هيَ مدينتي التي تسكنني ، أحببتُ تُرابها وهواءَها وتراثَها وتاريخــها وحاضرها ، أحببتُ صُمودها وتضحياتها وعدم انكسارها رغم توالي العواصف البربرية التي اختارتها من بين مدائن الدنيا ، طريقتها في وداع أبنائها الشهداء ، حفظها لتاريخهم وأسمائهم ..مدينتي هذه الأنثى الجميلة ، فاتنتي التي تعلقتُ بها قبل تفتّحِ عيوني ، اسمها المنقوش على جدران الروح
كم يطيبُ لي الحديث عنها ، وكلما غادرتها لا تغيب عن خاطري .
كم تشبهين مدينتي في حضورك في تفاصيلي الدقيقة ، هكذا أنتِ تتفردين بين كلّ النساء كما تتفردُ هي بين كل المدائن والعواصم ..أيّ قدَرٍ هذا الذي يتركُ القلبَ هائماً بينَ عشقين ِمُحاصرينْ !
في حديثنا الصامت ، كثيرة هي المفردات التي لم يحملها البوح ، ربما الخوفُ من اللاشيء كانَ سببا ً في حجبها ، ربما الوفاء لمن سبقوني في الوصول لمرافيء قلبك المُحتلّ ..ألم أقل لك : ما أصعبَ أن يتعلقَ المرءُ في حبّ مدينة مُحاصرة لا يستطيع لها الوصول ! ما أصعبَ أن تكونَ الكلماتُ هي الجسرُ الذي يقودني إليها ، هي الكلماتُ ذاتها التي تقتربُ من ذاكرتك دون انتباه ٍ ، تبتسمينَ لها ، تتأملينَ ملامحك في حروفها ، تُعيدينَ قراءتها بمزيج من الفرحِ والكبرياء ، تعترفينَ بصمتٍ عن حبّك ِ لهذا الرجلَ الذي استطاعَ أنْ يقرأ ذاكرتك ، أن يعرف َعنكِ كلّ أشيائك ِ التي تحتفظين بها بداخلك ، أن يكتبَ عن كلّ ما تشعرين به دون أن تبوحي له بشيء ..أحببتهِ حتى تتمكني من إكتشاف ِ ما لا تعرفينه ، وربما أحبّك ِحتى يتخلصَ من كل ما أحبّه ...أيّ حبٍّ هذا ؟
لم تكوني أنثى تُحبّ القراءة ، وتجذبها أبياتُ قصيدة ٍجميلة ، ولمْ أكنْ رجلاً تُحرّكُ قلمه ملامح فتاةٍ جميلة . كنتِ ببساطة ٍ جدا عالماً مليئا ًبالمشاعر النقية والأحاسيس المرهفة ، تملكين قلبا ًلم يستطعْ المكتشفون َالوصول إليه واكتشافه ، كنتِ كتابا ً جميلا يحتاجُ لقاريءٍ يعرفُ قراءته بعمق ، وكنتُ باحثا ً عن جدارٍ أستندُ إليه ، يقيني البردَ والخيبات ، يمنحني القوة للسير في طريق بلا مخاطر ...ما الذي قادَكِ إليْ ؟ ما الذي جعلني أتوقفُ أمام َ ملامحك ِفي صدفة ٍغريبة...؟ أتأملُ فيكِ شيئا كأنني أعرفه من قبل ، أو ربما كنت تحملين ملامحا ًلأنثى تشكلتْ في وجداني قبل ألف عام .
"تعترفينَ بصمتٍ عن حبّك ِ لهذا الرجلَ الذي استطاعَ أنْ يقرأ ذاكرتك ، أن يعرف َعنكِ كلّ أشيائك ِ التي تحتفظين بها بداخلك ، أن يكتبَ عن كلّ ما تشعرين به دون أن تبوحي له بشيء ..أحببتهِ حتى تتمكني من إكتشاف ِ ما لا تعرفينه ، وربما أحبّك ِحتى
يتخلصَ من كل ما أحبّه ...أيّ حبٍّ هذا ؟"
الأنثى لها عالمها المليئ بالتفاصيل الصغيرة لكنها تراها جديرة بالاهتمام، وتبقى في حالة انتظار لمن يأتي ويرى هذه التفاصيل بعمق لتمنحه مفاتيح قلبها..كثر هم العابرون دون ان يلتفتوا لهذه التفاصيل لذلك من يتوقف عندها لابد وأن يكون مميزاً..
هذا ما تريده الأنثى..تريد من يقرأها دون أن تنطق بحرف..يغوص بتفاصيلها بروح المغامر..يفاجئها ويدهشها بكل ما يعرفه عنها..