لفحتني برودةً قارسةً ، إتخذتُ من جسمي القرفصاء ،أخبطُ بيدي يميناً وشمالاً باحثةً عن شرشفي ، كنت التحف بهِ نصفي الأسفل..فلم اجدهُ ، يبدو إنهُ سقطَ ارضاً..حاولتُ التغافلَ عن فكرةِ الغطاء . وأوهمت نفسي بقليل من الأحلام الندية ،لأتغلب على الرجفة السارية في أوصالي .. تكورت أكثر طلباً للدفء، محاولةً العودة لاغفاءتي بحلم لذيذ ،كنت بطلته وفارقني في أولِ لفحةِ برد .
غادرني النوم ،قمتُ محتضنةً يدي صوبَ النافذة المشرعة للبحر ،والمتوسد لموجاته ، مددتُ يداي لغلق رتاجها الخشبي.. إستوقفني بعضاً من ظل رجل يسارع بالوقوف أمام نافذتي ..أنه هو زائري.. تبادلنا النظرات.. سرحتُ بعيداً ، أفقت من ذهولي، وهممت بغلق الرتاج ، إستدار للبحر يرتب عدتهِ....مازال سحر اللحظة ينتشيني .. أسرعت بخطاي صوب المخزن لأأخذ عدتي، والنزول للشاطيء ليس فقط من أجل إنتظار شروق الشمس بل لأراه عن قرب .
حاولت جاهدةً إيجاد بعض من إحتياجاتي الضرورية ، فلم أعثر على أغلبها ، يبدو إن أيديهن قد طالتها ، وحسبوا إني في إغفاءة طويلة بسبب الجهد الذي قمت به في ليلتها من إعدادات لزواج إحداهن ،ولن أصحو لغاية عودتهن ، لكن لم يكن في حسبانهن ، إن الريح قد سامرتني ونقلت لي عطره ،لتمنحني دعوة الأستلقاء على شاطيء الاحلام..
نزلت مسرعةً بقبعة كبيرة تغطي أغلب وجهي ونظارة سوداء أخفي بها لغبي ..وأعتمر شالاً زهريّ اللون يتناسق مع لبسي ، لأتجنب اللفحات الباردة ،عانقت قدماي شاطيء البحر بشوق ،مبتعدة عن مَدِه ِ قليلاً ، إفترشت الرمال ومعي جردل من الأفكار الساخنة والمترقبة .. وقصيدة يتيمة لم أكملها بعد ، وورقي وقلمي ، للأفهمه إني هنا من أجل تدوين ورسم شروق الشمس ..
بضع أمتار تفصلنا ،إتخذ من إحتضانه لساقيه ركيزة لذقنه ، شاخصاً بنظره للأفق البعيد.
لااعرف بماذا يفكر..؟ حركة غير محسوبة مني ، إلتفت إليهِ ،حين مَدَ عنقهُ صوبي مستنشقا لنسمات الهواء المختلطة بعطري النافذ ... إرتسمت إبتسامة الجيوكاندا على ملامحي .. إعتبرها جوازاً لمروره .. جاء وبرفقته قدح كبير أظنه من القهوة ..
أردف قائلا : هو لكِ، قدح من القهوة الكورسيكية لتشعري بالدفء ..( ليس بمقدوري رفضها إنها كورسيكية وكما أُحب فواصل حديثه معي )
- وسأجالسك لننتظر الشروق .. جلس مفترشاً لرملي وأختلط عطرانا .. أشاحت بواكير الفجر عن خدها الناعس بخيوطٍ أرسلتها الواحد تلو الاخر من أشعة الشمس الغافية .. راسمة شحوب لونها على صفحة خدي ..
- رفع قبعتي ونظارتي ، قائلا: لأنظر كيف سيرسم إنبلاج الفجر خيوطه على وجهك .. أزاح بعض من الخصلات المتدلية ، زاد حدة بريق عيني ووهجها بحمرة الخيط الأخير من الشمس ...
سألته هل تأتي كل يوم ؟
- نعم أرقب نزولك وما تفعليه على الشاطيء .. وبعد كل هرم تنحتيه من الرمل وتأبطك لحاجياتك ..أجلس مكانك ... لأتنفسك وأقبل ندى يديك على الهرم .. وأضع بعض من أفكاري راسماً باباً وفي أعلاها نوافذ مقفلة .. لأوهم نفسي بانه بيتنا .. وأستنشق ما تبقى من أريج عطرك
- ضحكت ..
- أول مرة أسمع ضحكتك
- إضحكِ مرة أخرى وبصوت أعلى ، دعيها تغتال الفجر وتحاصر الشمس لتخرج من غيلان نومها .. لتمنحك الدفء
- شعرتُ بحنو ظلهِ
- ليسورني بمعطفه
- مرتبكة هممت بالوقوف تناثرت أوراقي ، نسيت إني أحتضنها .. بدأ يلملم أشلائي المتناثرة.. فكري ورحيله عني بسعادة غامرة .. قلبي وإرتجافات عروقه ..قصيدتي اليتيمة التي حاول أن يطويها بعيداً عن ناظري ليدسها في بنطاله ..
- هل ترسمين أم تكتبين الشروق ؟
- أرسمه بحرفي (إلتحفنا بالشمس .. وسرى الدفء في أوصالي .. بدأت أفرد ساقي .. لأستعدل في جلوسي )
- وأنت؟
- أرسم..
- كم لوحة لك؟ ..
- الكثير
- ما عناوينها ؟
- أنتِ
- ضاحكة ..وكيف؟
- أنتِ والبحر ، أنتِ والنخيل ، أنتِ والقبعة، انتِ وقلبي الذي لايستكين .. أتعبني حبكِ ...
- دعينا نرسم أحلامنا .. رأيت لهفتك بالنزول على الشاطيء .. مدى إرتباككِ.. نزولكِ السريع دون أن تكثري من لبسك .. خوفاً أن لاتلحقي بي ..دعينا نرسم بيتا لنا ، ليس هنا على الرمل ،بل في قلبينا ..ناقراً بأنامله على صدري
- لكن ... ؟
- لاتدعي الأخرين يرسمون حياتك .. لأنك سوف تجهدين ولا تعرفي كيف ترضيهم ..
- مشيراً لقلبي .. دعيه يتنفسني ، سأسمع عصف نبضاته
- دعيني ألمسه ليهدأ .
- إمتهنا الصمت..وعشنا خيالات من ترف الحب
- وأفقنا على جلبة للعديد ممن جاء ليحظى بدفء الشمس
- وقفت لألملم ما تبقى لي من أفكاري الساخنة التي تسربلت من جردلي وأصابت عقلينا ، تأبطت قبعتي وأودعته معطفه ... إستنشقه بعمق .. غارقاًً وجهه فيه .
- اليوم أنتِ برفقتي سالتحف بهِ ليلاً
التوقيع
ذات كأس، مترع بالغروب، وعلى حافته تتسكع شهقة ليل .
الكاتبة والأديبة فاطمة
رائعة قصتك ...عشتها معك ولفحتني نسماتها
أعجبني هذا المقطع الصغير منها رغم روعتها كاملة
ولكنه قانون ليتنا نطبقه ..لعشنا بسلام مع ذواتنا
لاتدعي الأخرين يرسمون حياتك .. لأنك سوف تجهدين ولا تعرفي كيف ترضيهم ..