كثيرا ً ما أوعزت ُ لنفسي أن تصغي لي جيدا ً عندما أتكلم ، وفعلا ً حالما ينطق لساني تكبر أذناي كثيرا ً ويتوسع حجمهما وتقتربان من فمي حتى أني وصفتهما أكثر من مرة بالتملق لهذا الانصياع الذي جلب لي اتهامات باطلة ، كنت أريد أن أسمع أي شيء أقوله ولا أخفي على نفسي الأمارة بالسوء دسائسها مهما كانت بذيئة ..
مرة خرج أبي من المستشفى بعد فشل عملية جراحية للمرة الثانية على يد أمهر الجراحين ، كان الوجوم يخيّم على بوابة المستشفى وخاصة الطبيب الجراح الذي أبدى مهارة فائقة في الندم ، توافد الناس على أبي حالما وصل المنزل ، حضر الأقرباء من بغداد والبصرة والنجف حتى زوجة أبي المطلقة منذ عشرين سنة حضرت ْ عند سماعها الخبر ، الناس تتوافد وأبي يبرئ الذمم صدرت الأوامر أن أتولى شؤون الضيافة والترحيب بالناس وإعداد الطعام والمبيت إضافة إلى قراءة الشهادتين عند رأسه وتغسيله ودفنه ، انقضى أسبوع ثان ونحن نطبخ والمنزل ضاج بالأقرباء خاصة الذين يكيلون لنا تهم الأبهة ، كل ليلة نقرأ الشهادة عند رأسه وهو يبرئ الذمم ، يغادر فريق ويصل فريق ، صرفنا ما أعد لمراسيم الدفن والفاتحة وما يمكن أن نرث ، الناس تتوافد ونحن نصرف ، في الليلة العشرين وأنا ألقنه الشهادة للمرة العشرين أبلغته بأني أنفقت ُ كل ماخلّف لي ، نهض من احتضاره وصاح بصوت مسموع شجع نفسه أن يكون واضحا ومسموعاً .. العملية ناجحة وأنا أتماثل للشفاء .. وابتلع ما تبقى من حياته ..
الأستاذ سعدون
دائما تأخذني مهارة السرد في نصوصك إلى قلب الحدث
وكثيرا ما ألتزم الصمت أمام دهشتي وأنا أكاد أعيش ذلك الواقع الذي نقلته إلينا
أو أخذتنا إليه...وبكل مافيه من تناقضات !
تحيتي وتقديري لك
تجيد رسم الصور وتجعلها تنبض بالحياة لنشاركها الحدث
نص بالرغم من نهايته الموجعه إلا ان فيه من المعاني ما يستحق التوقف واعادة القراءة للغوص فيما وراء الحروف
دمت بخير
وزادك الله ألقاً
تحياتي
قرأت نصاً أحالني إلى الغرائبية نوعاً ما ، لكنه وكما قال الأستاذ عمر مصلح مرسوم بلغة رمزية ، حائمة حول مقصد بعيد ، بلغة السهل الممتنع .. وهذا ما أراده الأستاذ القاص البيضاني ، ليعطي للنص مساحات أكبر من التأويل القرائي ، وسحب القارئ إلى المنطقة التي تقترب من دائرة علاقات عواطفه .. وهذا أمر لايتحكم به إلا قاص محترف
الأستاذ القديرسعدون البيضاني
كنت رائعا كما أنت
تقديري الكبير ومحبتي
كنا نعلم جميعاً بأنها تحتضر وعلم بذلك الأهل والمعارف والأصدقاء وتوليت أنا متابعة علاج أمي الذي أوهمناها أنه علاج فعلا وليس مسكنات ..قطعاً علم بذلك الأهل والاقرباء فاستضافونا إقامة قسرية يبارونها الذمة ويتشهدون لها وأنا تهت ما بين متابعتي لحالة أمي وقلقي الشديد وحزني الذي أحاول أن لا أجعلها تراه وبين خدمة هؤلاء الضيوف كم كانت أعدادهم لا أدري وكنت في كل يوم أسحب مما أملكه كي أقوم بواجب الضيافة وتعدى الأمر خمس وأربعون يوما ً ووفود تأتي وأخرى ووفود تغادر ووفود وجدت في الإقامة الدائمة توفيراً لتكاليف السفر ..ولكن ماذا عني أنا ..؟ لم أكن أنام الليل فالألم يشتد ليلاً وكان النهار حركة لا تنقضي حتى جاء تلك الليلة التي بقينا فيها وحدنا خاصة أني انفقت كل مالدي ولم أعد استطيع توفير ما تتطلبه أصول الضيافة .. خلا البيت فجأة في تلك اللة ربطت ذراعي بذراعها كي أشعر بها لو داهمني النوم لكنها صحوة الموت باركتني حينها وقالت أنها راضية عني في الدنيا والاخرة
حين جاء الصباح غادرت بهدوء وأنا أنظر اليها فحسب ..
لا أدري لماذا أثار القص عندي تلك الحالة التي ترافقني منذ رحيلها .. ولعلي أجبت فيها عن بعض ما أراد الكاتب المبدع أن يقوله بوضوح ..
احترامي وتقديري
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..