لم يتوقف المطر في تلك الليلة أستمر بالهطول بعد عاصفة ترابية قوية قادمة من الصحراء الغربية...كان ممددا في سريره ينصت الى صوت المطر الذي ينقر على نافذة الغرفة. بصورة رتيبة..والى جانبه تنام زوجته مقطبة جبينها كئيبة القسمات ..ظن أنها تحلم حلما مرعبا من أحلامها المعتادة ...ولاسيما كانت الليلة أول ليلة من ليالي الشهر الجديد ....مد يده الى علبة سجائره أخرج لفافة ثم أعادها ثانية الى مكانها ...خشية أن تصحو زوجته على رائحة دخان سيجارته لامتلاكها حساسية مفرطة تجاهه..وأبتعد أن يدخل معها حوارا جديدا بعد تلك المشادة الكلامية التي حدثت نهار اليوم عندما عاد من عمله خائبامتعبا , يتقلب في فراشه والمطر يزداد هطولا ...نظر من النافذة وجد باحة الدار قد غرقت بالمياه...أمسك كتابا ليكسر حالة الأرق ..مستغرقا في تفكير عميق بطريقة تجنبه تلك المشاجرات بينه وبين زوجته في بداية كل شهر ..رمى الكتاب جانبا لأنه لم يفقه حرفا مما يقرأ...
حاول أكثر من مرة أن يجد عملا أضافيا يدعم به راتبه الهزيل لكنه أخفق في كل المرات ...واصل الرجل سرحانه مستغرقا في أحلامه جالسا على مقعد قديم قرب النافذة ...يسمع تنهدات زوجته النائمة التي شعر حيالها بتانيب الضمير وعنف نفسه لانه أسمعها كلمات جارحة ما كان يجب أن يتفوه بها, فهي مثله حائرة أين تذهب بتلك الدنانير القليلة وسط هذا الارتفاع الجنوني للاسعار ...والذي بقي من راتبه بعد تسديد الديون الشهرية لايسد رمق خمسة أفراد أسبوعا واحدا ...تذكر قصص كانت ترويها له أمه كلما هطل المطر في الليالي الباردة ...- قائلة هذة ليلة الزينين
-ومن هم الزنين ياأمي؛
الزينين ياولدي هم اللصوص
يفغر فاه تعجبا
تضحك أمه ..مسترسلة اللصوصية أيام زمان رجولة..والليل في الريف مخيف لاأضواء فيه حالك السواد , تقول أمه الليل فيه كلاب مسعورة و ضباع وذئاب جائعة وأعداء يتربصون ويزرعون الفخاخ والكمائن لاعداءهم وكثير من الرجال يتحاشون مغامرة الخروج ليلا وكم جرت من مراهنات بين الرجال في قريتنا, لاختراق حاجز خوف الليل ...ربح كثيرون وخسر أخرون . واللصوص وحدهم لايخافون الليل يقتحمون ويصارعون ظلمته ويتلاون معها.وبقي لليل سره المخفي على مر الازمان ....
وأبي ...هل كان يخاف.الليل.
تزداد زخات المطر بقوة فتطغى على صوت أمه الذي يستحضره الليلة مسليا وحدته ومبددا حيرته... فكرة واحدة تحتل تفكيره ...أليس الليلة ليلة المغامرين المقدامين لم لايجرب...فهو أحوج الى تلك المغامرة الآن أكثر من أي وقت مضى قاهرا خوفه الذي أستبد بكل جوارحه منذ راودته الفكرة... لو يخرج ويتسلل لأحدى الدور الفارهة المترفة في الحي المقابل لبيته لربما يظفر بما يسد حاجة عائلته بقية أيام الشهر ويقضي أمسياته مع أصدقاءه في مقهى الحي يحتسي أكواب الشاي بغير حساب لربما تهدأ قليلا حالة التوتر بينه وبين زوجته التي تستعر رغبته نحوها وعلى الأخص في تلك الأيام ليمتع نفسه براحة بال وصفاء لكن مثل هذه المغامرة تحتاج الىتخطيط ودراسة للموضوع من كل الجوانب واضعا أسوأ الأحتمالات في الصباح ستكون بداية الخطة لابد من زيارة المكان عن كثب معاهدا نفسه أن تظل زوجته بعيدة تماما عما ينوي فعله ربما في ليال ماطرة أخر يكون التنفيذ... يشعر بلفحات برد تتسرب اليه من فتحات الباب السفلية حيث تطل غرفة نومه مباشرة على فناء الدار الغارق بسيول الامطار الجارفة ...يدس جسده في الفراش يلتصق بجسد أمرأته المكتنز الدافئ مصغيا الى أنفاسها المتواترة والهادئة .
يرتفع صوت هطول المطر ..كأنه وقع أقدام يرفع رأسه ليتثبت من الصوت الذي بدأ بالاقتراب من باب الغرفة يضع رأسه على الوسادة مرة أخرى أنه المطر حتما لكنه يجلس في فراشه حين يمر من خلال النافذة ظل أسود لرجل يروح ويأتي ....أستجمع قواه ...قررأن يتحدى خوفه...وهذة فرصته...رفع الوسادة ,وأخرج مسدسه الصغير والقديم الذى ورثه عن أبيه مع هذا البيت القديم والمتداعي في حي شعبي فقير, هبط من فوق سريره ومئات الأفكار تتصارعه...من يكون القادم في هذا الليل الماطر ..وبأي سلاح يتسلح...أيكون لصا أخطأ العنوان أم عدوا يتربص به شرا تذكر أنه ليس لديه أعداء..فكر أن يضع خطة أنية ..تباغت القادم الذي أقتحم عليه بيته...رفع حافة الستارة وقرر أن يصوب المسدس عبر زجاج النافذة ..وأن كان ما شاهده مجرد وهما أو خيالا وما سمعه لم يكن سوى صوت المطر حينها سيرتكب حماقة بحق أطفاله وزوجته النائمين الآن سيرعبهم صوت أطلاقات مسدسه..فتح باب الغرفة بهدوء ..وراح يسمع صوته للظل المفترض ...أين أنت تكلم لو كنت رجلا أظهر أمامي لاتختبأ, دفر الأوحال التي ملات باحة الدار ضاغظا على الزناد مصوبا مسدسه في كل الأتجاهات ..وصل الى باب الدار الخارجي وجده مفتوحا على مصراعيه..أذن شكوكه بدخول لص الى بيته تأكدت ...الصوت وظل الرجل ...والباب المفتوح أغلق الباب وعاد يبحث في الظلام في كل زوايا البيت والحديقة الصغيرة , هطول المطر بدا يخفت قليلا .. زخاته الخفيفة تهبط بلا صوت ...تعثر عند باب الغرفة بقطعة قماش داكنة لم يتبين لونها حملها من على الأرض تلمسها ذكره ملمسها بسترته التي لايملك سواها....فتح مصباح الغرفة..فتش في جيوبه عن ما تبقى من راتبه لم يجد أثرا ولو لقطعة نقدية صغيرة ...علق سترته على المشجب خلف الباب...وأنضم الى زوجته داخل السريروهو يفكر بذلك اللص الخائب الذي أخطأ العنوان بقدومه الى بيته و لم يترك له أجرة النقل لليوم التالي صباحا سيذهب الى عمله مشيا على الاقدام ردد مع نفسه ربما يكون موظفا مفلسا تشاجر مع زوجته مثلي, أبتسم لفكرة أن يكون اللص موظفا وضحك في سره من أفكاره الصبيانية وخططه المدروسة أحتضن أمرأته..وغط في نوم عميق.