· اقتسم الوقت الرتيب والهواء الملوث مع النافذة..كل حواسه مرهقة تتنمل!!حتى طيور الاشجار السابحة في فضائها الذي تعوَّد على التغريد .. صامتة والوقت مقفر وربما تكون أيضا قد هاجرت كما كل العصافير التي تضجر من رتابة المكان .. يحتاج الإنسان إلى كثير من الوقت لكي يستوعب أيضاً أشياءً أخرى غير الوهن ..لكن ذهنه بدأ يصفى بعض الشيء .. ثرثرات تتناهى إلى إسماعه من أفواه رجال عاطلين عن الحياة تكتظ بهم كراسي غرفة الاستقبال..يرغون حول خروف العيد والملابس وبني وليد ومصراتة والمصالحة والحياة المربكة..ابتسم ساخراً وهو يستمع إلى صوت تناهى إليه : نحن شعب متخلف!! لايدرون ربما أين التخلف أصلا؟؟إذا لم يكن في التجمع على أنقاض رجل مرهق من المرض..اقترب منه ابنه الودود:ماذا تحس ؟؟بالقرف قال..أريد فضاءً لابشر فيه ..إذهب واجلس مع الضيوف فهم مسلين للغاية إنهم يتندرون على مفتاح الذي يريد البقاء لوقت آخر وزوجته تصرخ به من الداخل..فلتأخذ هذا الشيء معها وتذهب ، لا حاجة لأحد به..أنسل الولد..فهو يعرف جنونه عندما يتجلى السخط فيه..تهافتت كل مقاليع الحزن عليه من آثار الوهن الغريب لكنه استغرب نفسه كأنه ليس هو ..إنه لايشعر باليأس..حاول ان ينتقي بعض الهواء النقي ..ظل يبحث عنه كمجنون..وكأن الهواء بإمرته!!تمنى لو أنه لاحاجز بينه وبين البحر..البحر اسرار .. البحر حنون .. بقسوة البحر ليس من السهل ان تكون صديقه ..فإما أن يقبل بك وتحافظ على مكنوناته وإما أن يرميك في مجاهله ثم يقلبك من مكان إلى مكان يهمس لك بكل أسراره ثم لن تبوح بها لأحد لأنه سيرميك جثة هامدة على شاطئ مهجور بعيد ولذلك الذين يغرقون يحملون مفاتيحه معهم ولن يتمكنوا من البوح ؟؟!!تقول الأسطورة الشعبية ان البحر يأخذ قرابين كل عام..البحر لايحتاج قرابين..إنه فقط يرمي الجثث الصامتة التي لاتجيد المقاومة او الحفاظ على أسرار جزره وصدفاته. · كان الوقت قد دنا موعده ..لايدري حتى ماذا سيقول ؟؟لم يعد لديه ما يمكن أن يقول لكنها ألحت عليه وهو يعرفها منذ سنوات طويلة..كيف سيذهب وهو في قلب هذا الحصار من اللحوم النيئة الفارغة من كل شيء..كيف سيبرر خروجه الآن ولوحده..لكنه لم يفكر كثيرا فهو حر من كل القيود.. أصبح حراً من أي سؤال..خرج من باب الحديقة إلى الشارع..سمع ابنه يناديه..لم يرد..لحق به..نظر إليه نظرة ودودة : إلى أين؟؟ وكل هؤلاء الزوار ؟؟قال:إلى حيث لا أفق غير البحر..دعني أوصلك على الأقل واطمئن عليك..رمقه بنظرة يعرف كنه الجنون فيها لديه ..تراجع وتركه.. · نفس المكان الذي لا تخطئه الذكريات منذ سنوات..كانت الحديقة مزهرة كالعادة والورود من كل صوب يخطر على البال من خلف المحيطات..يعرف ذوقها وجنونها بالورود..كانت تسمي له كل زهرة وتاريخها وأصولها..مايزال البيت الزجاجي الذي تفوح منه روائح الياسمين وخضرة الأشياء كما هو..يعرف أنها ليست من النوع المبتذل ولا الرخيص ناضلت من أجل حضانة طفليها حتى تعرضت أحيانا للمسخ والتشويه والمعارة..لكنها استمرت في إصرارها..مجرد استقبالها له يعتبره إصرار على النضال..كان الجيران يرمقونه بنظرات عدة لكنها ليست مشوبة بالشك لكبر سنه ربما.. · هذا الحوض خصوصاً اهتم به منذ سنوات إنه يحتوي وردة نادرة..يتذكر انه رآه في زيارة سابقة وقالت له :إنها ذكرى من زوجها أحضرها لها من جزر الكناري اسمها منقار الببغاء.. كانت هديته قبل أن يذهب في رحلته الأخيرة ويتركني للوحوش الضارية تتقاذفني كدمية كل منهم يشدها نحوه لكي يظفر بها..أو يتذرع ليحرمها من ملاكيها الأشقرين. · هي ذاتها لم تتغير .. ألوجه المستدير والعينان ذات الألوان المتعددة يقدح منهما الذكاء والحزن ... والقلب الدافق الواثق ..تعرف أني أثق بك..هل تريد الجلوس خارجا أم ندخل..لك مطلق الحرية..فضَّل الجلوس في البيت الزجاجي ..كانت المنضدة الأنيقة وكأنها جزء من زينة المكان.. · قلقت عليك .. مابك؟؟قالوا انه لم يكن مرضاً عضوياً..عهدتك غير ذلك..مازلت ذلك الطفل الحنون الذي تشده الدهشة من كل الأشياء كما يبدو على ملامحك التي لم تتغير ياصديقي..لقد كتبت لك كلمات في صفحتك لعلك فهمتها !! نعم فهمتها قال..قالت:أنت تربكك المواقف الصغيرة لأنك تتدفق حناناً حرمت منه طوال حياتك..لابد انه اتصل بك الكثيرون أثناء وعكتك..فهل اتصلت تلك الأسطورة القديمة..؟؟نعم اتصلت قال!!وماذا قالت لك؟؟قالت: لا تذهب إلى الفناء أرجوك وتماسك حتى لا أختنق..تبا لأمثالها قالت..لقد كرهتها منذ أن غادرتك..لم يعد لها مكان في قلبي قال .. هي ذكرى من الذكريات الميتة ..انت تحتاج إلى امرأة قالت..كادت ان تقول على لسانها:أنا طوع أمرك..هي شجاعة ويعرفها..مررت أناملها على وجهه..لم يحس بأي شيء..لقد فعلت الكثير لي في وقت المحن..ماذا أستطيع أن أفعل لك..تعرف إني صريحة ومباشرة ليس هناك من روائح باقية غير روائح زوجي..لكنك حالة تختلف.شعرت بأن أناملها لم تغير شيئا من ملامحه..سحبتها ..ولكنها حافظت على رونقها وتماسكها...أنا أريد أن أفعل شيئاً .. قالت..افعل شيئاً يبقيك على قيد الحياة مهما كان الثمن .. شعرت أن الحزن سيقتلك ولن يبكي عليك احد حتى هي أياً كانت...لن يبكي عليك سوى نفسك..أحس بأن كلماتها بلسم يجري في جوانحه..أنت تحتاجني..لن أراوغك فلم يعد في القلب مكان لغيره..تقتلني الرتابة من العمل والنفاق الاجتماعي ولا أثق وأنت تقتلك أشياء كثيرة.دعنا نلاقي الحزن مع الحزن ونكون صرحاء في العواطف.[كادت ان تقول لولا عزة نفس..خذني].أم اني لم أعد جميلة؟؟ثم ابتسمت في خجل..قال:أنتِ جميلة..لكن الجمال لم يعد يشدني..كما تشتاقين إلى روائح زوجك.أنا أيضاً أشتاق.أحتاج إلى روائح منديلها لكي أشمه كل يوم ولكنها غادرت دون أن تفي بوعدها.قالت:.أحيانا تلهينا عظمة الأشياء عن التفاصيل الصغيرة.فلا تلومها قد لاتقصد...أنت محظوظة لأنك تحتفظين بروائحه ..أنا ليس معي غير قبض الريح والهواجس.. · هل ستكتب عن هذا قالت؟؟اذا سمحت بذلك قال..قالت لا بأس كن صريحا قل كل ما في نفسك ومباشرا ولا تجمل الأشياء فلا اخجل من شيء.الذي يحاول أن يمنعك من كتابة الواقع هو أناني مرتعب!!.قال : أشكرك.ربما غيرك لن يسمح.إني اكتب لنفسي كثيرا ولكني لا انشر. · عدني بأن تكرر الزيارة.قالت.يمكنك المبيت في أي وقت..كان الطفلان يحومان حولهما في براءة وجمال نسخ من وجهها الجميل..قل كل شيء ..لا تخشى شيء إذا كتبت لنفسك فقط..ستحرم الناس من التجارب. · كررت :يمكنك المبيت إذا لم تكن هناك موانع ، يمكن أن نجلس ونتسامر معا.كنا كثيرا معا ولم يحدث شيء.أحس بالاطمئنان معك دائما وهذا يكفيني..أم أن هناك موانع!!..قال لها: هذا من الموانع التي ألغتها حبيبتي من حياتي فأصبحت طائرا طليقاً. · وهو في الطريق..تراءت له وهي تقول.. · ألا تريد؟؟ · قال لنفسه:لا بل أريد..لكني لا أستطيع..لم اعد أثق أصلا..بأن هناك من تستحق أن تمحو آثارها . أو تدوس عليها..تظل هي ذاتها..
هو كما هو ..تمر السنوات ، يغيب من يغيب ويبقى كما هو يحمل أفكاره ومعتقداته بين الضلوع .. لا يشارك فيها أحداً هو كما البحر حتى لو امتلكنا مفاتحه يظل عصياً
اشتقت لحرفك أيها المبدع محمد السنوسي الغزالي
دمت بخير
مودتي
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
هو كما هو ..تمر السنوات ، يغيب من يغيب ويبقى كما هو يحمل أفكاره ومعتقداته بين الضلوع .. لا يشارك فيها أحداً هو كما البحر حتى لو امتلكنا مفاتحه يظل عصياً
اشتقت لحرفك أيها المبدع محمد السنوسي الغزالي
دمت بخير
مودتي
سيدتي ومن يغفل عمن يتذوق
انت هكذا حتى في كتاباتك
رغم كل الضارين
تظلين انت:
البحر نفسه بكل اسراره
وانا نقطة فيه
شكرا ايتها الباذخة في الجمال...ازدهار
شرفتنيي