أسألت من نبذوك
فؤاد بليبل
(1911 - 1941 م)
فؤاد بن الشيخ عبد اللـه بليبل.
وهو أديب وشاعر، أصلـه من بلدة بكفيا بجبل لبنان. ولد بكوم حمادة بمديرية البحيرة بمصر. التحق بكلية الآباء اليسوعيين في بيروت, ثم بمدرسة الفرير للغة العربية, بعدها عمل بالتجارة مع والده، ثم عمل مدرساً للغة العربية والترجمة بكلية (سان مارك) بالإسكندرية, ثم التحق بجريدة الأهرام.
أَسَأَلتِ مَن نَبَذوكِ نَبذَ المُنكَرِ = كَم بَينَهُم مِن فاجِرٍ مُتَسَتِّرِ
الخَيِّرونَ وَهُم أَشَرُّ بَني الوَرى = الأَبرِياءُ وَلَيسَ فيهِم مِن بَري
الصائِمونَ المُفطِرونَ عَلى الدِما = الظامِئونَ إِلى النَجيعِ الأَحمَرِ
الحانِثونَ بِكُلِّ عَهدٍ مُبرَمٍ = العابِثونَ بِكُلِّ ذاتِ تَخَفُّرِ
المُصلِحونَ وَلَيسَ فيهِم مُصلِحٌ = الطاهِرونَ وَأَيُّهُم لَم يَفجُرِ
الرائِحونَ المُغتَدونَ عَلى الخَنا = في مَعشَرٍ قُبحاً لَهُم مِن مَعشَرِ
القائِلونَ بِغَيرِ ما قَد أَضمَروا = مِن مُعلَنٍ أَو أَعلَنوا مِن مُضمَرِ
يَتَمَرَّغونَ عَلى القَذارَةِ وَالقَذى = وَيُحَدِّثونَكَ عَن صَفاءِ الكَوثَرِ
مِن كُلِّ عادٍ في مَلابِسِ عادِلٍ = أَو ثَعلَبٍ يُزهى بِلُبدَةِ حَيدَرِ
أَو كافِرٍ مُتَعَبِّدٍ أَو فاسِقٍ = مُتَعَفِّفٍ أَو صاغِرٍ مُتَكَبِّرِ
جِيَفٌ إِذا نَزَتِ الـهُمومُ فَهَمُّها = حَشوُ البُطونِ وَكَسرُ كُلِّ مُجَبَّرِ
وَلَرُبَّ عاهِرَةٍ أَعَفُّ شَمائِلاً = مِن كُلِّ عِربيدٍ تَقِيِّ المَظهَرِ
نَصَبوا الرِياءَ عَلى خُطاكِ حَبائِلاً = أَعماكِ بارِقُهُ فَلَم تَستَبصِري
أَغراكِ ما أَغرى الفَراشَةَ بِاللَظى = فَقَضَت ضَحِيَّةَ جَمرِهِ المُتَسَعِّرِ
لَم تَبلُغي بَعضَ الرَجاءِ وَإِنَّما = أَلحَمتِ عِرضَكِ كُلّ وَغدٍ مُفتَرِ
حَتّى إِذا تَمَّ اِختِبارُكِ لِلوَرى = وَسَلَختِ في الماخورِ بِضعَةَ أَشهُرِ
وَسَبَرتِ أَغوارَ الحَياةِ نَعيمها = وَجَحيمها وَكَشَفتِ كُلَّ مُسَتَّرِ
وَخَبرتِ أَخلاقَ الرِجالِ جَميعِهِم =وَبَلَوتِهِم فَرَأَيتِ كُلَّ مُحَيّرِ
وَعَجَمتِ عودَ خِلالِهِم فَوَجدتِهِ = عوداً خَسيسَ النَبتِ هَشَّ المَكسَرِ
أَلفَيتِ أَوفاهُم بِعَهدِكِ غادِراً = وَرَأَيتِ ذا الإِقدامِ أَوَّلَ مُدبِرِ
وَلَمَستِ بُهتانَ الغَنِيِّ وَمَكرهُ = وَشَهِدتِ عُدوانَ الفَقيرِ المُعسِرِ
وَبَلَوتِ أَلوانَ المَذَلَّةِ وَالضَنى = وَعَلِمتِ أَنَّكِ في ظَلامٍ مُعكِرِ
فَهَمَمتِ أَن تَدَعي الغُرورَ وَتَرعَوي = عَن نَهجِ ذاكَ المَسلَكِ المُتَوَعِّرِ
وَأَبَت نَواميسُ الحَياةِ وَشَرعها = أَن تَستَردّي ما فَقَدتِ وَتَطهُري
لَم يُجدِكِ الدَمعُ الصَبيبُ شَفاعَةً = فَخُذي بِأَسبابِ التَجَمُّلِ أَو ذَري
فَلَئِن نَدِمتِ فَلَن يُصَدِّقَكِ اِمرُؤٌ = وَلَئِن شَكَوتِ فَلاتَ حينَ تَذَمُّرِ
وَلَئِن رَجَعتِ إِلى التَعَفُّفِ وَالتُقى = لَم تَأمَني عَبَثَ السَفيهِ المُمتَري
وَلَئِن طَرَحتِ الإِثمَ مُنكِرَةً لَهُ = لَم تَلبَثي وَاللَهِ حَتّى تُنكَري
إِنَّ الأُلى أَنحَوا عَلَيكِ بِلَومِهِم = هُم أَكرَهوكِ عَلى اِحتِرافِ المُنكَرِ
وَلَقَد أَرادوا أَن تَكوني دُميَةً = يَلـهو بِها كُلُّ اِمرِئٍ مُستَهتِرِ
زَعَموكِ فاجِرَةً وَلَولا فِسقُهُم =لظَلَلتِ طاهِرَةً وَلَم تَتَدَهوَري
وَدَعَوكِ بائِعَةَ الأَثيمِ مِنَ الـهَوى = كَذَبوا فَإِنَّ الذَنبَ ذَنبُ المُشتَري
لَم يَغفِروا لَكِ ما جَنَيتِ وَإِنَّما = غَفَروا لِهاتِكِ عِرضِكِ المُتَدَعِّرِ
رَأَفوا بِمَن هَدَروا دِماكِ فَما لَهُم = لا يَرأَفونَ بِدَمعِكِ المُتَحَدِّرِ
وَتَبادَلوا رَشقَ القَتيلِ بِلَومِهِم = وَتَجاوَزوا عَن جُرمِ قاتِلِهِ الزَري
ما بالُهُم قَد عَيَّروكِ دَعارَةً = لَو أَنصَفوا لَفَقَدتِ كُلَّ مُعَيّرِ
هَبكِ اِنزَلَقتِ أَلَم يَكُن في وسعِهِم = أَن يُنقِذوكِ مِنَ الـهَلاكِ الأَكبَرِ
لَكِنَّهُم نَبَذوكِ مِن أَوساطهِم = نَبذَ النَواةِ عَلى الطَريقِ المُقفِرِ
يا وَردَةً عَصَفَ الذُبولُ بِعِطرِها = لا خَيرَ في الرَيحانِ غَيرَ مُعَطَّرِ
وَالغُصنُ يُعشَقُ في الخَمائِلِ مُزهِراً = وَتَمَلُّ مِنهُ النَفسُ إِن لَم يُزهِرِ
وَالناسُ يَهوَونَ الجَمالَ مُجَسَّداً = وَأُحِبُّهُ روحاً كَريمَ المَحسَرِ
عَرَضٌ بِهِ نَعِمَ الغُواةُ وَلَم يَطِب = لِلشاعِرِ الفَنّانِ غَيرُ الجَوهَرِ
أَنا لَستُ أَعجَبُ مِن فُجورِكِ حائِراً = إِنّي لأَعجَبُ مِنكِ إِن لَم تَفجُري
فَتَّشتُ عَن مُترَفِّقٍ بِكِ لَم أَجِد = غَيرَ الحَقودِ الشانِئِ المُتَهَوِّرِ
لَيتَ الَّذينَ عَلى اِضطِهادِكِ أَجمَعوا = قَبِلوا الدُموعَ شَفاعَةً لِمُكَفِّرِ
هُم أَرغَموكِ عَلى الفُجورِ وَما اِهتَدَوا = يَوماً إِلى إِصلاحِكِ المُتَعَذِّرِ
وَقَسَوا عَلَيكِ وَما قَسَوتِ وَرُبَّما = أَجدى التَرَفُّقُ بِالمُسيءِ المُجتَري
لَم يُنصِفوكِ بِنَبذِهِم إِيّاكِ بَل = ظَلَموكِ فَاِنتَقِمي لِنَفسِكِ وَاِثأَري
قَد حاوَلوا بِالنارِ إِخمادَ اللَظى = أَتُراهُمو ضَلّوا سَبيلَ الأَنهُرِ
أَوزارَةَ الإِصلاحِ تِلكَ ضَحِيَّةٌ = إِن تَشمَليها بِالعِنايَةِ تُؤجَري
لي فيكِ آمالٌ تُداعِبُ خاطِري = وَرَجاءُ مُرتَقِبٍ لَها مُستَبشِرِ
وَلَرُبَّ عاهِرَةٍ إِذا ما أُصلِحَت = كانَت أَعَفَّ مِن العَفافِ الأَطهَرِ
لا تَترُكيها لِلصَروفِ وَشَأنَها = فَلأَنتِ أَنتِ رَجاؤُها فَتَدَبَّري