لم يتدخل أبي ولاحتى أمي ولاحتى أخوتي الذين يكبرونني في تسميتي ..
وتدخلت عمتي وسمتني بهذا الإسم
وكنت أتمنى أن يكون اسمي سعاد أو سلمى أو حنان وليته كان أي اسم على وزن " افتعال " أو " انفعال " لربما عشت ربما في سلام ولو كان انفجار أو انتحار أوانهيار فضلاً عن غيرها من انتماء واحتواء واعتزاز و افتخار.......
ولكن ..
جئت إلى الدنيا بهذا الإسم كي أحظى بالمزيد من الغليان .
قبل العيد اشترت لي أمي فستاناً وخبأتْهُ لي منذ أيام , دون علمي
حتى جاء صباح العيد أخرجته لي وألبستني إياه ..تفاجأت به كم كان جميلاً جداً
كان أبيضاً مع قبعة بيضاء ..
وكلما رأيت صورته الآن وأنا أرتديه أتذكر أن العيد حقاً ليس باللبس الجديد ولو كان جميلاً مادامت أيام العيد هذه تمرّ عليّ كأتعس الأيام بينما الذي امتص رحيقي انتحر في نفسي قبل أن ألقاه .
يرحم الله أخي وشقيقي وحبيبي " عبدالله " الذي تحمّل مسؤولية تعليمي أنا وأخوتي الذين يصغروني ..
كان يصعد بي ظهر كل يوم إلى سطح منزلنا ومعي كل كتبي الدراسية يحل معي واجباتي ويحفظني ويسمع لي ويشرح لي الدروس الجديدة ..
كم كنت آنذاك أكرهه , لأنه يعنفني كثيراً ويسخر مني
كنت أفرغ شحنة غضبي منه بيني وبين نفسي بالبكاء والصراخ وتخيل أنه أمامي فأسبه واشتمه
وبعدما كبرت عرفت فضله وغبائي
ولما مات أمامي بين يديّ ونفسه تحشرج خشيت أن ألقنه الشهادة كي لا " أفاول " عليه بالموت , وليتني فعلت , لأنه كان ينازع فعلاً ..
ألافليرحمك الله يا أخي الحبيب
لن أنساك أبداً
كم كنت ودوداً معي عندما وصلت المرحلة الثانوية والجامعية
وكم كنت رحيماً جداً رغم عصبيتك
تمزح معي ونتحدث معاً طويلاً وتوصلني إلى أي مكان أريده في صبر وحلم كبير وعجيب ..
سأذكرك حبيبي حتى ألقاك في جنان الجنة بعيداً عن شقاء الدنيا الذي ذقتَه منذ أن كنت صغيراً وهأنذا أذوقه بعدك .
لا أنسى قلماً ساخناً تلقيته من معلمة لغة عربية لي في المرحلة الثانوية
لازلت أذكر أثر حريقة في خدي حتى كاد أن يتمزق من الإحمرار وشدة الألم
ولازلت قبل ذلك أذكر دهشتي وصدمتي من فعلها ذلك , ومن ثم صراخي الشديد في زوايا المدرسة ثم وضعي ومحاولة التخفيف عني في حجرة الإرشاد الطلابي فترة طويلة
وكل ذلك لأنني فقط سألتها في الطريق وبكل وداعة وحياء وخجل :
ماهي المادة التي نحضرها غداً يا أبلى ؟!
إذ لم يكن لها جدول منتظم نسير عليه , فنضطر لسؤالها يومياً عن ذلك !!
ولم أتلقَ منها آنذاك جواباً ولم تنبس ببنت شفة غير ذلك القلم الساخن الذي أنساني نفسي وأنساني الدنيا مع العلم أنني كنت الأولى على الصف !
...
ثم عرفتُ من بعد أنها كانت مريضة نفسياً ووافق تلك الساعة اشتداد المرض عليها فصفعتني دون شعور لأنها كانت في وادٍ آخر بعيد جداً عن جو المدرسة حتى إنها لم تكن تنظر إليّ عندما صفعتني أبداً ..
كانت غائبة عن وعيها تماماً وتسير في طرقات المدرسة دون شعور !
ولما انكشف أمرها نقلتْ من المدرسة بالكلية , وتخرجت أنا من الثانوية بعقدة نفسية هي الخوف والفزع من كل صوت عالي والقفز بشدة من أي صوت أو حركة مباغتة !
...
لم أزل أذكر هذا الموقف وكلما تذكرته قفزت هي إلى ذهني ورجوت لها الشفاء من كل قلبي وألوم نفسي على ردة فعلي العنيفة تجاهها آنذاك ..!
فماقيمة المرء إذا فقد وعيه أو فقد صحته النفسية ؟؟!!
ألافليجزاها الله عني خير الجزاء على ماعلمته لنا , وليرفع الله درجتها بمصابها في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
ألارحمة الله عليك ياوالدي الحبيب وجمعني الله بك في أعلى عليين
كلما صحوت بالليل وجدته أمامي يصلي ويصلي ويصلي بينما أنتظره لأسلم عليه فمايفرغ إلا قبيل الفجر بقليل جدا
كان يحب التفاح جداً وكنت أكرهه , لأنه يرتبط في ذهني باللحم الأحمر وأنا نباتية
فأحضر له واحدة وأقطعها قطعاً رقييييييقة جداً حتى يستطيع تناولها بالملعقة فيحمد لي صنيعي هذا البسيط جداً كل ليلة ويظل يدعو لي كثيراً كلما فقط لمحني ماره من عنده .
كم افتقد مجلسك !
وأفتقد دعواتك التي تغرقني بها طوال الليل والنهار !
وافتقد التفاح لأقطعه لك وحدك أنت فقط !
وأفتقد قلبك الذي أحب !
وكم أشتاق لمصافحة كفك الرقيقة الناعمة واشتمام عطرك وعطر مسبحتك ومذياعك وسجادتك ومكانك !
وكم أحن لمسح عينيك وتشذيب حواجبك بعد الوضوء !
فدىً لعينيكَ أنا وفدىً لروحكَ لولا الردى ياحبيبي
اللهم بلغه السلام عني كل ليلة واسكنه الفردوس الأعلى
ألا من كان أباه حيّاً فليبره قبل أن يحرم منه للأبد .
صعدنا مرة أنا وأختي الأصغر إلى سطح المنزل عصراً لنبدأ مشوارنا الطويل كالعادة في اللعب بالدمى الكثيرة التي صنعنا لها منزلاً واسعاً على مساحة كبيرة من السطح ..
يااااااااه كم كان كبيراً وجميلاً وكم كنا ندلل " عرائسنا " بخياطة الكثير من الملالبس لها ..
تقريبا كانت 17 دمية " عرائس "
وفجأة وجدنا حادثاً مروعاً
لقد تفحمت كل تلك الدمى على بكرة أبيها !
وكان المكان كله خراباً ودماراً ورمادا !
والسبب هو شقيقنا الأصغر منا سناً أحرقها كلها بالكبريت شقاوة وعبثاً
وليته اكتفى بذلك
مزق لي " الأُتوجراف " الذي ضم كل ذكريات صديقاتي في المرحلة المتوسطة !
بكينا كثيراً , ولعناه كثيراً
لكن لاشىء يعوضنا عن كل تلك الدمى وتلك المتعة التي كنا نعيشها أنا وأختي معها !
وحتى الآن كلما سألناه عن السبب لانجد جواباً شافياً
ألا ما أجمل أيام الطفولة
ما أجملها !
ولم أزل أحن للعب بالدمى !
مساؤكم ورد وألق
الحمد لله على الحياة , وعلى عودتي إليكم
ساعات عصيبة عشتها البارحة على الطريق بين مكة وجدة مع تلك الأمطار الشديدة وعدم وضوح الرؤية متوقعة أن يباغتنا السيل يميناً أو شمالاً فأصبح أنا ومن معي في ( خبركان)
....
كنت أنظر إلى كل ماحولي نظرة الوداع
استرجعت ذكرياتي الماضية
تذكرت وجه أمي
وآمنت بالقضاء والقدر على ألا يكف لساني عن اللهج بذكر الله
فإن مت كانت شهادة بالغرق ..
ولكن لم أكن بعد حققت ما أبتغيه من الدنيا !
ثم رجعت إلى نفسي وقلت لعل الله هيأ لي كل شىء هناك مما أريده فهو أحب إليّ من الدنيا ومافيها , وهو أحن عليّ منها ..
ولم أكف عن التخيل والتفكير فيما وراء كل هذا وأثناء هذا
دوامة عاصفة , وإعصار قاتل من التخيلات هزّ تفكيري وزلزني في كل إتجاه حتى مالايخطر لي على بال
....
على كل حال لكل أجل كتاب !
وحمداً لله أنني بينكم ..
ومساؤكم نور وسلام
/
/
/
6/12/1430هـ
10.30 صباحاً
التوقيع
ما أطيب الدّنيا إذا رفرفتَ ياشعرُ
تسري بكَ الأشياءُ من عيدٍ إلى عيدِ
الموتُ فيكَ فضيلةٌ تحيا إلى الأبدِ
والعشقُ فيكَ روايةٌ مبرودةُ الجيدِ !
/
عطاف سالم
كان لدينا ضمن النصوص المدرسة المقرر حفظها
نشيد ( طلع البدر علينا ) في الصف الثالث الإبتدائي أو الثاني ..
وأعجبت الأستاذة بصوتي
فطلبت مني أن أنشدها في وقت الفسحة في الإذاعة المدرسية
ولما رن جرس الفسحة , أخذت ( السندويش ) وصعدت إلى سطح المدرسة وكان هو ساحتها في الصباح وفي الفسحة , وكانت غرفة الإذاعة في قاعة سفلية ولما أردت أن أنزل منعوني طالبات النظام وكن يكبرنني بثلاث أو أربع سنوات ..
وفي اليوم الثاني طلبت مني الأستاذة نفس الطلب وأكدت لي عدم النسيان , ولكن رن الجرس وللمرة الثانية آخذ معي سندويشي وأصعد ويمنع إنزالي !
وفي اليوم الثالث تكرر نفس الحدث والموقف !!!
فيئست مني المُدرّسة وتركتني في حال سبيلي , ولم تكلمني في الموضوع أبداً بعد ذلك
أما أنا فقد بقيت حزينة وبالكاد تسريت وتسليت ونسيت !!
لأنني أحب الإذاعة , وقبل سنة كنت مشرفة الإذاعة المدرسية في عملي غير أني قد مللتها حالياً ..
لكني لم أزل أمارس هواية النشيد في ساعات فراغي , لأن هناك من أوهمني أن صوتي جميلاً !
وهذا مقطع من نشيد عن مصعب بن عمير لطالما أردده كثيراً بيني وبين نفسي :
هوّن عليك يافتى
لو أن من أردتها تقيم في القمر
لو أن دارها بعيدة
عصية السفر
أو أنها تقيم في جناح طائر
أو بين أنفس الدرر
لأتت إليك إن أردت
دون لمحة البصر !
/
/
18 / 7 / 1431هـ
س.3.17م
التوقيع
ما أطيب الدّنيا إذا رفرفتَ ياشعرُ
تسري بكَ الأشياءُ من عيدٍ إلى عيدِ
الموتُ فيكَ فضيلةٌ تحيا إلى الأبدِ
والعشقُ فيكَ روايةٌ مبرودةُ الجيدِ !
/
عطاف سالم