المشهور عند كثير من المفسرين أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام، وأسد بن عبيد وثعلبة بن شعبة وغيرهم، أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب، وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال تعالى: { لَيْسُوا سَوَاءً } أي ليسوا كلهم على حد سواء، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم،
ولهذا قال تعالى: { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } أي قائمة بأمر اللّه مطيعة لشرعه، متبعة نبي اللّه فهي قائمة يعني مستقيمة،
{ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [1]} أي يقيمون الليل، ويكثرون التهجد، ويتلون القرآن في صلواتهم،
{ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ[2]} ، وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة
ولهذا قال تعالى ههنا: { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ[4]} أي لا يضيع عند اللّه بل يجزيهم به أوفر الجزاء، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملاً.
ثم قال تعالى: مخبراً عن الكفرة المشركين بأنه { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [5]} أي لا ترد عنهم بأس اللّه ولا عذابه إذا أراده بهم، { أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
ثم ضرب مثلاً لما ينفقه الكفار في هذه الدار فقال: { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ [6]} أي برد شديد قاله ابن عباس،
وقال عطاء: برد وجليد، { فِيهَا صِرٌّ } أي نار وهو يرجع إلى الأول، فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد يحرق الزروع والثمار كما يحرق الشيء بالنار،
{ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} أي فأحرقته يعني بذلك الصعقة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته، وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع، فذهبت به وأفسدته فعدمه صاحبه وهو أحوج ما كان إليه، فكذلك الكفار يمحق اللّه ثواب أعمالهم في هذه الدنيا كما يذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه، وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .