الشعر أولاً وآخراً موهبة ونعمة من الله سبحانه وتعالى، تكمن في الجينات وتولد مع صاحبها ( الشاعر )، وبرأيي الشعر لا يُعلَّم ، فالأساس الموهبة، إن وجدت ولو كانت كامنة ومتوارية حتى عن صاحبها فبوسع الشاعر المحترف أن ينمّيها له ويطوّرها لتصبح حالة شاعرية حقيقية مكتملة، وإن لم تكن الموهبة حاضرة فحتى لو تم تعليم المتلقي دروساً في العروض والبلاغة وأسس الشعر... الخ فلن تكون روح الشعر حاضرة مهما اجتهد. باختصار الشعر موهبة ربانية يؤتيها الله من يشاء، كما هي موهبة الرسم والغناء والنحت والرقص وأي فن أو حالة إبداعية، فالشاعر الحقيقي يُخلَق شاعراً أي شاعريته كامنة فيه، ولاحقاً تتجلى في كل تصرفاته وليس فقط كتاباته، فهو شاعر في ابتسامته ونظرته ومشيته وأسلوب تعبيره قولاً أو كتابة، هو يحسّ بالأشياء إحساساً فريداً يميزه عما سواه، ليس لأنه أفضل، لكن لأن الله وهبه ما لم يهب غيره، فليس بالضرورة أن يكون مبدعٌ كعبد الحليم مثلاً أفضل من (فلان) من الناس، لكن بالتأكيد صوت عبد الحليم أفضل من صوته. هذه هبة من الله لا شأن له إلا بتنميتها وتطويرها فقط، وربّ شاعرية بقية حبيسة أو ماتت مع صاحبها دون أن ترى النور بشكل مكتمل كتابياً ولأكثر من سبب، لكنها تتجلى بصور أخرى في سلوكه وتصرفاته كما أسلفت.
وبتأكيدي على خصوصية الشاعر بالطبع لا أقصد انتقاصاً من آل النثر وأنا منهم ـــ وإن كنت أعرف نفسي بأني شاعر ومتعصب للشعر بجناحيه ( العمودي والتفعيلة ) ــــ لكن ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو ما ألاحظه في الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل عموماً من تسمية كثير من كتاب النثر أو أنصاف الكتاب وأرباعهم بــ ( شاعر ) أو ( شاعرة ) بينما هم في الحقيقة لا يجيدون حتى كتابة النثر فضلاً إدراكهم كُنه الشعر. ( يعني أنا كيف ما التفتت بهالفضاء الرحب ما بشوف إلا الشاعر .. الشاعر .. الشاعر .. ، الشاعرة .. الشاعرة .. الشاعرة .. الشاعرة ) ونسبة الشعراء الحقيقيين منهم لا تتجاوز العشرة بالمئة صدقاً، وللملاحظة أنا أعتبر نفسي من نسل نزار الشعري والروحي وأقدّس حواء وأنحاز إليها ضد الرجل وأراها الأسمى دائما، ولكن للشعر قداسته عندي ولا مجاملة فيه البتة والتعدي عليه مؤلم ومرفوض تماماً.
إنني ألوم من يلقون عباءة الشعر على أكتاف من لا يستحقها أكثر من لومي لمن يقبل ارتداءها وهو على يقين أنها فضفاضة عليه، وحتى لا أُفهم خطأ فهذا ليس انتقاصاً من كتاب النثر مطلقاً ، فالإبداع لا يقتصر على الشعر، أنا مثلاً أفضل نحّاتاً أو رسّاماً أو فناناً مبدعاً مجيداً على مدعٍ صفة الشاعرية ويكتب ما يسميه هو أو حتى المصفقون له شعراً وهو في حقيقته مجرد رصف كلمات باردة عقيمة شاحبة القلب والوجه. الإبداع أنواع ، وتجلياته كثيرة ، ولكن مع الأسف نلحظ تهافتاً على نيل صفة ( شاعر/ة ) ولو زوراً وبهتاناً في زمن بات فيه الشعر كأرض المشاع.
وخلاصة القول النثر : إنَّ حالة إبداعية راقية، ومن يكتبه بحرفية وإتقان لا يقل شأناً عن الشاعر الحق ( قلت من يكتبه بحرفية وإتقان وليس أي كلام ) لكن مع هذا فهو في النهاية هو ليس شاعراً ، هذا ما يجب توضيحه بلا مواربة، فبرأيي كاتب نثر جيد أفضل من ناظم شعر بليد بارد، والشعر برأيي أرقى من تعريف عرَّفه به القدماء بأنه كلام موزون مقفى .. فهذا تعريف قاصر، وهو ينطبق على النظم المقيت الخاوي، إنما الشعر كما أراه هو إحساس وخيال وصور وتحليق ومجاز أي فيه روح حيّة متدفقة ولكن كل ذلك في قالب عروضي وبموسيقا راقية.
ح س ن ز ك ر ي ا ا ل ي و س ف
إنستغرام hasan_zakaria_alyousef
بلى أديبنا الكريم...
أنتنم محقون في كل ما جاء به هذا المقال الجميل
وقد وضعتم الإصبع على مكمن الألم حقا!
فلابد أن يطال مدار الرداءة التحركات الأديبة ومن أبرزها الشعر
أسوة بكل شيء مسته الرداءة والتطفل في وقتنا الحاضر وحياتنا المعاصرة الرديئة هذه
وعليه، كان تكاثر من يدعون بالشعراء وبائيا، خصوصا مع ظاهرة العولمة التكنولوجية السائدة
وفداحة ما تغطيه هذه السحابة الظلماء من عيوب وشرور تندرج تحت ظلالها الخبيثة
مرورا بالمحطات الفضائية طبعا، والتي بات همها ادعاء الشرعية لكل ما أصله بغاء صرف!
حتى بات الفسق والمنكر هو الدارج المعتاد، وغيره هو الغريب الملفوظ...!
على كل حال...
"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" صدق الله العلي العظيم
شكرا لكم المقال الهام
دمتم بخير وسلام