الشــرفة المقــابلة
بقلم : سفانة بنت ابن الشاطئ
فكرة: الأديب والشاعر والناقد بيروك محمد نعمة
زاوية شاعرية تجاورها نافذة تطل على حديقة تتناغم فيها الألوان كسمفونية شاعرية ، سنابل الشمس تتسلل برقة تغطي أجزاءا من وجهها الهادئ وهي ترتشف فنجان قهوة على أنغام فيروزية في جلستها الصباحية الإعتيادية .
اخترق صوت فيروز رنين جوالها تناولته برقة، تأملت شاشته ، لم يرتسم على صفحتها رقم المتصل، ترددت لكنها ضغطت على زر الاستقبال وفضول جامح يراودها عن هوية المتحدث . التقطت أُذنها صوتا غريبا يتفوه بجمل متقطعة، مبهمة ,, في قالب مريب {هكذا تراءى لها للوهلة الأولى} ، برزت عيناها ، وزاغ بصرها ، تمددت مسامات وجهها ، اختلطت المعاني وتناطحت المفردات ببعضها ، لملمت صوتها المتبعثر في قعر الذهول وصرخت ملء حنجرتها فخرج مبحوحا، وحروفها متلعثمة : "من أنت ,, من تريد ... ؟" ولم تكد تنهي آخرالحروف حتى اخترق صوت الطنين صرخاتها .
ضغطت على الهاتف بكل قوة كفيها، تذكرت أنها تلقت مكالمة مماثلة منذ أسبوع ..!! فانتصبت واقفة ، لكن قدماها لم تسعفاها على السير ، جلست مرة أخرى وأصدرت تنهيدة عميقة وخائفة ، دقات قلبها سابقت عقرب الثواني مما أفقدها الإحساس بكل ما حولها خطت بنظراتها نحو النافذة ، فوقع بصرها على جار لها في البناء المقابل وهو يتأملها ، تفحصت نظراته بوجوم اختصرت المسافة بينهما ، وطفت على السطح أفكار كانت شاردة في عمق اللا وعي منذ دقائق ، شعور غريب بدأ يحاصرها ، وانتابتها رعشة تسربت إلى جسدها معبأة بأمواج الشك ،سرعان ما توازنت وأقنعت نفسها أن خطأ ما حصل وأن المكالمة لا تخصها و أكملت يومها على إيقاعه المرسوم إلا من بعض التشويش الذي تسلل إلى فكرها أحيانا .
إلى أن استقبلت مكالمة أخرى بعد يومين ، وفي نفس الموعد ، تأكدت من خلالها أنَّ المتصل يستهدفها ، كانت كلماته تتأرجح بين الوقاحة والتهديد ومعرفته لوحدتها وتفاصيل أخرى عن حياتها .
ابتلعت الكلمات التي اختنقت في حلقها ، و تيبست معالم وجهها ، عمَّ الصَّمت الموحش المكان إلاَّ من دقات قلبها وأنفاسها اللاهثة خلف هوية المتصل ودوافعه ، نقَّلت نظراتها بسرعة الى الشرفة المقابلة ، كان ذات الشخص واقفا على الشرفة قرأت في عينيه نظرات الفضول ، وقرأت في عقلها أفكارا تثبت شكوكها .
تتالت المكالمات المشبوهة ، واستمرت هي بمراقبة الشرفة وذات الشخص ، صادف يوما أن استل جارها هاتفه وماكاد يتحدث حتى صدح رنين جوالها ، شتت تركيزها المُنْصَب نحوه يؤكد شكوكها أكثر وأكثر .
أسرعت كالبرق لأقرب قسم شرطة ، قدمت فيه بلاغا ، وخرجت تتنفس الصعداء ، أخيرا انتهى الكابوس الذي عكر صفاء حياتها لأيام .
تغيرت هذه المشاعرعندما شاهدت رجال الشرطة يأخذونه للتحقيق، تفاوتت حينها مشاعرها بين الفرحة والحزن ، بعد أن توقف عمدا للحظات ونظر إليها بغرابة قبل صعوده السيارة ،أربكتها وشوشة أفكارها أكثر، واحتارت في تفسير مضمونها ، فقد كانت نظراته محملة بالكثير من اللوم والعتب ، ترفرف بجناحين من الرقة و الحب ، أربكتها و أربكت أفكارها التي شوشوتها سهام نظراته ، وما كادت سيارة الشرطة تغيب عن ناظرها حتى اخترق رنين الهاتف شرودها ، استلته مسرعة ، وإذا بنفس الصوت المبحوح يهدد من جديد..