رحيقٌ من حريق ..
أول رسالة إلى قلبي
قد طالما ياقلب أرهقتُ نبضُكَ بالرفيف حتى شققتُ شغافكَ من كثرة النزيف ,
وحملتُ شعوركَ اللطيف الرهيف مُحلّقاً في شعورٍ رقيقٍ رقيق حتى يكاد أن يخفَّ أوأن يطير إلى حيث " صخرة الملتقى " فارتطمتَ مراتٍ عدة في ثباتٍ وتجلّدٍ عنيف , وتخدّشتْ مشاعركَ البهية المشرقة لكنها عادتْ مُكدّرة مغبّرة كاسفة
فاتها التّحملَ , وخانها الثباتُ , وسخر منها التّجلدُ في برودٍ مخيف !
ومن ثم بعدَ كلّ ذاك سريتُ بكَ نحو الدّجى في ليالي القمر حيث المناجاة والسهر ورحيق الوداد " الأمير " وروعة الحياء الساحرالعطاء , ونفثة الشوق البليل في خمارٍ سندسيّ جميلٍ البوح , مُعتّقاً بروحٍ الورد في مخملٍ أحمرَالشعور ظنّا مني أن هناك قلباً شفيقاً يُسامركَ الودّ في ليلكَ المفتون بكَ , والمفتون بسحرِ الوجدِ العتيق , فإذ به يسقيكَ وداً ممزوجاً " بودٍ خبيث " تعافه نفسكَ الشّماء , وتعافه كلّ عروقكَ المشحونة بالإباء فتتفجرُ فيكَ كلّ مسالكِ الغضب " غير الرشيد "
ويهوي بكَ القهرُ في كل وادٍ سحيق !
فعذراً منكَ ياقلبُ أن أخْلقْتُ نياطكَ بكثرة النّواح على ما تولى وراح .
وعذراً منكَ أن قلبّتكَ حسب أهوائي لا حسب هواكَ , أو جرجرتُ إحساسكَ نحو إحساسي لا حسب رضاكَ , أو علّقت نياطكَ فوق سمائي لا فوق سماكَ .
وعذراً إليكَ إن اخترقتُ شغافكَ بهُداي الضّلّيل لابهداكَ النيّر البَصِيرْ , أو وَتّرْتُ أمنكَ بالبكاء وبالرجيفْ , وخرقتُ سكونكَ بنبضٍ سخيفْ .
عذرا أيها المؤودُ في " قلب " قلبي أن وأدتكَ حيّاً في تربة الأحزان وأهواء نفسي الموبوءة بالتّعس وباليأس وبالبؤس , والموعودة بالحظّ التعيس وبالدّمع الأنيسْ .
أبرأ إليكَ من حسّي الضريرْ , ومن هوايَ الغِرّ الصغيرْ , ومن سمائي المملوءة بمُزُنٍ من شهيقٍ وزفيرٍ لاتُحسنُ غير الإمطارِ بالحريقْ !
كما أبرأُ إليكَ من هُدايَ المُضلّ السّمينْ , ومن بكائي ومن رجيفي ومن نبضي السخيفْ .
أنا ياقلبُ ماسلوتُ عنكَ إلا إليكَ , ولا ماهربتُ منكَ إلا إليكَ فلتعذر تخبّطي في الإهتداءِ إليكَ على نورٍ من ربّنا المولى الذي رزقني إياكَ ورزقكَ إياي الذي لولاه ما تخطابنا معاً , ولا – وهو الله – ماتآنسنا معاً , أو كتبتَ لي وكتبتُ لكَ , أو ألهمكَ بي وألهمني بكَ !
سبحانه واهب الوجدَ فيكَ وكل معنىً هو عندي فوق الحياة وفوق الخيال !
وسبحانه مُجري الشوقَ من عروقكِ في دمائي أتوكأُ عليكَ , وتتوكأُ عليّ في دروبٍ لانهاية لها إلا إليه تعالى , وكلانا مُتخذٌ الصبرَ مطيةً , والتّوجعَ زادَه , وكلّ شواهدَ آيهِ فسحةً في رحابِهْ , ونصرةً بها عن عذابهْ , ونسياناً عن كل " ما " أو " من " عكّرَ مائي فيكَ أو ماءكَ فيّ فانعطفنا على كلينا نصُبّ في راحتينا نقاءنا وزكاتنا وبهاءنا وسمونا وطهرنا والجلال ودفقات الجمال , ننفضُ عنّا ماتلطّخ بنَا من سوءات البلاء العجوز كيما نعود من بعد نغتسل بحبه الأسمى - تعالى - عن كل هذي الدنى وعن كل هذي البرية !
إيهِ ياقلبي المُرشّق بالوردِ من بارود , ياقلبي الأسير في نعيمٍ من جحيم ,
يا قطعةَ النبضِ المعلّقة فوقَ أسمالٍ من بقايا عظامٍ لطيورٍ كانت تُغنينا .. نُغنيها معاً !
وآه يا – ويحَ قلبي – بمَ أناديكَ وقد انهزمتُ أمامكَ جرّاء ما اقترفتْ يدايَ بكَ
وخرّ بين يديكَ عقلي وكلّ جوارحي تلقاءَ مشاربها العمياء فيكَ ونحوكَ ؟!
آه – ياويح روحي – من حريقكَ بحريقي , ومن حريقي بحريقكَ !
تهتّكَ الشغافُ بالشّهيق , وتدلّتْ دماؤكَ سياطاً تذرعُ الوادي الذي بيني وبينكَ بالتّضجّر وبالصّياح وبالتّسخّط المُتعملق النّعيق !
عُذري إليكَ أنّي جاهلةٌ بكَ وبرفعتكَ وبسموكَ وبفتونكَ وبكلّ طيوبكَ , وبكلٍّ عطرٍ يجري في شرايينكَ , أو بكلٍ زهرٍ نما فوق شغافكَ من قديم .
وجاهلةٌ أيضاً بنمير شعوركَ المخلوق من نورٍ مَهيبٍ مخلوطٍ بمسك الشّهيد الخالد هناك في النعيم .
عُذري إليكَ أنّي لا أستحقكَ وأستحقّ قلباً من جليد ..
أو قلباً من حديد ..
أو حتى لا أستحق قلباً !
بيني وبينكَ مالاينتهي أبداً من الإعتذار الشاهق الجسيم !
ليتني كنتُ في نعيمكَ الحبيب عصفوركَ الشادي البهيم ..
أوليتني كنتُ في نعيمكَ الحبيب عشبكُ السّاجي المسجّى من ماءِ الكتاب المبين
أو من ماءِ سماءِ ربّ العالمين لا ليّ ولا عليّ غير أن تمطرني بحبكَ ورضاكَ عني ثم أحيا معكَ بحبّ " النور " ورضاه عنا " يوم النشور " في حبور .
ليتني ماكنتُ أنتَ , ولا كنتُ أنا !
لكن ...................................
سلامٌ عليكَ في الأولين وفي الآخرين
وسلامٌ عليكَ يوم خُلقتَ ويوم تموتُ ويوم تُبعثُ حيّا
والعُتبى إليكَ إلى يومِ الدّين .
وغفرلي ربي إغضابكَ وإهلاككَ وإرهاقك و .............؟
غفر الله لي !
وجمعني بكَ قريباً في أحسن حال .
/
/
عطاف سالم
12 / 9 / 1430هـ
صباح يوم مطير بريح الموت !