إنه إفلاس متعدد على المستوى النفسي والاجتماعي ، وأشدهم على نفسية البطل هو فراغ الجيب الذي يدل على الفقر المدقع والبطالة ... عوامل خلقت صورا مشتتة على رقعة حياة مثقوبة، بل لوحات تتعدد فيها ألوان المعاناة، قوامها الاغتصاب والتسول ، والدعارة والمجون..وضعية قد تشمئز منها النفس وتضطرب لها الجوارح ، فكأني بالسارد يطرح سؤلا ضمنيا : لمن نحمل المسؤولية؟ تاركا فرصة للقارئ أن يتعامل مع هذه الوضعية المزرية بالفكر والعقل والدين والأخلاق ...وضعية قد تكون تتشابه فيها مجتمعات معينة ما زال أفرادها يحنون إلى الانتشاء برائحة الفحش والتسيب والفوضى وخلق الفتن والحروب من أجل زعزعة أمن البلاد تحت غطاء الحضارة العصرية التي بنيت على المصالح الاقتصادية وإنهاك الأوطان..
إنه التفسخ بجميع أشكاله وكأن مصائب الدنيا تكالبت على هذا البطل البائس .. فهو لم يصنع هذه الحياة بيده بل صنعها له آخرون ، فأبسط ما يقدمون له هو الشتم والسب مما دفعه إلى الانعزال والهروب ، قد تكون الضباع أرحم لما تمزقه وتجعله أشلاء متناثرة .. بطل فقد كل شيء ، فماذا تبقى له؟ سوى إنهاء حياته بنفسه.
على مستوى البناء الفني للقصة ، قد نتخيل أن السارد قال كل شيء ، والواقع نجده قدم لنا صورا صامتة معبرة وناطقة من تحت الألوان، نقرأها بحسنا وشعورنا لكي نحدد موقفنا منها، لنميز بين المتخاذل والمتواطئ والانتهازي والوصولي والمواطن الحقيقي .. فقد بني سرده على متواليات سردية تنبض بإيقاعات جاءت على شكل التماعات توقظ العقل وتدغدغ النفس والذات منها : هي زوجته، / هو ابنه /هم والداه/هم أصدقاؤه/هي ابنته/ هو بيته/..هذا هو / فبعد سرد الحالة يأتي الضمير ليجعل الحدث قائما داخل صورة حقيقية شاهدا على الجرم والتشظي والتشرذم والتبعثر الأسري . وهي فنية أدبية أعطت للنص قوته ومنحته محفزات قوية للتأثير والتأثر في القارئ .
نص يعبر عن مقطع من حياة أسرة طالها الظلم والطغيان ،مقطع قد يبدو ضيقا ومحصورا في مكان معين وزمان معين ، لكن هذا المقطع من الممكن أن يكون دعامة لرواية تاريخية أوسع وأشمل، تتشابه أحداثها في كل المناطق التي يشملها التناحر الطائفي العبثي من أجل الاستغناء والتفرد بالسلطة ومآرب أخرى .
استعمل السارد الجملة التالية / الصور المستقبلية/ ولم يقل /الصور الماضية أو الحاضرة / فكأن البطل يرى أنه عاين الوقائع في الحاضر وهو متأكد أنها لا نهاية لها وسوف تستمر في المستقبل بأشكال مختلفة.لأنها تتكرر كل يوم وكل سنة ..
إفلاس /عنوان منتزع من رحم النص ،لم يقتصر على مفهوم ضياع المال ،بل يشمل ضياع عدة مقومات تنبني عليها الحياة ، فقد أفلس الإنسان وأبلس حين نكل بأخيه الإنسان على المستوى النفسي والجسمي والاجتماعي .... فرغم أن هذه الجملة التالية/ المصاب بفايروس الإفلاس,/تكررت كلمة " إفلاس/ في النص ،فإننا يمكن اعتبارها كاشفة لجانب من دلالة العنوان..ومع ذلك يبقى العنوان مختارا بعناية ،معلقا في سقف النص كنور دوار يضيء مساحات معينة من جسد النص.
نص كبير وعميق ،لا يعرض المشاهد وكفي ، فالسارد يلتقط الأهم من الأحداث فقط ليجعلنا في خضم وقبح ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، وسلوكه المشين الذي يستفز القارئ، لذلك ارتكز السارد على ما يثير شعورنا لهول المصيبة وفداحة ما تولد من اختلال على المستوى الأخلاقي والديني .
هكذا قرأت هذا النص الجميل والمؤلم آخي المبدع المتألق مشتاق عبد الهادي ..
دمت مبدعا .. مودتي وتقديري .
فغلا ،لا أحد بستطيع أن يقبض على الكون ،الكون غير محدود ولا يدركه العقل ، فالكون الذي يتحدث عنه النص هو كون صغير صنع على قد هذه البطلة التي لا تستطيع أن تتنفس من ثقل مسؤوليات قد تساهم في بناء الحياة . ولكل واحد له كونه الخاص ومدارته الخاصة به يطوف فيها بحدود معروفة. رغم أن أكوان الأشخاص قد تتشابه وتتداخل ،كل واحد يتصرف في صناعة كونه /حياته بقدراته الخاصة وإمكانياته المادية والمعنوية ..
تكلم النص عن الحياة الداخلية للبطلة وما تعانيه في ظل واجبات التي تحولت إلى هموم مقلقة تنفر النوم وتستدعي مخاطبة النفس ومساءلتها ،فضمنيا تقول :ما هذه بحياة ..؟ لم تغفل الساردة بربط حياة البطلة الرتيبة بالحياة الخارجية بجملة سردية مختصرة / البلد تغلي.. / جملة دالة على عدم وجود استقرار اجتماعي يضمن سيرورة الحياة في أمان ،فالخوف والرعب والتشريد ... وغيرها عوامل مرتقبة في كل وقت وحين .
قابِضاً على ما تبقى من الكون../ ما نفهمه من هذه المتوالية السردية أن ما تبقى من الكون قد بدأ يتضاءل وينهار ،مما ينذر بعجز تام في مواجهة هذا النوع من الحياة .. فماذا كانت النتيجة؟ توسدت ذراعه / حركة تدل على الاستسلام وترك الأمور تصنع نفسها على مقاس قدرات هذه الأسرة المنهكة ماديا ومعنويا واجتماعيا. فلم يبق إلا التغني بحياة شبيهة بقصيدة شعرية تؤرخ للوقائع والأحداث ،ولم لا ؟ فكم من آلام كانت مصدرا للإلهام والإبداع .
صورة اجتماعية منتزعة من الواقع الاجتماعي ،خاصة المجتمع العصري الذي جر ويلات كثيرة على البشر ،فبقدر ما هو جميل بقدر ما جاء بمتاعبه وشروره .. فالحضارة والحداثة لهما ضريبة كبيرة على نفسية الإنسان ،فمن الصعب أن يعيش الإنسان في مجتمع متكامل الجوانب والاحتياجات ،فهو يبقى دائما نصف مجتمع وأقل من كون رحب يتسع للقلوب والذوات.
نص جميل وضع يده على أزمات اجتماعية داخلية وخارجة يعيشها كل إنسان بعيدا عن الآخر رغم أن هناك قواسم مشتركة بين أفراد المجتمع في المجتمع الواحد والمجتمع المختلف ..هكذا قرأت هذا النص العميق على المستوى الدلالي واللغوي ..
جميل ما كتبت وأبدعت المبدعة المتألقة عروبة ..
مودتي وتقديري
قراءة الأديب الفرحان بو عزة لدى مروره بقصتي "دللّول"
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرحان بوعزة
تحية كريمة الأخت المبدعة سولاف ..
قرات نصاجميلا يتقابل فيه الحس الداخلي للنفس المتخيل في الزمان والمكان مع الواقع البعيد في صور تتكامل
لتضع صورة تشخص حالة البطلة وهي تسترجع وتتذكر وتتخيل ،بحيث توزع نفسها وذاتها وفكرها وخواطرها
بين هنا وهناك ،بين زمان ولى ،وبين زمان يتكون بعيدا ...
بطلة تطاردها الهواجس ،تتشكل في الغياب ،تعيش تحت وطأة الوحدة والفراغ ، واجترار الذكريات التي مضت ،
وانتظار فرج قد لا يتحقق في ظل الاتساع الجغرافي ..إنه الإحساس بعدم جدوى الحياة، فالبطلة محاطة بيأس حاد وإحباط يحد من حيويتها وحركتها ..
نص حقق جودته من حيث جمالية اللغة الشاعرية التي أشارت ولمحت دون أن تفصح وتصرخ ..
جميل ما كتبت وأبدعت ..
مودتي وتقديري /الفرحان بوعزة
صرخ المتهم بجملة "يحيا العدل" لما تأكد من جرعة المال أنها أعطت مفعولها في تخريب العدالة ،وإمالة البراءة إلى جانبه .وما صراخه إلا نوع من التحدي والفوز والنصر ..
وضعية نطق الحكم بالبراءة خلفت ردود أفعال لكنها لم تكن فاعلة لتغيير مجريات الحدث ، فللقضاء كلمته ،وللجمهور كلمته وهما متناقضان على مستوى الفعل والأجرأة. وضعية مكشوفة ،واضحة ، تكرس الظلم والباطل وتخفي الحقيقة التي اختفت مع القاضي والمجرم .
جميل لما عمدت الساردة على تصوير مشهد المحاكمة دون تعليق أو تعقيب أو شرح لما حدث ،فهي عرضت الحدث كما هو في قالب سردي يغلب عليه نوع من السخرية والتأسي ..
عمدت الساردة لتبديد حيرتنا لما غيرت المكان والزمان ، فكأنها أسدلت الستار عن ما جرى في المحكمة . وفتحت كوة أخرى ضيقة عن ما يجري في البنك ،غاب القاضي ،والمتهم ،والجمهور... فحضرت امرأة تتسلم المال من مدير البنك ،حدث يجري في الكواليس ،حادث الرشوة وضح لنا فعل القاضي وسرعته في نطق الحكم ، وخروجه بسرعة من المحكمة ربما خوفا من الاحتجاجات.
جاءت كلمة "امرأة " في النص نكرة ،ربما هي شخصية مقربة للقاضي ،زوجته ،محامية ...المهم هناك تواطؤ سافر في الإجهاض على العدالة .
النص يعالج قضية اجتمعت فيها ثلاثة أشياء : المال ،التواطؤ على قتل الحقيقة ، إشاعة الظلم . خيوط محبوكة ، متماسكة تم نسجها في الخفاء ساهم فيها كل من القاضي ،والمرأة .والمجرم .أعتقد أن مثل هذه الحوادث كثيرة وموجودة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة .
وليس بغريب على أصحاب المال أن يستغلوا هشاشة الأجهزة القضائية لإفلات المجرمين من العقاب والقصاص. فلا مكان للأمن والاستقرار بدون عدالة واستقامة القضاء .
نص جميل منتزع من الواقع الاجتماعي ،صيغ بفنية أدبية متميزة ،لم يقدم لنا السارد المعلومة جاهزة ودفعة واحدة ،بل كان هناك تدرج في تمريرها للقارئ للتأكيد والتحفيز على التأمل والتعاطف والدفع إلى التغيير الممكن ..
جميل ما كتبت أختي المبدعة المتألقة سولاف،هكذا قرأت هذا النص ..
مودتي وتقديري
من خلال التفاعل القرائي للنص يتبين أنه يبرز حياة متشعبة داخل عالم متناقض ، ورغم هذا التشعب عمل السارد على إخضاعه للمراقبة والترصد والمتابعة الدقيقة ، عالم يعج بالحركة والحيوية ، تتداخل فيه الأحداث وتتشابك ،ولكل حدث زمن معين رغم أننا نتخيل أنها تجري في زمن واحد ، فالبطل ليس هو الفاعل الوحيد في هذه الأحداث ، بل هناك شخوص فاعلة تؤثث الخطاطة السردية وتساهم في بناء نص أدبي متكامل ..
انطلق الكاتب من بداية محددة هي / داخل الفصل/ كنقطة بدأت تكبر وتنمو ، جرفت معها أحداثاُ أخرى مست نفسية البطل وكادت أن تعصف بمسار حياته .. أحداث تركها السارد تتابع مجراها في رتابة زمنية ، فعدم الذهاب إلى المقهى ،وعدم زيارة البطل لخطيبته ، وعدم رد السلام على البائع ،هي أحداث مألوفة غير مؤثرة في حياة المدينة ، ولكنها بدت نتائجها على نفسية البطل من خلال تغير في سلوكه وأفعاله وعاداته ..
بسرد هادئ تارة ، وسرد صارخ في صمت ، رسم لنا السارد حياة جمعت من كل المتناقضات التي تبدو في الظاهر فوضوية ولكنها في العمق هي فوضى رتبها الكاتب ونظمها على مقاسه لضمان استمرارية الحياة بشكل طبيعي داخل النص وخارجه ...
كشف النص عن تناقض كبير بين / فضاء الفصل / و/ فضاء الشارع / رغم أن الأول يكمل الآخر ، الأول هو فضاء التربية والثاني فضاء ضياع هذه التربية / سب وشتم / الأول يربي ويهذب الأخلاق ويحافظ على الرسالة النبيلة ،والثاني يضيعها ...
في خضم هذه الحياة استطاع السارد أن يكشف تشنجاته الانفعالية التي يخفي وراءها مأساة ذاتية ونفسية ، فضلا عن المأساة الاجتماعية والتربوية التي يحمل أوزارها رجل التعليم دون أن يحس به أحد ..
ــ هكذا أنتم معشر المعلمين... كأنكم تحملون أوزار العالم فوق ظهوركم ..
نص غني بالدلالات المبثوثة بين ثنايا النص، وعبر جغرافيته العميقة يعيش البطل بين عدة متناقضات منها / النجاح والفشل / الاعتداد بالنفس / الشعور بالإهانة / الأمل / التشاؤم / التفاعل مع الآخر / التفاعل مع الإنسان العادي / قوة العاطفة الإنسانية / خلق المربي وصفاته الحسنة / عدم الإحساس به / هضم حقه في الترقية والانتقال / الانعزال والانطواء / الإنصات للغير ومساعدته / ....
نص أدبي متميز يتأرجح بين تعرض البطل لتدمير الذات ومحاولة بنائها من جديد عبر محطات انتقالية بين ما يجري في الشارع وبين الخلوة التي يعيد فيها ترتيب أفكاره .. فقد تعرض البطل لعدة انتكاسات نوعية وعاطفية ومادية .،إلا أن أهم انتكاسة في حياته هي : امتناع التلميذ عن تنفيذ ما أمره به ، مما عرض حياته إلى هدم نفسي وذاتي ، غيرت مجرى حياته في السلوك والتصرف والتفكير ، فاهتزت علاقته بالناس ، بالجيران ... وبنفسه وذاته ..
نص أدبي لا يتعيش من الواقع الظاهر فقط ، وإنما يتعيش من تحت جلباب هذا الواقع ، بتركيزه على هموم الآخرين ونسيان همومه ، فاعتناؤه بالتلميذ وتشجيعه كان كافيا لتبديد ذلك التحدي الذي نغص عليه حياته، بتجربته وحنكته استطاع أن يعيد لحياته توازنها، رغم أنه كان يجهل الأسباب والظروف التي يعيشها هذا الطفل من قبل ..
نص جميل وغني بالدلالات العميقة التي تمس جوهر الواقع النفسي والاجتماعي والتربوي ، بفنية أدبية متميزة استطاع الكاتب أن يشد القارئ من بداية النص إلى نهايته، اعتمد على لغة بسيطة لكنها عميقة في توصيل الفكرة شفافة واضحة .. حقا شدتني طريقة السرد والحكي المتدرج الهادئ مما أكسب النص جودة فريدة متميزة ..نص ممتع وغني.
أتمنى أن لا أكون قد خدشت هذا النص الجميل بقراءتي الذاتية والانطباعية المتواضعة، أتمنى له قراءات أخرى أفضل وأحسن.
محبتي وتقديري أخي الشاعر والمبدع المتألق ، رشيد الميموني صاحب الكلمة الأدبية النقية.
عند مرور الغالية سولاف هلال على نص الأديب الفرحان بوعزة (هدية)
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سولاف هلال
هدية.. ممر جيد للدخول في صُلب النص
منذ تشكل وعينا الأول ونحن نعرف أن الهدية لا تهدى ولا يفرط بها لأي سبب من الأسباب .. والهدية كانت وستظل لغة تترجم مشاعر الود والتقدير والاحترام .و هذا هو سروجودها حتى الآن في عالمنا الحافل بالمتغييرات،و غالبا ما يكون لها الفضل الأول في ترميم أي صدع يصيب العلاقات على أنواعها نظرا للسحر الذي تحمله معها أينما حلت وفي كل زمان ، فالهدية تعمل عمل حمام الزاجل الذي يحمل رسائل الحب والخير والسلام.
لكن ثمة مفاجآت دائما وغفلة وثقة في غيرمحلها حيث أن الهدية هنا لم تصن ولم تصان .. هدية كشفت المستور و لم تحرك في الابنة سوى رغبة أطاحت بكل شيء .
فمن يفرط بشيء بإمكانه أن يفرط بكل شيء وهذه الابنة فرّطت بسمعتها وحياتها قبل أن تفرط بأبيها وسمعة أبيها الذي مكّنها من السلاح الذي أجهزت على نفسها به دون أن يدري ودون سابق إنذار.
الأديب الفرحان بو عزة
قصة مؤثرة من واقع الحياة
فهذا هو واقعنا اليوم ..الذي يثير الشوق فينا لأيام خلت .. أيام بريئة كبراءة الناس الذين أثروا وتأثروا بتلك الأيام .
دمت بخير مبدعنا
أثبت النص مع التقدير والمحبة
هنا تجاوزت كل حدود الزمان والمكان وجعلت من حفنة من الكلمات قصة بل رواية بكل ما تعني الكلمة أو ما يعني هذا الفن فعشناه بمقوماته بل أضفت على ذلك بلوغ الهدف ونشر الرسالة بأيسر سبل وما كان بالايجاز المخل بل سرد جميل وصلتنا مشاهدهدون جهد وما كان هذا الا ذكاءا من كاتب فقه التعامل مع هذا الصنف من الادب فأجاد
غذاء الروح أدسم ،حقيقة عرفناها من خلال معرفتنا للأخلاق والسلوكات السوية وخاصة حين نقارنها بالغذاء المادي فشتّان بين الاثنين ولكن قد تقتصر على الشبعان فتكون من باب الحكمة والجمال الروحي
وقد تقال من باب الحرمان حين لا يتمكن الفقير من غذائه المادي فيعزي نفسه كونه يمتلك من الغذاء الروحي ما يغنيه عن أيّ غذاء مادي.
أمّا عبارة خدّر جوعه فكانت العبارة الام التي أشارت إلى دلالة العبارة الاولى وما زاد الموقف حسرة وألما وأفاض كأس الجوع والحرمان هو التهامه لوليمة روائح الشواء،يا له من تعبير رمزي يفضي ألى مشهد ساخر مؤلملشريحة الفقراء المحرومين.
سلمت أفكارك
قراءة الأديب والناقد الفرحان بو عزة لنص *في العراء*للأديبة بن صافي ليلى_ أم أمين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأديب الفرحان بوعزة
_رسمت الساردة مسافة مكانية بينها وبين من تتحدث معها ، فالرؤية البصرية ممتدة من نقطة معينة /خلف الزجاج/ والعراء . حيث توجد الساردة في فضاء ضيق ومحدود ، وفضاء آخر رحب ،واسع منفتح قادر على توسيع الرؤية البصرية التي تنطلق من خلف الزجاج .
الفقرة الأولى لم تكشف لنا عن ما يوجد في العراء ،يبقى المرسل إليه غير واضح وإن كان الاعتقاد يسير نحو مشهد شجرة تطلب الدفء من الشمس تكابد وتجاهد نفسها من أجل البقاء في الحياة.وهي تقنية سردية اعتمدتها الساردة من أجل شد القارئ وجعله تائها بين التوقع والتخمين ،يساهم في هذه التقنية الأدبية السرد الهادئ والمتماسك بحيث لا تترك للقارئ فجوات يطل منها عن المحاور الآخر. نص مراوغ على مستوى الفكرة ومحاولة تشكيلها عبر نبضات لغوية شيقة وأسلوب أخاذ..
النص يقتسم عدة سمات إنسانية تتجلى في الشكوى المبطن بالأم والتأسي من جانب الشجرة الموجودة في العراء ، والتعاطف الذي كشفت عنه الساردة بين طيات كلماتها المنزوعة من عجزها على إنقاذها من ظلم الطبيعة ..
الواقع أننا نجد النص مبنيا على فضفضة داخلية نفسية مبنية على التأمل والتخيل وربط جسر حواري بين الساردة وتلك الشجرة التي تتأرجح بين الولادة والفناء والتجدد داخل الطبيعة.وهي مقارنة بين حياة الإنسان ومساره عبر الولادة ،والحياة ،والممات .. وحياة الشجرة التي تولد هي كذلك وتفنى ، لكنها تجدد عمرها في الكون كلما استنشقت رشاشة مطر. / ألم أقل لك سأولدُ من جديدُ/
نص جميل ،غني بالدلالات ،بني على رؤية عميقة للكون والوجود ،قوامها التدبر والتأمل والتعمق في أسرار الطبيعة وجمالها الذي قلما ننتبه له .. والمبدع مهووس بتسخير فكره وعينه وحسه وشعوره في الكشف عن ما لا يرى لكل الناس .. والكاتبة المبدعة ليلي أمين لا تبتعد عن هوس الابتكار والخلق والتجديد ،وما فائدة الأدب إن روى لنا ما يعرفه الناس...وما فائدته إن لم يسخر إنسانيته في خدمة كل ما يحيط به ، واستنطاق كل حي وجامد .
نص يدخل ضمن القصة /الخاطرة جديرة بالقراءة والمتابعة . تدفع بالقارئ أن يسكن زمنا طويلا بين جغرافية النص وجماله الفكري واللغوي ..
جميل ما كتبت وأبدعت ليلى ،هكذا قرأت النص ،أتمنى أن تكون قراءات أخرى أفضل وأحسن لتعم الفائدة ..
مودتي وتقديري
قراءة الأستاذ محمد خالد بديوي للقصة القصيرة جداً (زوبعة ) للأديب الفرحان بو عزة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد خالد بديوي
قالوا:
{ ما تأتي به الرياح تأخذه الزوابع}
حلم كبير مع أحلام أخرى منها الكبير ومنها الصغير
في (صرة) ليست في الجيب، ولا في الخزنة التي تغلق برقم
سري محكم..(صرة) قطعة من قماش ما..ربما يكون لها
خيطا من الأعلى إذا سحبناه من طرفيه أغلق..هو محفظة
وخزنة دون أرقام لا يمتلكها إلا فقير، والفقراء لديهم أحلامهم
التي لا تتحقق ومع ذلك يخبؤنها لسبب ما..يحرصون على بقائها
حية في هذه (الصرة) المخبئة أيضا. لكنه على نهر جارفـ وألقى
بكل أحلامه بعد أن استخرج (حلمه الكبير) الذي حمله الى الضفة
الأخرى:
{ هناك يصافحها، يعانقها...يقول لها كلمات بعثرتها أرياح الماضي.}
من المؤكد أنه لم ينتقل الى هناك، ولم يلتقيها..فهل كانت شطحة أغرقته
في عميق الذكريات فرأى ان حلمه يحلق في فضاء الممكن والواقع، أم
أن تيار النهر سحبه .. شعرت بهذا لأنه قبل الانتقال الى الضفة الأخرى
حدث ان:
{تقلصت المسافة بين عينيه. أسقط كل أحلامه في الماء، تحللت في صمت.}
من يعرف (الصرة) يدرك أن المرء لا يتخلى عنها بهذه السهولة. وقد يكون
معذورا لأن الحلم أكبر مما نتخيل.!!
يأتي نقيق الضفدع العجوز من بين الحشائش الميتة..فيتنبه..لكن كانت ذاكرته
فارغة..فهل تفرغ الذاكرة مرة واحدة هكذا وقبل قليل كانت (الصرة) عامرة.!
ربما الفترة الزمنية التي شطحت به كانت أوسع من اللحظة المتخيلة..والضفدع
العجوز جاء محاكيا للحال الذي وصل إليه (البطل) عجوز بين حشائش ميتة..!!
العنوان الرائع ــ عموما ــ يحملنا الى ــ الفراغ ــ الذي قالته القفلة. وما بينهما
شطحة..و .. نهر جارف الى الغرق والموت..أو الى الغرق في الحلم حد الا شئ
حد الفراغ ..وما أصعب ان يعيش المرء فارغا ..أو يكون مآله الى فراغ واسع.!
أديبنا القدير القاص المبدع الفرحان بو عزة
أينما كنتم كان الإبداع والإثراء والجمال ومتعة القراءة الهادفة
امتعني هذا النص رغم زخم أوجاعه..لكن المشهد من واقع هذه
الحياة التي نعيشها بطرق وأشكال متعددة ومختلفة..وتبقى الأحلام
رافدا قويا لأمل يغذي أرواحنا التي تصارع قسوة الحياة على أمل...