الجو ممطِر وشديد البرودة ، يوم من أيام كانون، وكنتُ محشوة بكم هائلٍ من الملابس، وبالرغم من ذلك كنت أحس بشدة البرد. في طريق عودتي للمنزل ، كرهت بصراحة أن أركب السيارة لاني أحب المشي في مثل هذا الجو الجميل المملوء بالرومانسية والإبداع .
الطريق يَكاد يكون خالياً من المركبات .. مرَرت بجوار النهر، كان شديد الجمال في ذلك الوقت،فالقطرة من المطر تهبط على صفحاته، وتكون موجات تتداخل مع بعضِها في شكل هندسي جميل، لم أشعر بنفسي إلاّ وأنا جنب طفل نحيل لو لم أنظر تحت قدمي لتعثرت به من شدة نحافة جسده المرتجف من الخوف والبرد والجوع . سألته ماذا تفعل هنا وفي هذا الوقت وبرودة الجو؟
كان هذا نداءً داخليا في نفسي لهذا الصبي الذي تجاوز العاشرة من عمره بقليل ، يجلس في هذا المكان، والأعجب من ذلك أنه كان يلبس قميصاً يكاد يستر جسده الذي يرتعد من شدة البرد،وبجانبه بعضُ علب العلكة ، فلما رآني واقفة أمامه مدّ يده المرتجفة بعلبة العلكة بدون أن ينطق بحرف واحد .
فَهمت هذه الكلمة بصعوبة من خلال مقاطع متجهمة من وجهه الصغير، واضطرابات جمة متلاحقة من أسنانه المرتعدة من شدة البرد، وهنا انحنيت وأمسكت بعلبة العلكة وأعطيته ثمنها ـ تبادر إلى ذهني هذا التفاوت الرهيب بين هذا الطفل ومن هم في سنه ينعمون بالدفء في كل مكان يرتادونه ـ انصرف مسرعا وتابعت سيري وأنا أردد في نفسي (معك حق يا أبا الحسن )
علي بن أبي طالب لو تمثل لي الفقر رجلا لقتله
بقلمي أنا هيام صبحي نجار
التوقيع
وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شي... يسرك في القيامة أن تراه