على أطراف الاصابع
في آخر الأسبوع وبعد ما قضينا ستة أيام _ كالعادة _بين العمل والدراسة ، حان الوقت لنمنح الفكر والجسد قسطا من الراحة ، ونعيد حساباتنا التي بعثرت توازننا فأصبحنا نتحسس لأبسط الأمور،حتى أن نقاشنا كان يصل أحيانا إلى حد الخلاف ، وتحسبا للمشاكل التي نحن في غنى عنها قصدنا أنا وعائلتي الصغيرة بيتنا الكائن على شاطئ البحر والذي يبعد عن مدينتنا بضعة كليومترات ،وقد تم اختياره بعد تفكير عميق وبحث طويل ،حيث أنّنا كنّا بحاجة إلى مكان يبعد عن الضوضاء لننعم بالسكينة والهدوء، خاصة وأنّنا في أمسّ الحاجة إلى ذلك .
وبعد ساعة من الزمن وصلنا إلى المكان المقصود .أحسست بشيء روحاني يشدّني إليه ويهمس في أذني ....و أخيرا جئتِ.......
ارتعش جسمي وجحظت عيني و أنا أحدّق صوب العالم الأزرق الفسيح و أردّد :ما أ عظمك!.
أخذتني سعته وأمواجه وهي تعانق الصخور وترسم في ذاكرتي مشاهدا لا تنسى ، بينما موسيقاها السحرية تخترق مسمعي وتضرب موعدا مع التيه فنسيت الزمان والمكان وانفصلت عن المحيط .وكيف لا وهولؤلؤة من لآلئ الطبيعة ،زرقته من زرقة السماء،إنّه البحر الذي هام في عشقه الكثرون ورأينا في عظمته عظمة الخالق.وبمجرد رؤيته تمحّي الذكريات ليتربع على عرش قلوبنا فننسلخ عن عالمنا لنجدنا انغمسنا في مياهه الصافية فكان كالمرايا السحرية التي عكست صورنا فتهنا أيّنا حقيقة وعشنا تباشير حياة جديد لا وجود لليأس والضعف فيها.
تعالت الأصوات حتى أنّي لم أتمكن من معرفة مصدرها ..ازدادت حدة وقوة، فاستعدتُ انتباهي لمن حولي ، استدرت و إذا بزوجي يشير إلي والغضب باد على محيّاه .لا أظنّه سيغفر لي تصرفي غير المسؤول.
فتذكرت حينها أنّي نسيته بينما كان ينبغي عليّ مساعدته في إخراج الأغراض من السيارة ووضعها في المكان المناسب.
اتجهت نحوه غير مبالية بصراخه حتى لا أفتح بابا أغلقناه ساعة قرّرنا فتح صفحة جديدة.
ودون أن أطلب منه الصفح أسرعت إلى المطبخ و أحضرت له فنجان قهوة ورسمت على وجهي ابتسامة ،فرأيته يبتسم ابتسامة عريضة وهو يقول لي ما أروعك. أيتها المجنونة!......
كل هذا وفكري معلّق هناك ، حاولت أن أنساه و أبعد هواجس ذكراه ، فما أجدني إلاّ و أنا أفكّر في لقائه مرة ثانية ،أغمض عيني فلا أرى سواه.. أغلق أذني فلا أسمع صوتا غيرصوته ،ليتهم يتركوني وشأني لأسعد بلقائه من جديد .وأمتّع بصري وبصيرتي بجماله ،و أطفئ نيران شوق باتت تغزو جوارحي كلّما ذكر اسمه امامي.فأخفي تجهمي احتراما لهذا الشخص الذي فعل الكثير لإسعادي و أبتسم من جديد.
انتظرت حتى نام الجميع ،تسللت من فراشي خوف إيقاظ زوجي وأنا أمشي على أطراف أصابعي ، وما إن تركت الباب خلفي تجرّدت من مخاوفي و من كل القيودالتي تربطني بهذا العالم ،و أحسست وكأنّني أولد من جديد ، فأسرعت نحوه حافية القدمين، يحملني إليه شوقي الكبير.. عانقته بحرارة لم أفق من دفئها إلاّ وأنا أرتعش بردا ، بينما ثيابي تقطّر ماءاً .
بقلم ليلى بن صافي
على أطراف لهفتي أدخل النص كي لا أحدث ضجة
عليّ أن أستعد للمفاجأة التي أعدتها الكاتبة كما هي عادتها في نهاية كل قصة . فأنا لا أعلم ماذا ينتظرني هناك عند خط النهاية ؛ دبور .. سحلية أم أفعى .
لكن المفاجأة التي أثارت دهشتي كانت مبكرة ومختلفة هذه المرة وقد ظننت لوهلة أن هذا النص لا ينتمي لذلك النوع الذي وضعته الساردة في سلسلة حكاياها المستوحاة من الطبيعة ذلك لأنها أدخلتنا منذ البداية في خلاف عائلي يحتد ويهدأ كما يحدث في واقعنا الذي نعرفه حق المعرفة ولم يخطر لي أن الكاتبة لعبت في هذا النص لعبة أشد التواءا ومكرا من سابقاتها حيث أنها وضعتنا في إطار اجتماعي ثم أوهمتنا بأن هناك حدثا سوف يحدث ضجة .. وكنا نترقب بحذر لحظة اللقاء الذي لم يعلن عنه إلا في آخر سطر كما جرت العادة بينما الحدث المرتقب انساب بشاعرية ورقّة منذ لحظة خروجها من البيت على أطراف أصابعها وحتى خروجها من البحر مبتلة الثياب ترتعش من شدة البرد والبهجة .
المبدعة الجميلة ليلى أمين
استمتعت جدا بقراءة هذا النص الذي وجدت فيه تطورا ونقلة وهو من أجمل قصص الطبيعة التي تبرعين فيها
لك تقديري الكبير أيتها الغالية ومحبتي