج لهزيمة أو انتصار، هو الجنون بحدّ ذاته و الذي يحتاج لطمس أجزائه الأربعة .. تبقى فقط معادلة رياضية تحلّ بطريقة الأرقام و الحروف المشفّرة و هي لعبة سهلة بتعقيدات عقلية، فكرية محضة، تنطوي على خدعة بصيرية، تتواري كي لا تدركها الأبصار، يجيدها فقط بعض الشعراء و الأدباء .. لأنّها تحتاج لذكاء خاص . و هي الصفة التي لا تتوافر في الكثيرين ممن يجيدون لغة الحروف ..
وجدت نفسي أشاطرها الرّأي فجأة و كأنّي أبحث لنفسي عن مكان ضمن الأمكنة المحجوزة مسبقا لمن تراهم أهلا لمداعبة ذكائها، كأنّي بموافقتي أحاول إقناعها أنّي ممن تتحدث عنهم و لها أن تمارس طقوس استجلاب لقوى خارقة تفجّرها على أوراق مخيّلتي و فكري و كنت على استعداد تام و مربك و متوتّر، كنت أُبْقِي على شعلة الذكاء التي خزّنتها لسنوات متّقدة، بل أزيدها اشتعالا و اتقادا مع كل نظرة تحدٍ تصوّبها نحوي و كأنّي في أيّة لحظة خمود قد أفقد تواصلها و وصالها و ينقطع بذلك حبل التواصل الفكري المعقود بلعبة كلمات لطالما اعتقدت أنّي مالكها . ذلك أنّها كانت ترفض أن تضيِّع ذكاءها على جثث رجال، بعقول متحجّرة .. أو أن تورّطه في قضية جنون فاشلة .. !! كان منطقها غريبا لكنّه نال من نفسي و أربك دفاتري و أخرس حروفي الذابلة على إثر شمسها الحارقة .. لأوّل مرة تفقّدت أحراش ذاكرتي المتراكمة و ما فعلته بحديقتي و أزهاري . لأوّل مرة بحثت بين أدراج طفولتي، لأسترجع جزءا من مهاراتي في اللّعب و في التفكير و التأمل و الاستفراغ فجرا من كل الشوائب التي علقت في كل ليلة فائتة .. حتى أبدأ يومي طفلا جديدا للتوّ خرج من رحم الحياة .. يبحث عن رغيف أنثى، كي يواسيه في لحظة صراخ و كأنّ الثّغر المملوء يُسْكن فجوات الألم .. أطفأت شعلة كلماتها بنقطة نهاية مستبدة، أخرستني و أنا بعد مشروع حرف .. ثم أسدلت صفحات كتابها في حزن شديد و في رقّة شديدة أيضا و كأنّها ترفض أن تربك حِسًا كان ممدّدا بين الحروف، كأنّها خافت أن تمزِّق خيوط زوبعة من مشاعر أو أن تجرح لحظة حب عاشتها و هي بين السطور و استأذنت دون أن تلتفت نحوي و غابت ..
كان الحوار بين الجانبين مرتبكاً... الإستبداد صفة قبيحة جداً... فكيف يكون هذه المرأة من جنس لطيف ظريف...
عندما يسود سوء النية والفهم معاً... نصل إلى النهايات غير السعيدة...
مع خالص الشكر والتقدير.
............
سيدي الكريم ..
الاستبداد كلمة حتى و إن استعملت للتعبير عن أية حالة نفسية مرّ بها الإنسان كنتيجة طبيعية لاحتكاكه بالآخرين ..
فلا يعني ذلك أنّها تحمل معانيها المتفق عليها سياسيا مثلا .. لكنّها تحمل من الوداعة ربما أو الكرامة المبالغ فيها أو حتى عزة النفس ..
المعروف من الناحية الواقعية أنّ الأنثى التي تجيد انتقاء كلماتها عند محادثة أي رجل و التي تجيد التواصل الذكي هي الجاذبية في حد
ذاتها .. و إلّا لما أثرت هذه المرأة كلّ ذلك التأثير في رجل كان سيد الموقف في كلّ مغامراته و علاقاته ..
هذه الصفة أبدا لا تتناقض مع مفهوم الجنس اللطيف أو الوداعة التي يجب ان تتصف بها المرأة حين تكون أنثى .. لكنّ ذلك يخدم المعنى بشكل أو بآخر ..
تخيّل أنّك خضت نفس التجربة .. فما سيكون رأيك .. ؟ و هل ستنجذب لمثل هذه الانثى .. و هو ما أردته أنا بتوظيف كلمة " أنثى " في العنوان لأنّه من المعروف أن كلّ أنثى هي امرأة لكن العكس ليس صحيحا ..
اما عن النهايات غير السعيدة .. فهي مجرّد قراءة سطحية للرواية أو للنص الادبي . لأنّي أرى انّ السعادة أو حتى التعاسة تحفر جذورها منذ بداية الاحداث ..
لذلك سوف ترى أنّ أحداث نصي الأدبي هذا و الذي لا أريد ان أسميه رواية لحين نهايته ستكون في غالبيتها حزينة ..
و لا أتوقع النهاية لحدود الساعة لأنّ جلّ ما جاء هنا جاء قي غالبه عكس رسمي الأولي ..
سيدي الكريم ..
في كلّ مرة أسعد أكثر بحضورك و بقراءاتك ..
أنتظر منك المزيد ..
كلّ التقدير و العرفان ..