ابن عبود بين المال والقوافي [سكن الليل) أوقد الشمعة ليغدو الاستيعاب أمراً ممكناً مستجاباً. مدخل الديوان" اصاغها الله .. من حسن ومن نور وبلسم.. وشفاء.. للعيون.. وللصدور ورضاؤها.. لي راحة .. لم اجدها في القصور وصفاؤها.. في نصحها .. اعذب من تغاريد الطيور " ابن عبود " ولكنني ومن خلال قراءتي المتأنية لديوانه " سكن الليل" في طبعته الاولى 1423هـ - 2002م لن اجنح الى التقريظ الشخصي مثلما فعل غيري في مقدمة الديوان وانما سأبذل جهدي – متجاوزاً- الكثير من الملمح النثري من خلال قصائد عامية طغت على صفحات " سكن الليل " بينما فيض شحيح من الشعر المقفى بدأ به شاعرنا محمد بن عبود العمودي مستهلاً به الديوان تم نزر يسير في " قصائد خاصة " استحلت خاصرة الديوان . ففي قصيدة "سكن الليل" والمستلهم منها غلاف الديوان الأنيق ذوالحجم المتوسط، والصادرفي"144" صفحة ملونة، يتكئ شاعرناالمحبوب على هوى الحبيب الذى اضنى الفؤاد قائلاً.. سكن اللـيل والامانـي عـذاب وحنيني الى الحبـيب عـذاب كلما داعـب الكرى جفن عيني هزنـي الشوق واضناني الغياب ياحـبيبي هـواك اضنى فؤادي وكأن الجـوى بجسـمي حراب ولايتوقف الالم عند هذا الحد.. فالعشق نار تضرم في الحنايا لتغدو لهيباً، وفي هذا تشبيه لجأ اليه الشاعر ليخلق صلة وصفية بالنار والماء حينما يقول : اضرم النـار في الحنايا لهــيباً مثل ليـل اضـاء فيـه شهـاب وانا في ذرى الغــرام غريـق ملء عيــني دجى كساه الضباب وفي هذه اللغة الوصفية المبهرة يتأرجح الحب مابين الغرق والاحتراق ، وهو ربط بديع لخيال يسمو في عالم المضادات بحيث لايمكن ان يطفئ لهيب عاشق ذلك الماء المنحدر من السهول والوديان وهى بيئة عاشها الشاعر منذ الطفولة مازالت تختلج في نفسه كذكريات يافعة وهو يغدو شاباً طموحاً محباً ، لكنه متعثر في وجدانه غير محظوظ بحبه ، وفيه الكثير من العذاب . أنا والشـوق في الغـرام ضحــايا سـرق البعـد عمـرنا والغيــاب قدر نهـدر الســنين ســهارى ليلنــا غربــة فكـيف المــآب قدر نعشــق الصــعاب ونمشي في طــريق بــه الشجاع يهـاب وفي هذه الابيات تورية صريحة لما آل اليه هذا الحب الدفين ، لعله الفشل في التجربة .. أو غدر الحبيب الذي امسى مجرد هدر للسنين المعاشة والليالي الباكيات الشاكيات تغدو سهارى ، ويتساءل الشاعر المعذب في هواه .. كيف المآب ..؟! حتى يعود ثانية الى عشقه الصعب ، وكأن هذا العشق المحفوف بالمخاطر يهابه الشجعان ، فكيف بقلب رقيق متفتح كالازهار يمشي بين دروب مزروعة بالشراكك وعلى الأبواب حراس غلاظ شداد : كيـف ألقــاك والدروب شــراك وعلى البــاب حــاجب وحــجاب بينـنا يا ضيـاء عينــي بحــور يملؤهـا العيــن حرهـا والســراب ننشد الوصــل قــد يكون قريبـاً هـل على العاشقيـن ثـم حســـاب وتتجلى الصورة الجميلة حينما يعود الحبيب الى نفسه ليجعل معشوقته تقف على موضع الحزن والفراق ويسأل في أسى معاتباً الزمن الذي تأخر في اللقاء: ربما نلتــقي غــداً ونغـــني لحن حــب عنــاؤه مستــطاب وغـداً تنبــت الرياض زهـوراً ويعــود الهـوى لنـا والشــباب كلمـا طـال بعـدنا زدت قربـاً يجمـع الحـرف بينــننا والخطاب ويلعب الزمن في " سكن الليل " دوراً مهماً في تسيير عجلة الآمال والتمني ، فالشاعر هنا " يتمنى" في رجاء يكسوه الامل والثقة في ان الغد سيحمل امراً مستطاباً، حتى إذا ماحدث ذلك فإن الرياض ستنبت زهراً.. وحينها يعود الشباب إلى بيته بفعل الهوى الذي عاد، ولكن الآهة مضمخة بظروف العودة التي طال أمدها ، بينما القرب زادٌ يجمع الحرف الجميل ويرسم خطاباً فيه البشرى وفيه الاستشراف لحب غائب لملتاع. وفي قصيدة مقفاة أُخرى " فعلام الهجر علاما" تكمن عواطف متقدة ترنو نحو حبيب هو الآخر يتمرد كما العشاق ، ويخاطب الشاعر قلبه الذي عشق قوماً حلوا عليه وهو في غفلة .. لكن ذلك القلب هام بين أنفاس وعطر بللتها ذكريات مازالت مستأصلة بالروح والجسد ، رامزاً الى ذلك بالعطر الذي كان يعبق المكان بينما الحبيب يدنو كسنا بدر او نور شمس حمله افق حلم ليستقر في المكان.. عشـق القــلب فهــاما واقتفــى عــطر النــدامى ينشق العطـــر فيدنـو حينــما حلـوا اقـــامـا هالـه النــور فأزهـى جفـن عينيـــه احتشـاما نـور شمس أم سنا بـدر علـى الأُفـق استقــامـا وعبر هذه اللوحة الجميلة البديعة التي صورها الشاعر وصاغها بهذا التكوين الزاخر بالمعاني مازال الحبيب يتساءل .. هل هو شعاع فجر يزيح عنا الكآبة ويبدد قلق الانتظار؟! ويصف تلك النشوة بالندى الذي يبلل اوراق العشق الممهورة بالضياء بين ضيم وظلام .. حتى يتساءل أخيراً .. لماذا الهجر بين العاشقين .. واضعاً مئة علامة عله يلقى جواباً.. أم شعـاع الفجــر يجــلو عن ليالينــا الركــــاما ياحبيب العــمر في ليــل التدانـــي والســلامـا ونـدى العشـــق يـدنـو كلمــا غــاب تنــامى أنـت نـوري وضــيائي ورؤى تجــلوالظـلامـا وتراتـيل الأمــانـــي نغمهـا يشفي الســقامـا فعــلام الهجـر بــين المحبيــن عــــلاما وفي " مرَ عام " ايقاع يأسر القلوب ، بالرغم من أن الكلمات المغناة شعراً قد انفردت باللغة السهلة المهضومة لدى العامية ، الا أن شاعرنا "بن عبود" مزج هذه اللونية الساحرة باللغة الأكثر تعمقاً ، متمرداً في ذات الوقت على ما ألفته الأُذن العربية، متجاوزاً الكثير من العقبات في سبيل ترسيخ ما أراد البوح به نغماًلا كلمات منظومة فحسب ، ويظهر ذلك جلياً في قصيدته اللحنية " مرَ عام " اذ يقول.. لليــال بـت ســــاهرة اقتفي وعــداً فتخـــلفني ياحبيبـاً بـت أعشقــــه هل بوعــد فيك ينصفنـي نلـتقي يـــوماً بربـوتنا بأريـج الزهـر تعزفــني وطيـور الروض نغمتـها عن جميـع الخلق تصرفني وفي أبيات قادمة من "مرَ عام" ينعطف الشاعر فجأة نحو موال متناسق أشبه بالمقامات الصوفية حينما تتوهج الأشواق في نفسه الزكية ، ثم ما يحدث بعد ذلك الإستشراق وضَاح الُمحيا.. وهذا جلي في الآتي: تلعب الأشـواق بي رفقــاً انحنى شــوقاً فتوقفــني الثــم الزهـر بـلا وجل عطـرها الزاكي يلاطفني ومن هذا الخدر اللذيذ الذي أوقعنا فيه الشاعر " إبن عبود" نرتحل إلى العيون .. تلك العيون الشاردة المتوثبة الجريئة ، ارهفت المشاعر الدفينة ولعبت بالعقول العاشقة .. ليتجلى الهيام في حمرة الجبين خجلاً.. خبريني إذا الهيــام تجــلى وبدت حمــرة الجبيــن الخجول شفق في سـناء بدر تبـارى بين ليـل الدجى وشمس الأصيـل وشفاه على الثغـور تحـدَ ت حمرة الورد في روابي السهــول وثنــاياك لـؤلؤ بــبريق اسـرت لب عــاقل وجهــول انت حور من الجنان تهادت بين ليــل الهوى وعطر الخميل ليعود بعد هذا الوصف الاخاذ بجمال وروعة وسحر الحبيب الى الترجي ناشداً الوصال بموعد ووعد لتشرق الشمس من جديد، ولتزدهر الحقول والسنابل ، ليغني البلبل الصداح ويملأ الدنيا باللحن الجميل.. فارحمـي نـار لوعــتي وحنينـي واطفئيهـا بــموعد ووصـــال تُشـرق الشمـس في الحقول ويشدو بلـبل الروض بالغنــاء الجميـل وحملت الصفحة "22" من الديوان " أهوى حبيب" وفيها من الحنين والشوق واللوعة ما يجعل البرق يهفو من ناظريه – أو كما قال الشاعر- في مقطع القصيدة الأول" أهوى حبيبي وقد زادني شوقاً اليه "، والهوى في نفس " إبن عبود " عميقاً وصادقاً.. فهو يبوح للحبيب الغائب بلوعته وجنونه وشغفه للقاء المرتقب، بعد ان إبتلى بالفراق بعد حب ارتشف منه أشكالاً والواناً.. أهوى حــبيبي وقـد زادني شوقاًإليه وعشقت البرق يهفــو من ناضريه أهـوى حبيبي وقـد نالنـي وجداًعليه وعشقت الفجر يرنـو من حاجبيـه أهـوى حـبيبي وقلبي مأسـور لديه وما لمست الورد إلا زادني شوقاً اليه أهوى حبيبي وقد زادني لوعة وهياماً ونالني وجداً وعشقاً ولاعجاً وغراماً حتى يصل إلى... وبالفراق بلـيت وقد كان الذي كـان وقد سقيت من الحب أشكالاً وألـواناً وقد زخر الديوان بالكثير من الصفات الحميدة في قصائد منظومة باتقان، أُستخدمت فيها اللغة بكثافة لاتخطئها العين، وامتزجت فيه الأحرف لتشكل رسماً بديعاً يجعل النفس تواقة لنهل المزيد من الأبيات ، حتى نصل إلى رائعة "بن عبود" في "ربوع الرياض" والتي تجلى فيها شاعرنا وهو يصف موقفاً مرَ عليه في تلك العاصمة الصاخبة بالحركة والأضواء ، ليقف خاشعاً لقدرة الله سبحانه وتعالى في هذا الخلق البديع الذي صوره شاعرنا قائلاً.. سبحــان من زود حــلاك يامـن ملك روحـي هــواك متمكـن بقــلبي غـــلاك من يــوم شفتـك بالريـاض هذا الوصف السهل الممتنع الممعن في التركيز والإنتباه، جعل من قصيدة " في ربوع الرياض" أُنموذجاً حياً لمعايشة حقيقة مرت بقلب مرهف شفاف وهو يطل في إعجاب ونشوة الى ذلك الجمال الاخاذ الذي احضنته الرياض.. الله وهــبك احــلى الـدلال واعطـاك قمـة فـي الجمـال واوصـاف تتعـدى الخيــال شفتـهـا بلــيل الريــاض **** أنـا أحــمد الله عالـظروف اللي الـتقـت فيهـا الكـفوف من دون مــوعد يالهنـوف الله جمعنــا فـي الريــاض **** يـانجـد مـن جـودك نجود الجــود باحضـانـك ورود يــامرتع الــريم العنـود الـلي جــذبنـي للريـاض مـن حـب مثــلك مايـلام لاهـام فـي بحــر الغرام عيــنه يجـافيها المنــام لافـارق ربــوع الرياض الله أكــبر بالريــــاض يانــور سـاطع بالبياض دمعـي من الأعيــان فاض لا غــبت عنك يالرياض وهنا لايمكن مخاطبة الشاعر إلا عبر " صح لسانك " فالمشاعر الجياشة بحب الرياض واهل الرياض تبدو واضحة في التركيب المنهجي والتغلغل في بيئة استهوت الأفئدة واسرت القلوب ، وفي " سكن الليل" الكثير من الجوانب المغرية ، بل والمسيلة للعاب لتناولها تناولاًجاداً، ووضع ديوان مثل هذا تحت المنظار تجسيداً للمعاناة وتوثيقاً لطرح صادق بعيد عن الدهشة والرياء يجعل الحبيب في مأمن من غدر الزمان أو صد الآخر له وكلا الطرفين مشدودان – بأية حال – إلى مايعيد الصفاء والآمال بعد فرقة وخصام وعتاب. وفي "سكن الليل" تبدو اللغة الشعرية طاغية على الوصفة النثرية ، وقد لجأ شاعرنا "بن عبود" الى التنظيم اللغوي تهيئة للانغماس في عالم الوصف الابجدي او القافي ، وفي ذلكنفع كبير للمتلقي الذي يلهث وراء التنقيب والتشخيص بعكس الملمح في الحبكة القصصية او الكتابة النثرية، وكلاهما ماعون واحدتنصب بداخله كل صنوف وأشكال المهمة الابداعية واللغة التفعيلية المتعارف عليها بلغة " الضاد" وليس سواها. ونجد في معظم قصائد"سكن الليل" لـ "بن عبود" الواناً تتغير بتغير الزمان والمكان ، فيما يشبه رسم خاطرة شاردة مزخرفة بالعبثية اللا غفتراضية في تثبيت القواعد اللغوية أياصكان شكلها ، فصيحاً كان أم عامياً ، فلكل مقام مقال، ولكل لغة قاعدة ، ولكل قاعدة اسس غير متزامنة، والشعر الجاد مثل الجواد الأصيل لاعذر له ان كبا ، والمعادلة لاتتبدل بتغير الظروف والمناخ حتى وان جمحت في مثل هذا الحال الى مجاز لايبعد المؤلف عن قطر الدائرة ليصبح هدفاًفي حد ذاته بغير الكتابة او المشافهة . وأمر مفرح ونحن على أعتاب الألفية الثالثة ا، نكون محمومين بطيور تغرد داخل السرب برماحمسنونة متوثبة ترفع من شأن الكلمة لتسمو بها على ابراج عالية متوهجة تزيد طعم لغتنا الجميلة سحراً وبهاءً وترتقي بالحس العام بمنأى عن أخطاء بالغة الخطورة واتجاهات لامقر لها، ونحن نحتسي في غيبوبة الوان من التجارب والاطروحات المتداخلة نفوراً او قبولاً. وأخيراً وان مالت الكلمة- في أغلب الأحوال- الى الانحدار بالشكل الملحوظ في هذا العصر الاتصالاتي اللاهث لتنصب احرفها في مستنقع لاقرار له ، فإن "سكن الليل" قد أوقد الشمعة في تحد وعناد ، بوحي من الشاعر الرائع " بن عبود" لتمسي الرموز الهلامية واقعاً بعيداً عن الافراط في التمني بغيرحساب ، سيما وان "بن عبود" مازال حائراً بين المال والقوافي، تلك المضمخة بألوان العذاب والصدَ والتجافي. وفي "سكن الليل" تبقى مشاعر المنقب في بطون الكتب ومعاجمها – بحثاً عن المعلومة – متقدة حتى إشعار آخر ليغدو الاستيعاب السهل الممتنع أمراً ممكناً مستجابا . -------------------------------------- انتهى.
هناك نظرة تختصر الحياة،،،، وصوت يختصر المسافه،،،، وشخص يختصر الجميع
سكَنَ اللَّيلُ والأماني iiعِذاب وحنيني إلى الحبيبِ iiعَذاب كُلَّما داعبَ الكرَى جَفنَ iiعيني هزَّني الشَّوقُ وأضناني الغياب يا حبيبي هواكَ أضنى iiفؤادي وكأنَّ الجَوى بجسمي iiحِراب أضرمَ النَّارَ في الحنايا لهيباً مثلَ ليلٍ أضاءَ فيهِ iiشِهاب و أنا في ذُرَى الغرامِ iiغَريقٌ مِلأُ عيني دُجىً كساهُ iiالضَّباب أنا و الشَّوقُ في الغرامِ iiضحايا سرَقَ البُعدُ عُمرَنا و iiالغياب قدَرٌ نُهدرُ السِّنينَ iiسَهارَى ليلُنا غُربةٌ فكيفَ iiالمآب قدَرٌ نعشَقُ الصِّعابَ و iiنَمشي في طريقٍ به الشُّجاعُ iiيُهاب كيفَ ألقاكَ و الدُّروبُ iiشِراكٌ وعلى البابِ حاجِبٌ و iiحِجاب بيننا يا ضياءَ عيني iiبحورٌ يملأُ العينَ حرُّها والسَّراب ننشُّدُ الوَصلَ قد يكونُ iiقريبا هل على العاشقين ثَمَّ iiحِساب ربَّما نلتقي غداً و iiنغنِّي لحنَ حُبٍّ غِناؤهُ iiمستطاب و غداً تُنبِتُ الرِّياضُ iiزهوراً ويعودُ الهَوى لنا و iiالشَّباب كُلَّما طالَ بُعدُنا زِدتُّ قُرباً يجمعُ الحَرفُ بيننا iiوالخِطاب
قراءة وافية كافية شافية شكرا للموضوع القيم أيها الكريم
شكرا لكم وهذا الموضوع الجميل والتقديم الرائع
الجنة تحت أقدام الأمهات