ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عمر مصلح
منذ الإستهلال ، كانت سولاف هلال مصرَّة على المباغتة الفورية ، فبادرت برسم صورة المدينة ، بفنية عالية ، واختزال لغوي كبير .. حيث جعلت الاستهلال القرائي متحفزاً ، لمعرفة أجواء المدينة الساخنة ، طبيعياً وحياتياً .. فأشارت بوضوح إلى البراكين التي تغلي في نفس المواطن ، إثر الوضع المتشنج ، والأوهام التي حاول المتسلط على استغفاله بكل الطرق ، ولم تدع القارئ يسترخي أبداً ، كونها عازمة على تشنيج الموقف ، وتصعيد حدة التوتر ، فوضعته – بلا أية مقدمات – أمام رعب الموت ، وإمكانية محوه من خارطة الأشياء بلمح البصر .. وهنا جعلته متوثباً لمشاهدة مايزعج الحياة في أية لحظة ، في شوراع صارت تعوي كالذئاب .. وهنا أنشأت هيكل النص التكويني الأولي ..
إذاً صار جلياً ماتبغيه القاصة ، فالأمر توضح بعد استدراجنا إلى عالم فوضوي.. فاسد الطرقات .. بلهاث كتابي متسارع ، لكنها وبمهارة فائقة غيَّرت الرذم ، وجعلتنا نسترخي تماماً ، حين نقلتنا إلى حوار ، هادئ جداً .. بعد أن أخفت بؤرة النص عن التلقي الإدراكي ، بمكر لايجيده إلا قاص محترف. وبفنية عالية ، استطاعت أن تنقلنا إلى حوار ، قاد مخيلتنا إلى اشتغال غرائبي ، فأوهمتنا بذلك ، تماماً .. ولم تدع فرصة الإدهاش تمر بسلام ، فأجهزت علينا بالقفلة غير المتوقعة نهائياً ، من البطل تحديداً .. وتعيدنا إلى واقعية مبهرة .. فأي جمال هذا وأية حنكة .. رعاك الله ياعين القلادة المدهشة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عمر مصلح
منذ الإستهلال ، كانت سولاف هلال مصرَّة على المباغتة الفورية ، فبادرت برسم صورة المدينة ، بفنية عالية ، واختزال لغوي كبير .. حيث جعلت الاستهلال القرائي متحفزاً ، لمعرفة أجواء المدينة الساخنة ، طبيعياً وحياتياً .. فأشارت بوضوح إلى البراكين التي تغلي في نفس المواطن ، إثر الوضع المتشنج ، والأوهام التي حاول المتسلط على استغفاله بكل الطرق ، ولم تدع القارئ يسترخي أبداً ، كونها عازمة على تشنيج الموقف ، وتصعيد حدة التوتر ، فوضعته – بلا أية مقدمات – أمام رعب الموت ، وإمكانية محوه من خارطة الأشياء بلمح البصر .. وهنا جعلته متوثباً لمشاهدة مايزعج الحياة في أية لحظة ، في شوراع صارت تعوي كالذئاب .. وهنا أنشأت هيكل النص التكويني الأولي ..
إذاً صار جلياً ماتبغيه القاصة ، فالأمر توضح بعد استدراجنا إلى عالم فوضوي.. فاسد الطرقات .. بلهاث كتابي متسارع ، لكنها وبمهارة فائقة غيَّرت الرذم ، وجعلتنا نسترخي تماماً ، حين نقلتنا إلى حوار ، هادئ جداً .. بعد أن أخفت بؤرة النص عن التلقي الإدراكي ، بمكر لايجيده إلا قاص محترف. وبفنية عالية ، استطاعت أن تنقلنا إلى حوار ، قاد مخيلتنا إلى اشتغال غرائبي ، فأوهمتنا بذلك ، تماماً .. ولم تدع فرصة الإدهاش تمر بسلام ، فأجهزت علينا بالقفلة غير المتوقعة نهائياً ، من البطل تحديداً .. وتعيدنا إلى واقعية مبهرة .. فأي جمال هذا وأية حنكة .. رعاك الله ياعين القلادة المدهشة.
رعاك الله معلمي
الحقيقة أنك أدهشتني بهذه القراءة الرائعة لنص تناوله النقاد من زوايا أخرى بعيدة كل البعد عما ذهبتَ إليه
أتعرف أستاذي أن المجموعة القصصية ( إلى الوراء در ) والتي تضم نص "المشهد الأخير" أقيمت لها أربع أو خمس ندوات كل ندوة لايقل عدد النقاد فيها عن أربعة أو خمسة ورغم ذلك لم ير أحد فيها غير الشهيد الذي قدم روحه قربانا للوطن
وأنا لا أريد أن أطعن في تقييم النقاد للمجموعة ، وإنما عنيت هذا النص بالذات
أما أن تكتب عن هذا النص بهذه الروعة فهذا ما جعلني أحسد نفسي
شكرا لعينيك التي ترى ما لايراه الآخر
شكرا لاهتمامك الجدير بالتقدير
وأخيرا أقول
هذا التصفيق لا يستحقه غيرك معلمي
حين قرأت هذه المادة النقدية الجميلة ظننتها تتحدث عن جبل الدخان ولم أنتبه الى العنوان جيداً
ولأني سبق وقرأت ذلك النص البديع ارتبطت هذه القراءة في ذهني عنه فعقبت تعقيباً بسيطاً .. لكني حين قرأت رد الغالية المبدعة سولاف تيقنت أني لم أقرأ العنوان جيداً ، وأني تحدثت في موضوعة أخرى .. ورحت أبحث عن قصة المشهد الأخير لكني لم أجدها في النبع ..
أعتذر لأن الأمور اختلطت عليّ ولكن تظل الاستاذة المبدعة سولاف هلال صاحبة حرف ماسي ولاشك .. ويظل الاستاذ المبدع عمر مصلح صاحب القراءات الأجمل بحق
احترامي وتقديري
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
رعاك الله معلمي
الحقيقة أنك أدهشتني بهذه القراءة الرائعة لنص تناوله النقاد من زوايا أخرى بعيدة كل البعد عما ذهبتَ إليه
أتعرف أستاذي أن المجموعة القصصية ( إلى الوراء در ) والتي تضم نص "المشهد الأخير" أقيمت لها أربع أو خمس ندوات كل ندوة لايقل عدد النقاد فيها عن أربعة أو خمسة ورغم ذلك لم ير أحد فيها غير الشهيد الذي قدم روحه قربانا للوطن
وأنا لا أريد أن أطعن في تقييم النقاد للمجموعة ، وإنما عنيت هذا النص بالذات
أما أن تكتب عن هذا النص بهذه الروعة فهذا ما جعلني أحسد نفسي
شكرا لعينيك التي ترى ما لايراه الآخر
شكرا لاهتمامك الجدير بالتقدير
وأخيرا أقول
هذا التصفيق لا يستحقه غيرك معلمي
عين القلادة الغالية .. أباريق عطر
ألمشهد هذا مرسوم بحِرَفية هائلة ، ووعي قصصي باذخ
حيث كان عبارة عن ( فلاشات ) ملونة متوالية غير متقطعة
وكأنها طريقة جديدة للرسم بالضوء .. بحيث رافقتنا منذ أول لقطة
وإنارة طرق الواقع وانتهاءً باللقطة الأخيرة المبهرة
حيث سطع بعدها ضوؤك
لتقولي .. رافقوني ، أُدلّكم على الحقيقة ..
محبة وإعجاب تُعرب عنها يداي المرفوعتان فوق رأسي ، بتصفيق عالٍ جداً.
حين قرأت هذه المادة النقدية الجميلة ظننتها تتحدث عن جبل الدخان ولم أنتبه الى العنوان جيداً
ولأني سبق وقرأت ذلك النص البديع ارتبطت هذه القراءة في ذهني عنه فعقبت تعقيباً بسيطاً .. لكني حين قرأت رد الغالية المبدعة سولاف تيقنت أني لم أقرأ العنوان جيداً ، وأني تحدثت في موضوعة أخرى .. ورحت أبحث عن قصة المشهد الأخير لكني لم أجدها في النبع ..
أعتذر لأن الأمور اختلطت عليّ ولكن تظل الاستاذة المبدعة سولاف هلال صاحبة حرف ماسي ولاشك .. ويظل الاستاذ المبدع عمر مصلح صاحب القراءات الأجمل بحق
احترامي وتقديري
ألمزدهرة أبداً ازدهار الغالية .. طبت منى
حين أتجول بين أزقة سولاف هلال المسماة نصوصاً
أشعر بأني في مدينة متعددة الأطياف والمذاهب .. وولاؤها واحد
مما يجعلني أمارس متعة الطواف مِراراً.
وهكذا نصوص ، جديرة بملامسة حسك القرائي
أيتها الندية.
حين قرأت هذه المادة النقدية الجميلة ظننتها تتحدث عن جبل الدخان ولم أنتبه الى العنوان جيداً
ولأني سبق وقرأت ذلك النص البديع ارتبطت هذه القراءة في ذهني عنه فعقبت تعقيباً بسيطاً .. لكني حين قرأت رد الغالية المبدعة سولاف تيقنت أني لم أقرأ العنوان جيداً ، وأني تحدثت في موضوعة أخرى .. ورحت أبحث عن قصة المشهد الأخير لكني لم أجدها في النبع ..
أعتذر لأن الأمور اختلطت عليّ ولكن تظل الاستاذة المبدعة سولاف هلال صاحبة حرف ماسي ولاشك .. ويظل الاستاذ المبدع عمر مصلح صاحب القراءات الأجمل بحق
احترامي وتقديري
هذا هو سيدي
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سولاف هلال
المشهد الأخير
مرارا وتكرارا تتبدل الوجوه أمام ناظري صاحب الكشك الذي يقع على ناصية شارع عمومي من شوارع بغداد المحاصرة بالموت من كل جانب .
زبائنه عابرو سبيل ليس إلا ، يدفعهم العطش أحيانا لشرب زجاجة بارد أو عصير معلب ، ويحثهم الإحساس بالقهر لحرق لفائف تبغ يبتاعونها منه لينفثوا من خلالها دخان نفوسهم التي تغلي كبراكين تنتظر لحظة الإعلان عن غضبها المتصاعد .
وقد يشترون صحيفة تبيع لهم الوهم بهيئة أمل في اجتياز المحنة التي يعاني منها الوطن والمواطنون ، رغم أن بلادهم لاتزال ترزح تحت أقدام المحتلين والمارقين والخارجين عن القانون والأعراف والدين .
لم تعد الحياة كما هو عهدها في السابق ، فالمدينة أضحت مرتعا للشر والأشرار ، أما أبناؤها فانقسموا بين قاتل وقتيل ، لاشىء يدعو للتفاؤل وليس هنالك أمل لشعب حلم بالحرية فأغرقته الوعود في بحر من الدماء .
لقد حظي في الماضي بصداقات شتى امتدت لأعوام، أيام كان للصداقة معنى وقداسة، لكن أين هم أصدقاءه الآن ؟ منهم من طالته يد الغدر ففارق الحياة ، ومنهم من آثر الرحيل أملا في النجاة من الموت الذي حط رحاله في هذه البلاد .
الآن صار من المستحيل تذكر وجه واحد من الوجوه التي تطالعه كل يوم . فالكل مصاب بالذعر ، لايلبث أن يطلب حاجته على عجل خوفا من انفجار عبوة ناسفة هنا أو هناك أو خشية أن تصيبه طلقة قناص عابث لايعرف أين يسدد فوهة بندقيته .
منذ يومين شيع جاره جثمان زوجته وهو في حالة ذهول جعلت الجميع يرثي لحاله ،
فلقد تركت له أربعة أبناء لايعرف كيف سيدبر أمرهم في وقت عصيب كهذا .
كانت تجلس إلى جواره في المقعد الأمامي من السيارة وهي في حالة حبور ، ثم سكتت ضحكاتها على نحو مفاجئ ، ومال رأسها حتى لامس ذراعه ، لم يتنبه إلى ما أصابها في بادئ الأمر ، حتى صعقته المفاجأة حين أسند رأسها على صدره وهو يحاول أن يعيد إليها وعيهاالمفقود ، كانت رأسها تنزف دما إثر إصابتها برصاصة قناص لاأحد يدري إلى أية ميليشيا ينتمي أو كيف يحدد أهدافه .
هكذا أضحت الحياة في بلد ظل يحلم بالسلام لكن السلام لم يحلم به أبدا ، فمنذ عشرات السنين ، والحروب تنجب حروبا فوق أرضه حتى صار في النهاية نهبا للغزاة ، وغدت شوارعه ساحات إعدام للأبرياء .
أشرق وجه صاحب الكشك حين أقبل عليه شاب في العشرين سائلا إياه عن مجلة عربية تعنى بالفن والفنانين .
ألقى الرجل نظرة متفحصة على أغلفة بعض المجلات ثم ناوله إحداها وهو يتفرس في وجهه الذي بدا له مألوفا منذ الوهلة الأولى .
انهمك الشاب في تقليب صفحات المجلة ، وبين الحين والآخر يمسح الشارع بنظرات متحفزة سرعان ماتعود لتسقط على وجه الرجل الستيني ، فيحييه بابتسامة ناعمة بدت له كنسمة هواء باردة في ظهيرة يوم قائظ ، فجميع الوجوه تمر أمامه متجهمة تحمل طابع الأسى والنقمة على الحياة .
استأنس الرجل بالشاب فقرر أن يهزم الصمت الذي بات يثقل ساعاته :
ـــ أنت من سكان هذه المنطقة ؟
ـــ ليس بالضبط ، لكن بيتي قريب .
ـــ لم تسبق لي رؤيتك من قبل ، لكنك دخلت قلبي وحق الله ، ما اسمك ؟
ـــ سيف.
ـــ وأنا يدعونني أبو غايب .
ـــ هل لديك ابن مسافر أو مفقود ؟
ـــ لا ياولدي .. فلقد تعود الناس أن يطلقوا على الرجل الذي لاينجب كنية أبو غايب .
ـــ معذرة ياعمي لم أكن أعلم ذلك .
ـــ هل ستأتي إلى هنا ثانية ؟
ـــ لاأظن .
ـــ ولم لا .. ألم تقل إن بيتك قريب ؟
ـــ ليتني أستطيع .
ـــ وما الذي يمنعك من المجىء ؟
تجاهل الشاب سؤاله وتشاغل بقراءة عناوين بعض الجرائد ، لكن الرجل استأنف الحديث :
ـــ مارأيك بما يحدث الآن ؟ أرأيت كيف يموت المرء على يد ابن جلدته ؟
ـــ لاتنسى أننا محتلون ، وثمة أيد خفية تلعب لعبة قذرة وتثير الضغينة في النفوس .
ـــ نفوس الضعفاء ياولدي .. أليس كذلك ؟
ـــ بلى .
ـــ متى ستنزاح هذه الغمة ؟
ـــ قريبا إن شاء الله .. بهمة الرجال .
ـــ أنت طالب ؟
ـــ أنا طالب في الجامعة المستنصرية ، ليس هذا وحسب ، فأنا أكتب القصص والروايات، صحيح أنها لم تر النور ، لكنني سعيد بما أكتب ، أحيانا أمثل ما أكتبه أمام الأهل وبعض الأصدقاء المقربين .
ـــ لماذا لاتصبح ممثلا ، مادمت تمتلك القدرة على التمثيل ، أنت وسيم ولديك حضور ، سأكون أول المعجبين .
ـــ أشكرك على ثقتك بي ، لكني لست مستعدا للإقدام على خطوة كهذه فالبلد في حالة فوضى واضطراب ، لكنني سأعرض لك مشهدا بعد قليل ، هذا المشهد كتبته بنفسي ولنفسي ، أتمنى أن تستمتع بأدائي .
ـــ هيا إذاً .. ماذا تنتظر ؟
ـــ كل شىء بأوان ياعمي .. ناولني أولا زجاجة بارد .
بدا الرجل متشوقا لرؤية المشهد الذي سيعرض أمامه بعد قليل ، بينما كان الشاب أكثر شوقا لأداء الدور الذي أنفق وقتا في إعداده ، وعندما فرغ من شرب زجاجة البارد ركض صوب آلية عسكرية لجنود الاحتلال ، وبكبسة زر من حزامه الناسف انطلقت روحه لتعانق أرواح الشهداء .
كان صاحب الكشك قد انبطح أرضا في حركة لاإرادية ، مغمضا عينيه على وجه ذلك الشاب الذي برع في أداء ذلك المشهد البطولي المهيب .