الجو جميل ، رائق ،في ايام الربيع القليلة ، والمعدودة على أصابع اليد ،أحب ان يتمشى بين أشجار البرتقال الزاهية ،والتي تبعث بأريجها القوي البديع ،فتخفق القلوب ، ويهيمن على الأفئدة شعور قوي من البهجة ، يملآ النفوس جمال رائع ، يستولي على الألباب ، ويغمرها بالدهشة والتسبيح والحمد لله ، واهب الفتنة ومبدع الجمال ،وهو ما زال في حاله ، يسير بافتتان ، بين الأشجار ، المتشابكة ، ويملآ العين بجمال الزهور ، المتلألئة ، حيث السكينة تهيمن على النفوس ، وتأخذ بمجامع الأفئدة ، وتسيطر على القلوب ، المعجبة بجمال الطبيعة الأخاذ ، ذات المناظر الخلابة ، وهو على هذا الشعور بالاستحواذ واذ بصرخة عالية تمزق أستار الصمت المخيم على المكان
- النجدة ،،، أغيثوني ، لقد سرق مني عمري
- ويحك ، يا إنسان ، كيف سرقوا منك العمر ، ومن هم أولئك السارقون ؟؟
- سرقوا عمري وولوا هاربين ، ساعدني ،أرجوك ، لأعيد منهم عمري المسروق ، قبل ان يتمكنوا من بيعه ....
يذهب المشتكي بعيدا ، لعله معتوه ، أقبلت به سبل الحياة الغريبة ، والمتعرجة ، وكثيرة الأعباء ، والمخاطر والصعوبات ...
ولكن العبارة الغريبة ، والصرخة المنبعثة من إنسان ، يشعر بهول الفقدان ، وفداحة الضياع ، ما زالت تحيا معه ، تقض شعوره بالسكينة ، وتسرق إحساسه بالأمان ، والطمأنينة ، وان العالم جميل بديع ، والحياة ينبغي ان تعاش ، بحلوها ومرها
الأشجار متشابكة خضراء الأغصان ، والزهور جميلة ن والعطر المنبعث منها فواح ، يملأ الإنسان بشعور أخاذ بالجمال والبهجة ، لقد صمم ان يئد ذلك الشعور الأليم بالفقدان الذي جاءه على غير موعد سابق ، حين سمع الصرخة المستنجدة ..
يمضي الى داره ، مسلوب الفؤاد ، يمضه التفكير المضني ، بغربة الأمور
تستقبله امرأته ، كالعهد بها ، بابتسامة ، كانت تنسيه في السابق ، متاعب يومه
والامه والمنغصات التي لابد ان يراها كل امريء في الحياة ، ما ان تطأ قدمه ارض المنزل الذي اعتبره دائما واحة أمان واطمئنان ، حتى كان ينسى كل همومه
- هيا ، عزيزي ، يبدو عليك التعب والإرهاق
- مشكلة ألمت بصديق لي
- ما هي المشكلة ؟ ومن صديقك هذا ؟
- صديق لا تعرفينه ، ومشكلته غريبة ، سوف أحدثك عنها ، ونحن نتناول الطعام
المائدة بسيطة ، لم يكونوا ميسوري الحال ، لكنهم كانوا راضين عن حياتهم ، التي يسودها الود ، ويجمعها الحب والتفاهم ...
مرق البامية والرز ، الوجبة الرئيسية للناس هنا ،، وصحن السلطة الذي تحرص الزوجة على تهيئته ، وقنينة الماء ، وصحن الرقي المنزوع القشور
ما ان جلس الرجل على كرسيه ، لتناول الطعام ، حتى استفزته تلك الصرخة ، شعر بتأنيب كبير ، كيف لا يساعد إنسانا ، طلب منه المساعدة ، ، ولا يمد يديه يعين مخلوق ، استغاث بمروءته ، واستنجد بشهامته ، وقبل ان يمد يده لتناول قطعة من الصمون ، الموضوع على المائدة ، حتى أعاد القطعة الى مكانها ، ونهض واقفا
- الى أين ؟ عزيزي
- إنسان بحاجة الى معونتي ، سأقدمها له ، واعود
- كل طعامك اولا
- لا . لا استطيع ، المسكين يستغيث
- لكن الظلام حل بكلكله ألان ،كيف يمكنك ان تخرج ؟
- استعين بالمصباح اليدوي
- المصباح بلا بطارية ، سأضعها به
يخرج الرجل من منزله ، بعد ان بدأت جيوش الظلام تغزو المدينة ، لم تكن الليلة مقمرة ، غيوم سوداء كانت تحجب القمر ، وتبعث دياجير الظلمات الى المدينة التي أخذت تأوي الى السبات
لم يعهد مثل هذا الظلام من قبل ، فهو لم يكن يكثر من الخروج ، في الليالي التي أفل قمرها ،،، يبدأ عمله في الصباح ، تتخلله ساعة واحدة للراحة خلال الظهر ، يتناول بها الطعام الذي هيأته الزوجة ، لكن هذه الليلة تختلف عن سابقاتها ، فهو إنسان معروف بتقديم الخير والمعونة لكل شخص يحتاجها ، كيف يمكنه التخلف عن نجدة إنسان ملهوف يستصرخه ان يفعل ؟؟
يعود الى البقعة الجميلة التي استمتع بها ،بجمال الأشجار المتكاتفة البديع ، ولكن من يمكن ان يكون في هذه البقعة النائية الان ؟ والظلام قد سد منافذ الرؤية أمام الجميع ، يشعل المصباح ، فينبعث ضوءه ، مما يسبب له حرجا
- من هنا ؟؟ ما ذا تفعل في هذه الساعة من الليل ؟ وفي هذه المنطقة المعزولة ، والخالية من الناس ؟
- جئت لأساعد إنسانا بحاجة الى مساعدتي
- من يكون ذلك الشخص ؟
- لا أعرفه
- كيف تساعد من لا تعرف ، وبمثل هذه الظروف ؟
- لقد تعرض الى صعوبات ، غريبة ن وناشدني ان أساعده في تذليلها
- وما هذه الصعوبات ؟؟
- إنها غريبة ، لم اسمع بمثلها ، قبل اليوم
- اذكرها لي ، علني اشترك معك في مساعدة هذا الرجل
- كان يصرخ طالبا النجدة ، ويزعم انه أضاع عمره
- وكيف فقد عمره ؟؟
- لا أدري
يفكر الشرطي برهة ، فتلوح امام ناظريه فكرة جديدة ، تظهر على محياه علامات الاهتمام
- هل رأيت الرجل ؟؟
- سمعت صوته فقط
- ماذا كان يقول
- النجدة ، أغيثوني ،، لقد ضاع عمري
- أكان صوته فتي ام طاعنا في السن ؟؟
يفكر الرجل قليلا ، ويتوصل الى جواب شاف ، فالرجل المستغيث كان بلا أسنان
- هناك رجل واحد طاعن في السن يمر من هنا ، انه محمود
- وهل أضاع عمره ؟؟
- انه مدمن على لعب القمار ن خسر كل ما بجيبه من نقود ، ولعب على عمره ، فخسر مرة أخرى
- وهل يأخذون عمره وقد استوفى كل عمره ؟
- من يدري ؟ قد يفيد اللاعبين ان يحصلوا على عمر إنسان قد أوشك ان يودع عمره
المتميّزة صبيحة شبر
قديرة أنت يا سيّدتي في فنّ القصّة القصيرة .
وقد ألمّ أسلوبك القصصيّ الرّائع بأهمّ فنيّات القصّة من كثافة والماحة وقدرة النّص على حمل الخطاب المراد تبليغه أو لنقل الرّسالة والمضمون وأنت تتميّزين في ايصالها ببساطة وعمق ..
وقد وفّرت دوما في قصصك للقارئ المتعة وتلقائية السّرد
ثمّ أنّ اختياراتك لشخصيّات وأبطال القصّة كثيرا وحسب مروري على بعض قصصك منتقاة من الواقع حتّى كأنّنا نعرفهم أو هم من بين من هم حولنا وفي محيطنا.
متمرّسة يا صبيحة في فنّ القصّ وبامتياز ...
تقبلي تقديري ...
المتميّزة صبيحة شبر
قديرة أنت يا سيّدتي في فنّ القصّة القصيرة .
وقد ألمّ أسلوبك القصصيّ الرّائع بأهمّ فنيّات القصّة من كثافة والماحة وقدرة النّص على حمل الخطاب المراد تبليغه أو لنقل الرّسالة والمضمون وأنت تتميّزين في ايصالها ببساطة وعمق ..
وقد وفّرت دوما في قصصك للقارئ المتعة وتلقائية السّرد
ثمّ أنّ اختياراتك لشخصيّات وأبطال القصّة كثيرا وحسب مروري على بعض قصصك منتقاة من الواقع حتّى كأنّنا نعرفهم أو هم من بين من هم حولنا وفي محيطنا.
متمرّسة يا صبيحة في فنّ القصّ وبامتياز ...
تقبلي تقديري ...
العزيزة المبدعة دعد كامل
يسعدني ان اعبر عن الشخصيات العراقية التي سحقها الحرمان
جزيل الشكر لعاطر تعليقك
تقبلي خالص الود