أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يقول تعالى: {
قُلْ } يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن
{ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ } هذا القرآن { مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ } ؟
أي ما ظنكم أن اللّه صانع بكم، إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزله عليّ لأبلغكموه، وقد كفرتم به وكذبتموه؟
{ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ }
أي وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبلي، بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به، وقوله عزَّ وجلَّ: { فَآمَنَ } أي هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقيقته، { وَاسْتَكْبَرْتُمْ } أنتم عن اتباعه،
وقال مسروق: فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم،
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
وهذا يعم عبد اللّه بن سلام وغيره،
كقوله تبارك وتعالى: { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ[1]} وقال: { ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا[2]} الآية، وروى مالك، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: ما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد اللّه بن سلام رضي اللّه عنه، قال: وفيه نزلت { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } "أخرجه البخاري ومسلم والنسائي"،
وكذا قال ابن عباس ومجاهد والضحّاك وقتادة: إنه عبد اللّه بن سلام،
وقوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ }
أي قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، يعنون بلالا و عمارا و صهيبا و خبابا رضي اللّه عنهم وأشباههم من المستضعفين والعبيد والإماء، غلطوا في ذلك غلطاً فاحشاً وأخطأوا خطأً بيّناً كما قال تبارك وتعالى: { وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا [3]} أي يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا ولهذا قالوا: { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } ،
وأما أهل السنَّة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي اللّه عنهم: هو بدعة، لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها،
وقوله تعالى: { وإذ لم يهتدوا به} أي بالقرآن
{ فسيقولون هذا إفك قديم} أي كذب قديم مأثور عن الناس الأقدمين، فينتقصون القرآن وأهله، وهذا هو الكبر الذي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
(بطر الحق وغمط الناس) بطر الحق أي دفعه وعدم قبوله، و غمط الناس أي احتقارهم وازدراءهم .
ثم قال تعالى: { ومن قبله كتاب موسى} وهو التوراة
{ إماماً ورحمة وهذا كتاب} يعني القرآن
{ مصدق} أي لما قبله من الكتب
{ لساناً عربياً} أي فصيحاً بيناً واضحاً
{ لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين}
أي مشتمل على النذارة للكافرين، والبشارة للمؤمنين،
وقوله تعالى: { إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا}
تقدم تفسيرها في سورة حم السجدة،
وقوله تعالى: { فلا خوف عليهم} أي فيما يستقبلون
{ ولا هم يحزنون} على ما خلفوا
{ أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون}
أي الأعمال سبب لنيل الرحمة لهم وسبوغها عليهم، واللّه أعلم.