مرضت سعاد وتدهورت حالتها الصحية بسرعة بعد أن أجريت لها عملية استئصال لورم خبيث في الاثني عشر.
الجراح قال لها أن الوضع محرج ، اذ ان المرض انتشر الى الكبد أيضا وهو لا يظن انها ستعيش أكثر من ستة أشهر.
صعقت للخبر ، وبكت بحرقة، وهي تصرخ :
- ستة أشهر فقط ؟
- أنا آسف... قمنا بكل ما يلزم... الأمر ليس بيدنا الآن.
- لكني أحب الحياة... واريد أن أعيش دهرا كاملا... أكره الموت وانا لم أصل حتى لمنتصف العمر? كيف يحصل لي مثل هذا الأمر المرعب.. لا بد من وجود حل يطيل عمري?..
بعد تفكير قال الطبيب"
- انا حزين جدا لحالتك .. اريد لك الحياة والسعادة.. حاولت كل الطرق الطبية المعروفة ، استشرت اخصائيين من مختلف مستشفيات العالم .. للأسف لم اجد طريقة طبية يمكن ان تشفيك من المرض الخبيث بعد ان انتشر ..
- الا توجد حلول اخرى غير طبية؟
استغرق الطبيب بتفكير عميق قبل ان يقول بصوت خافت:
- يوجد حل..
تنبهت سعاد لقول الطبيب وشعرت ببعض التفاؤل. عندما طال صمت الطبيب عن شرح الحل المفرح وغير الطبي حثته:
- ما هو الحل دكتور.. ؟
- ان تتزوجي من شاعر.
- شاعر ...؟! وكيف سيساعدني زواجي من شاعر..؟ هل للشاعر حل لمرضي لا يعرفه الطب ؟!
- آه هذا سؤال جيد... سأشرح لك..
طال صمته مرة أخرى. ضايقها تمهله في الكلام وهي تنتظر كلماته على أحر من الجمر.
- أني أنصت... اشرح لي ؟
- الشعراء مخلوقات مغرورة... كثيرة الغلبة والطلبات... مزاجيون متقلبون... يعيشون في وهم انهم من طينة بشرية عليا... وما عداهم مخلوقات دنيا... خاصة اذا كانوا من "عرب الداخل". يدعون انهم مع الناس وهم منعزلون عن الناس . وانهم الجيل الجديد من شعراء المقاومة ، الشاعر منهم يريد من المرأة المتزوجة به ان تكون وفق تقلب مزاجه .. ستسمعين شعر زوجك ليلا ونهارا حتى تتمنين الطرش.. والويل اذا لم تقولي له ان مثل هذا الشعر الرائع لم يسبق لك ان استمعت الى مثله في يوم من الأيام.. وربما في يوم القيامة ، عندما يسأله الله عن حسناته وسيئاته سيقول انها كلها حسنات لأنه شاعر كبير ، وان السيئة الوحيدة التي ارتكبها هو زواجه منك ... وان هذه السيئة تغفر عادة للرجال منذ غفر الله لآدم بعد ان أغرته زوجته حواء على الأكل من شجرة المعرفة ، وهو يتوقع ان يقول له الله بما انك أعظم الشعراء ، تعال اجلس بمكاني فأنت أهل لأن تحل محلي.
بعد برهة صمت فيها الطبيب متجهما وصمتت هي متفاجئة من الحل ، استمر يقول:
- الويل لك عزيزتي اذا كان يكتب قصيدة وتأخر فنجان القهوة .. او جاء سكر القهوة ليس كما يشتهي.. سيتهمك بتخريب القصيدة والعمالة للصهيونية، الاستعمار والرجعية العربية.. ويصنفك مع مدمري برجي التوأمين في نيويورك. واذا نشر قصيدة وانتُقدت بحدة ستتهمين بأنك قليلة الايحاء وفاقدة للذوق الشعري مثل نُقاده . واذا مدحها الناقد الحداثي الذي لا يفقه ما هي الحداثة ستنالين باقة ورد لتضعيها .. انتبهي ، بجانب سريره .
- لكني لم أفهم بعد كيف سيشفيني هذا من مرضي.. كيف سيجعلني أعيش دهرا..؟
- أه هذا سؤال مهم.. الشاعر كما شرحت لك سيجعل حياتك جهنم.
- ماذا مع مرضي وموتي المرتقب بعد ستة أشهر .. كيف سأشفى منه؟
- وصلنا لجوهر الموضوع.. لن تتغلبي على مرضك .. ستموتين بعد ستة أشهر.. ولكن ستة أشهر مع شاعر ستشعرين انها دهر كامل .. وربما تتمنين الموت قبل نهايتهم.
الأديب قصي المحمود
اجل هو نص نقدي .. استمرار لنص سبق وان نشرته في المنتدى تحت عنوان "في انتظار جائزة نوبل"
لم يكن من الممكن ان ادمج النصين من الناحية الفنية .
اجمل تحية