عزف عني كل شيء جميل ،حتى الحب امتهن الصمت والهرب بعيدا عني ،فهاجمتني كآبة سافرة حين استدرجت من قبل صديقه لموضوع الحرب . فلذت بغياب فكري عن واقع الحال .
أما ندى أخذت الموضوع على محمل الجد ، سينتظر أخوها دوره، ليطبق عليه فكا الموت ، هكذا تدمدم .
التقينا جميعا في بيت صديقه سعد إلا هو. قد جاء متاخرا بساعة عن الموعد .
قال : اغفروا لي هفوتي بنسيان الموعد . نافثا دخان سيجارته بتسلي ، غير مبالي بالاناشيد الوطنية التي ما ان تذاع يعني ذلك ان الموت قادم ، والحياة ستنقلب راسا على عقب .
سألته بعصبية واضحة : اما يثيرك ما يجري ؟
- وماالذي يحدث ليثيرني !
- انها الحرب
- وان يكن .. لنا ظهور جلدة ،لاتبتأسي فهي زادتني عمرا على عمري ، أما ترين الشيب قد غزى مفرقي . وانا على مشارف الاربعينيات ولم اتمكن من الزواج منك . أذن أضيفي سنوات الحرب القادمة .
تدخل سعد لينقذ الموقف : دعونا نفكر كيف سنحتفل بزواجكما قبل ان تغادرنا لجبهات القتال .
- اي زواج سعد! ، الامر مفروغ منه ، انه الموت المحتم .
كان نشيج بكاء ندى واهتزاز كتفيها ، يزيدني رعبا من القادم . التفتَ صوبها قائلا : ارجوك كفي ، لان البكاء يزيدني بؤسا ، انتبهي للامر لاتكرريه او تفتحي الموضوع امام والدتنا .. نظرت اليه وكانها تنظر له اخر مرة ، تريد ان تكتنز عينيها تفاصيله . عاد ليحدثني بصوت مسموع ، قررت اليوم ان نسترد الخواتم ، ولنبقى اصدقاء ، وان عدت سالما بعد انتهاء الحرب ، هذا ان انتظرتي رجوعي . سنلبس الخواتم مرة اخرى .
أثار الامر حفيظة سعد ، ما ان رأى تقاطر دموعي وامتهاني للصمت ، قائلا : مابالك لم ارك قنوطا بهذا الشكل؟ ، كلنا معك سنذهب وان اختلفت مواقعنا القتالية ، كونك طبيب سيكون موقعك اخطر منا .. لكننا سنعود بالاجازات لاهلينا .
لم ننتبه للوقت ، سرقنا وتجاوز بنا الساعة الثانية ، وكانت هي ساعة الصفر ، دوت اصوات الصواريخ ، خارقة سماء بغداد الجميلة
وكانها تعبرنا ، زاد اقترابها منا ، اصمنا صوت الانفجار وعفرتنا رائحة التراب ، بت لا اسمع صوتا لاحدهم . خفت ان امد يدي لاتحسس من حولي ،وان لزوجة قد أطبقت على شفتي وملوحة الدم تستفزني ، وملابسي مبتلة ، شعرت بقرسة برد وبقوة الهواء في المنزل.. لااعلم هل من شدة الانفجار ، اقتلعت الابواب ام كان استهدافاً لبيت سعد المجاور للمستشفى العسكري ؟ بقيت دون حراك هلعة ، لحين رؤيتي لاول خيط من الصباح .. تلمست جسدي لارى من اين انزف ؟ وجدت جثته هامدة ، وخاتمي بيدي ، وخاتمه يحتضن بُنصري، وشظية تستقي دم قلبه ، واخرى نحرت عنق سعد ، وندى تئن بصمت ، تحت جثة سعد.
___________________
المجموعة القصصية - حرائق حرب
التوقيع
ذات كأس، مترع بالغروب، وعلى حافته تتسكع شهقة ليل .
آخر تعديل فاطمة الفلاحي يوم 11-26-2009 في 01:30 PM.
رائعة.. وكأني أعيش الحدث يا فاطمة ، الرعب الذي يتمكن من النفوس ومع ذلك نجد من يستقبل الموت ببرود بالغ لأنه يعيش حياة الموت كل يوم؟؟ يارائعة شدتني هذه القصة لقدرتك على اقتناص اللحظات بتفاصيلها المُرة وموتها البطئ الذي أحياناً لامناص منه ، وهنا تريدين القول أن من عايش الموت لابد أن يقول [ انه الموت المحتم] ولابد له أن يودع في كل لحظة المُحيطين به ولابد أيضاً ان يؤجل كل شيء لما بعد الحرب حتى تنتهي [إذا انتهت] ، ثم تصرين على موقف الوفاء حتى الموت ..فالخاتم مايزال شاهداً على حُبٍ بهيٍ كان سيرى النور لولا سدنة الحقد.. وردة على جبينك الوضاء سيدتي.