يوم رأيتك‘ كانت الثمانية عشرة سنواتي كلها ‘حملتها على كفي باقة ورد ووضعتها أمامك‘ كان الربيع يضج في قلوبنا ‘ يتفتح يصر على البقاء بين أصابعنا ‘ في حدقات عيوننا ‘ بين مسامات أجسادنا ‘ في القلب والروح ‘ في نبضات الحياة التي لا تتوقف .
سيارة الفورد القديمة البيضاء ‘ سيارتنا تنهب الارض الجرداء ‘ تاركين مدينة البصرة في الجنوب ‘الى الابد انا وامي وابي وشقيقتي الصغرى واخوي الاثنين والكلب والليل والظلام يغطي كل شيء توقفنا عند مدينة العمارة وأمام دار الاستراحة كان النهر يلهو بموجاته الصغيرة المتلاحقة التي تتلألأ تحت ضوء القمر الفضي والذي كان يبدو كبيرا بشكل غريب ‘جلست وحدي على الاريكة الخشبية دخل الجميع الى البهو الكبير وجلسوا هناك متعبين ... أروح لمين .. كان صوت ام كلثوم يغطي المكان كله ويرافق موجات ماء النهر ويصعد الى النجوم ويستقر على وجه القمر ‘هناك قرأت اروح لمين لا ادري وانا استمع لتلك الاغنية ماذا أصاب أعماقي ومشاعري وأنا بعد في تلك السن الصغيرة غير ان الحب في أفكار مراهقة قد لا يعني شيئا ‘ أفكار متبعثرة تضج في الداخل وتبقى مهما كبرنا يقولون الحب الاول لا ينسى ابدا ‘هل يمكن حين رأيتك كنت انت حبي الاول وكما أعتقدت بعدها لانك سكنت هنا وبقيت الى هذه اللحظة سمه ما شئت حبا جنونيا حقيقة خيالا و لا يهمني ولا يعنيني ان كنت تحبني ام لا كان لدي الكثير الكثير من هذا الحب ويكفينا نحن الاثنين كم سألت نفس في تلك السنوات من انت ؟ ومن تكون وهل تشعر بتلك النبضات العذبة التي احس بها يوم رأيتك من حقي ان اسأل لانك اصبحت في حياتي شيئا مهما اتتبع اخبارك اعيش وكأن حياتي بدأت منك وكذلك ستنتهي بك ايها البعيد المتخفي خلف ضباب كثيف كنت دائما هكذا لا اراك ولم ارك الا نادرا وبععد اصابع اليد كنت شيء هلامي لا يمكن الوصول اليه كان بين اسرتينا قرابة واضحة ولكن كانت تلك القرابة سببا لعداء خفي امتدت جذوره من الماضي لم اكن اعرف كل هذا كان علي ان اعد المرات التي رأيتك بها وقد لا تتعدى أصابع اليدين مع عدد من السنين التي اكثر منها بكثير كنت اتساءل لماذا لماذا لم يجمعنا القدر ولا مرة واحدة معا ؟
ربما حصل هذا ذات مرة ووجدتني
أمشي
بجانبك بعد ما اقترحت ان توصلنا لموقف الباص انا وصديقتي يومها تعجبت لم لم اصطدم بالقمر من فرط ما بدا قريبا مني
اروح لمين.. ومن يومها كانت معي ما دمت انت معي
كانت تلك الاغنية تهزني تملأ كل ذلك الفراغ الذي أشعر به تسري في أعماقي تغرقها وتتلاشى تلك المياه حتى تجف تلك الارصفة التي كانت تعاني الظمأ كم بحثت عن وجهك بين الوجوه الكثيرة التي تصادفني وبين الوجوه في خيالي ‘الذي كان جامحا ايام كنا نرسم على مقاعد الدراسة في اكاديمية الفنون قسم الرسم كنت تحتل كل ساعات نهاري أتحدث الى زملائي الطلبة نضحك نتمشى نأكل في مطعم الطلبة وأنت معي لا أدري كيف كنت ترافقني كظلي وحين أبحث عنك وانا انظر الى أصابع يدي كي أمسك يدك تلك اليد التي تمنيتها مثل كل الناس ان نعبر الشارع وانت تمسك يدي لأشعر بحمايتك مرة واحدة ان تكون للحظات لي انا وبعدها اذهب .
أروح لمين
غربة لا تتحمل لفتاة شابة اذهلها الحب كنت دائما اطلب من الطلبة ان يرسموني اجلس لساعات دون حركة كي افكر فيك لا شيء يزعجني ما دام استاذنا موجود كان الهدوء اللذيذ يحيط بي يهدد الحلم الذي اوشك ان يصيح بي وامام كل هذه الدنيا لماذا لا تكون هنا وبين الطلبة لماذا لا تكن معي في المطعم وادعوك على تناول فنجان قهوة يا لغربتي وشعوري بالوحدة وانت لست هنا ومثل كل مرة لم اكن اعرف مشاعرك او ماذا الذي تفكر فيه اسالك دائما الى اين ؟ وانا الى اين ؟ .
يوم تخرجك كنت هناك في كلية الطب وكنت في النادي وكنت انت هناك أمامي تماما رأيتك وابتسمت نهضت من من مكانك وجئت الى المكان الذي أجلس فيه .. يا الهي هل يمكن ان تختلط الامور فيصيبح الحلم حقيقة والحقيقة حلم كما الموت والحياة من كأس واحدة لم تكن تدري ولم يخطر ببالك بما انا افكر ولماذا جئت لا يمكن ان تعرف من هذه الفتاة الخجولة وقد تضرج وجهها بحمرة قانية انها افنت سنوات عمرها لاجلك ‘ وانت تخبرها عن يوم تخرجك وستصبح طبيبا بحجم الدنيا وتدعوها لمشاهدتك في باحة الساحة الواسعة في احتفالات الجامعة والطلبة بأروابهم الفضفاضة السوداء يستلمون شهادات تخرجهم .
قلت لي -
: تعالي يمكنك الحضور
قلتها لي ‘هل كنت تريد فعلأ ان احضر احتفالك وماذا كنت تحمل لي هل أحببتني ؟ انت أيضا ؟ ام جئت بدافع صلة القرابة بيننا ؟ وقد كان احتفالك احتفالي وفرحتك فرحتي وابتسامتك الاسرة هي ابتسامتي ليتك تعرف كم احببتك يا رجل وعشقت طيفك طوال عمري
اجبتك : لا يصعب علي ان اجئ وحيدة لأحتفال كهذا ؟كيف ..هذا ما اذكره من قبل حزمة السنين التي مرت بعد ذلك اليوم
اروح لمين ؟
الاغنية في الراديو الكل نائمون الا انا اسمعها فتسافر في وفي جسدي كله
ولحد امتى حتبقى انت
والشمتانين
واروح لمين واقول لمين
ينصفني منك
ينصفني منك
الصيف بجوه اللاهب والشتاء وبكاء المطر والربيع بزهوره ونظارته والخريف الشاحب الحزين كل هذه الفصول تمر دائما وانا اتساءل
اروح لمين ؟
اروح لمين ومين حيرحم أساي؟
واقول يا مين.. ومين يسمع نداي.. ؟
لم يتغير شيء الدنيا تسير والايام تختزل أعمارنا تخرجت انت قبلي بسنوات ‘وعملت طبيبا في مدينة اخرى وأغلق ملف الاحلام والأمال جميعها فقد اصبح لقاك مستحيلا لم تبق في المدينة التي كنت أحس بوجودي فيها ما دمت انت فيها ولعل بعض السنين لا تساوي شيئا امام عظمة الحب وجبروته وسمعت بانك ذهبت للتخصص في مجال عملك ولعل الهاوية ازادت اتساعا والبعد ازداد طولا والحياة ازدادت مرارة لا أدري كم مر من السنين وكارت صغير اعطاها لي أحدهم صدفة لطبيب عائد من أوربا يحمل شهادة التخصص التي ذهب لاجلها صعقت لان الكارت كان يحمل اسمك‘ وسمعت انك تزوجت وسمعت انك أنجبت اولادا و.. و ..
وانا بعد كل هذا تزوجت أيضا وانجبت اولادا وسرت في طريق لم أرسمه يوما لنفسي..
واروح لمين تتردد في انحاء مكان اكون فيه فأغمض عيني وأتالم بصمت ..
طول ما انت غايب
ما ليش حبابيب
في الدنيا دية
الفكر سارح
والهجر جارح
يا نور عنيي
شوف دمعي جاري
سهران في ناري
ولا انت داري
في السهرانين
وبعد مرور ربع قرن من الزمان وقبل ايام قلائل كنت تقف على عتبة دارنا انت وزوجتك واولادك ودخلتم وانا في دهشة من أ مرك وفي داخلي أستيقظ كل الماضي وكل الحاضر وتضارب موج البحر الذي احتفظت به لك ذلك البحر المتلاطم الامواج من حب جارف لم تكتب له الحياة و تلك العاطفة الهوجاء التي أطاحت بكل آمالي واحلامي وانت لا تدري.
لم اصدق انك اليوم أمامي ولا أدري كيف احتملت أنا وقوفي على اقدامي ولم اتهاوى واسقط .. وحين جلسنا على العشاء . تراكمت كل تلك المشاعر وأخذتني الى الماضي اأسترجع فيه اياما لا تعود
وكان هذه المرة الاخيرة التي رأيتك فيها وكأن يد غريبة اسدلت الستار على كل شيء.
انا وثمانية عشرة سنة ودار الاستراحة في مدينة العمارة وام كلثوم تغني تلك الأغنية التي سمعتها لاول مرة ولم اكن ادري انها ستبقى جرحا أبديا ينزف في كل مرة اسمعها فيها
النص كان معبر اكثر من الاغتية مع الاعتذار لسيدة الطرب
الف شكر
اهديك اولا اغنية اروح لمين التي توقفت في النص فلنسمعها هنا
شكرا لعذوبة ما تكتب وشكرا لانك عشت مع مشاعر حقيقية لم أكذب ابدا ان ابطال القصة ما يزالون على قيد الحياة وما زالت ام كلثوم تغني ولكن بقيت الذكريات والذكريات فقط دموع حقيقية لا تزول الف شكر لك لانك قرأت
هذه القصة موجودة في مجموعتي القصصية التي صدرت هذا العام بعنوان أحزان لهذا الشتاء
الاستاذه سوسن سيف المحترمه
كانت كلماتك عذبة كالشهد وقصتك ابدا حقيقية مرت على الكثير من شباب وصبايا ان لم يكن الجميع ولن اجامل فهذه الاغنية الراعة اهديتها لمن احببت وما زالت تعيش في الوجدان
مع تحياتي
يالله ..!!
ماهذه الرّقة والعفوية في الحب والكتابة ؟
واخترت أغنية يصرُّ عليها زوجي في كل رحلة نقطعها من مدينة إلى أخرى
طول ما انت غايب
ما ليش حبابيب
في الدنيا دية
الى الغالية كوكب
شكرا لك وانت تحلقين في مجاهل قصتي التي كتبتها في بدايات الكتابة كنت صغيرة غير ان مشاعري كانت اكبر مني بكثير وها انت تعيشين معي بذات الذكريات الف شكر لقلبك الكبير مع اجمل تمنياتي