ذات إصرار وإلحاح من حنيني قررت أن أرتب رفوف ذاكرتي وأزيل غبار الأيام عن بعض ذكرياتي التى لم أعانقها منذ زمن، سرت بخطوات تعاند الخطى تتقدم للأمام خطوة وترجع إلى الخلف خطوات، حالة من الجبن والخوف انتابتني وشعرت حينها انني مقدمة على الرجوع الى زمان لم أعد أنتمى اليه.
أسدلت ستائر خوفي حتى لا يحرق الفضول شريط ذكرياتي فأضيع وأصبح بلا تاريخ، مددت يدي بتردد لأسحب بعض المواقف والأحداث لأرتبها واذا بطيفك يصافح أولى نظراتي ، جفلت وعدت خطوات الى الوراء، وعندما قررت ان ابدأ بترتيب زاوية اخرى من ذكرياتي اذا بطيفك يصر على ان يطل علي بعناد ليثبت لي انه الحاضر في كل الأزمنة وفي كل الأماكن.
على مفترق الرفوف استوقفتني حكايتنا، وعدت إلى نقطة البداية وكأن حلقات من السنين الطويلة التى تفصل مابين اخر لقاء بيننا واللحظة قد انفصلت حلقة تلو الأخرى.
ذات لقاء اصطدمت حواسي بنظرة منك تحمل ملامح الغرباء القيتها في عمق عيناي، نظرة وضعتني على مفترق الطريق، هناك كان علي ان أجتاز شعرة تفصل مابين الشك واليقين، شعرة كنت أحافظ عليها حتى لا تنقطع لإنني لست من النوع الذي يخذل مشاعره ويخون ثقته في خياراته.
رغم انني امرأة حالمة الا انني لا أطيق الاسترخاء على أريكة الأحلام الى حد النعاس لإن الأحلام في نظري هي واقع مؤجل يتحين شارة البدء للإنطلاق.
لقاؤنا لم يكن وهماً أو أضغاث احلام بدليل انني مازلت أسمع نبضات قلبي وهمسات روحي جلياً ومازالت رائحة انفاسك تملاً مساماتي وتستفزسكون حواسي.
كلما قررت أن أرتب ذكرياتي وأن أتعامل معها بحيادية تقفز ذكرياتي معك على السطح ويتناسل الوقت بسرعة فيسرق كل محاولة لتذكر اي شيئ أخروتصيبني رغبة في توقف الزمن حتى لا يوشك مخزون الصور على النفاذ.
تتهاطل الصور على ذاكرتي اللحظة،
لقد كنت بارعاً في صناعة كل ما يوقد فتيل دهشتي ،
كنت بارعاً في تطويع حواسي الخمس لتصبح أدوات لخدمتك وحدك ،
كنت بارعاً في اعتقال عفويتي على طاولة تحقيقاتك ،
كنت بارعاً في اطفاء بريق عيني وكسر ابتسامتي بغضبك الصاعد الهابط على مقياس مزاجيتك ،
كنت كريماً لا ترد سائل يطرق أبواب قلبك فتركت كل الأبواب مواربة ،
كنت عادلاً في توزيع المعونات العاطفية لكل المحتاجين،
كنت سخياً في هطولك الموسمي الذي كان يغطي جغرافيا الخارطة الأنثوية ،
كنت بليغاً في صياغة المعاني الجميلة التى تناسب كل الأذواق،
كنت ذكياً في الإنفلات من بين يدي لحظات المواجهة،
كنت أنيقاً في كل شيئ حتى نظراتك الكاذبة،
لا أدري لماذا توقفت هنا وعندا هذا المفترق بالذات؟؟؟؟؟ ولماذا عادت أوراق خريف حكايتنا لتنبت مرة اخرى على أغصان وجدي بعد ان داستها أقدام الشك وبعثرتها ريح الجفاء.
تمتد أناملي برهبة لتعبث في زمن اخر على رف أخر لم تكن انت فيه ورغم ذبول لهفتي لإجترار ذكريات اخرى أجدني مطوقة بكل تفاصيلك ، لم يبقى امامي الا ان أستجدي إرادتي لإخرج من أتون ذاكرتي الملتهب وأعود الى واقع أخرس لأحتسي غيابك عن واقعي بصمت.
سلوى حماد