من "جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب"- أحمد الهاشمي
تهذيب الكلام عبارة عن ترداد النظر فيه بعد عمله نظماً كان أو نثراً ، وتغيير ما يجب تغييره، وحذف ما ينبغي حذفه، وإصلاح ما يتعين إصلاحه، وتحرير ما يدق من معانيه، وإطراح ما يتجافى عن مضاجع الرقة من غليظ ألفاظه؛ لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته، وترشف الأسماع على الطرب رقيق سلافته؛ فإن الكلام إذا كان موصوفاً بالمهذب منعوتاً بالمنقح علت رتبته، وإن كانت معانيه غير مبتكرة.
وكل كلام قيل فيه: لو كان موضع هذه الكلمة غيرها، ولو تقدم هذا المتأخر، وتأخر هذا المتقدم، أو لو تمم هذا النقص بكذا، أو لو تكمل هذا الوصف بكذا، أو لو حذفت هذه اللفظة، أو لو اتضح هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين- كان ذلك الكلام غير منتظم في نوع التهذيب.
وكان زهير بن أبي سلمى معروفاً بالتنقيح والتهذيب، وله قصائد تعرف بالحوليات. قيل: إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر، ويعرضها على علماء قبيلته أربعة أشهر.
ولهذا كان الإمام عمر بن الخطاب مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد يقدمه على سائر الفحول من طبقته، وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله:
فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات، وتسكن الحركات فيكون الفكر فيه مجتمعاً ومرآة التهذيب فيه صقيلة؛ لخلو الخاطر وصفاء القريحة لاسيما وسط الليل.
قال أبو عبادة البحتري: كنت في حداثتي أروي الشعر، وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام، وانقطعت إليه، واتكلت في تعريفه عليه.
فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء.
واحذر المجهول من المعاني وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الوحشية وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام.
وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك لا تعمل إلا وأنت فارغ القلب ولا تنظم إلا بشهوة فإن الشهوة نعم المعين على حسن النظم.
وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه.
(عن خزانة الأدب وزهر الآداب باختصار)
</B>
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 12-04-2014 في 01:01 PM.
رد: كيفية تهذيب الكلام وأوقات تأليفه-- فريد البيدق
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شاكر السلمان
<B>
من "جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب"- أحمد الهاشمي
تهذيب الكلام عبارة عن ترداد النظر فيه بعد عمله نظماً كان أو نثراً ، وتغيير ما يجب تغييره، وحذف ما ينبغي حذفه، وإصلاح ما يتعين إصلاحه، وتحرير ما يدق من معانيه، وإطراح ما يتجافى عن مضاجع الرقة من غليظ ألفاظه؛ لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته، وترشف الأسماع على الطرب رقيق سلافته؛ فإن الكلام إذا كان موصوفاً بالمهذب منعوتاً بالمنقح علت رتبته، وإن كانت معانيه غير مبتكرة.
وكل كلام قيل فيه: لو كان موضع هذه الكلمة غيرها، ولو تقدم هذا المتأخر، وتأخر هذا المتقدم، أو لو تمم هذا النقص بكذا، أو لو تكمل هذا الوصف بكذا، أو لو حذفت هذه اللفظة، أو لو اتضح هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين- كان ذلك الكلام غير منتظم في نوع التهذيب.
وكان زهير بن أبي سلمى معروفاً بالتنقيح والتهذيب، وله قصائد تعرف بالحوليات. قيل: إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر، ويعرضها على علماء قبيلته أربعة أشهر.
ولهذا كان الإمام عمر بن الخطاب مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد يقدمه على سائر الفحول من طبقته، وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله:
فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات، وتسكن الحركات فيكون الفكر فيه مجتمعاً ومرآة التهذيب فيه صقيلة؛ لخلو الخاطر وصفاء القريحة لاسيما وسط الليل.
قال أبو عبادة البحتري: كنت في حداثتي أروي الشعر، وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام، وانقطعت إليه، واتكلت في تعريفه عليه.
فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء.
واحذر المجهول من المعاني وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الوحشية وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام.
وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك لا تعمل إلا وأنت فارغ القلب ولا تنظم إلا بشهوة فإن الشهوة نعم المعين على حسن النظم.
وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه.
(عن خزانة الأدب وزهر الآداب باختصار)
</B>
تهذيب الكلام وتهذيب السلوك أشياء مطلوبة وحتمية حتى تٌصبح العلاقات بين البشر أكثر حميمية...من خبرتي المتواضعة يمكننا أن نضع تهذيب الكلام والسلوك تحت بند الإتيكيت الذي يٌدرس في الجامعات..
تهذيب النفس بصفة عامة يجعلنا قادرين على تهذيب الكلام وتهذيب كل تصرفاتنا ..
أحياناً تبديل موقع كلمة في جملة يغير السياق بكامله اما سلباً أو إيجاباً لذلك علينا أن نحرص دائماً على اختيار الكلمات الصحيحة في اماكنها وفي أوقاتها الصحيحة...
موضوع مهم..أشكرك عمدتنا على إدراجه ويثبت للإفادة..
ملاحظة: عنوان النص" كيفية تهذيب الكلام وأوقات تأليفه" - فريد البيدق وفي داخل النص العنوان من "جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب"- أحمد الهاشمي...
رد: كيفية تهذيب الكلام وأوقات تأليفه-- فريد البيدق
التهذيب في الكلام هو من حسّنه وزينه،والتهذيب هو التشطيب
للزائد المضر اوالذي لا ينفع،وحسن الكلام هو من الخلق الرفيع
لا يختلف عليه اثنان،ولقد امرنا الله في تهذيب النفس وتطهيرها مما
علق بها من ادران،والتهذيب جزء من محاسبة النفس ومعاتبتهاومن ثم تهذيبها،
قال الرسول الكريم..صل الله عليه وسلم..(الكلمة الطيبة صدقة)
والتهذيب اشبهه بتهذيب النخل حينما يتكاثر السعف والكرب ليعيق
ولادة التمر،ويتم تكريبها قبل الطلع...
التهذيب هو مراجعة ذاتية لنمو ما لا يتوافق مع الذات حينما تكون ذاتاً صالحة..
وانتقاء المفردات اللائقة خلقياً واجتماعياً ودينياً وتهذيبها بما
يتوافق مع الذات الصالحة..هو تهذيب لغوي واخلاقي.
اعطر التحايا واعذب السلام