امتد خطر البوعزيزي التونسي ليحطّ بجناحين هدّتهما شيفرات العروبة ... و عدسات الكاميرا الخفيّة على أراض عربية أخرى بفارق توقيت جدّ مهم، لُغْزُه قابع بين عقارب ساعة سويسرية ضخمة تُمرّر كفّيها في توقيت متفّق عليه على خصلات ملساء، لا أشواك تغطّي حدودها في محاولة للرّدع .. و درجات صراخ منبه حزين ....
ثورات سخط و مظاهرات و احتجاجات شهدتها مصر على امتداد أيام و ليال ..
لا زال النظام متشبثا بقشّة، تزعزعها أحيانا كثيرة بركات يوم الجمعة ... فكانت الصلاة تقام و ترفع الأيادي و تتناسق الأفئدة في دعاء موحد ... جمعة الرحيل ..
و لم يرحل النظام و واصل يوم الجمعة مسيرته نحو رحيل حقيقي ... أول حمى تفتّك بعدد أكبر من المتظاهرين و الرافضين لأصالة مبتدعة ... الجثث في تصاعد مخيف و قطرات الدّم تحوّلت إلى برك متشابهة اللّون، كلّها تتّفق في كونها دماء عربية .. امتزجت على لحن واحد، في وقت كانت شعارات تهتف بالوحدة العربية و التضامن من أجل القضاء على العدو المشترك .. تلك الشعارات الخرساء التي فقدت صوتها و أصيبت ببحّة شديدة قبل أن يُقْعِدها الألم و تفقد لغتها و حركات لسانها ..
موقف محزن ...
خطابات سياسية و مقالات صحفية و قنوات تفضح أحيانا و تضخّم من هول الصدمة و الفاجعة في أحيان كثيرة ... كل الأقطار العربية تنزف ... الجرح يتعفّن يوما عن يوم ... الحمى تواصل امتدادها الشرعي الموّثق بقذيفة علم وطني .. يحوي الملايين من البصمات المشرّدة بشوارعه الملتوية و زقاقه الغامضة ..
ناقوس الخطر هذه المرة عربي و أجراس الإنذار تخطئ في برمجة ألحانها فتستعين في كل مرة بنشيد وطني من أوطاننا العربية تدّوي به في نشرات الأخبار كفاتحة خير و سبق صحفي و انفراد بعدسات هاتف خلوي كان مختفيا في أدراج مخادعة .. و كأنّه تنذّر بوقوع كارثة .. من وحي اللّحظة ولد كي ينقل الآهات على المباشر و يرصد حركة الدماء انطلاقا من الشحن و حتى التفريغ .. مؤشرات عروبة جاهزة كي يصل صداها للغرب و كي تصيب عدوى الفاجعة أقطارا لا زالت في صحة جيدة لحدود الساعة ..
عفن مشاعري لا يزال في حالاته المتقدمة . أشدّ ما آلمني كوني لم أستطع أن أتقبّل أن يسقط القناع عن أسطورة عشقي في ملهى ليلي ... أن تتعرّى سفينتي من أشرعتها على مرأى من رياح عاتية ... دخيلة .. أجنبية عني .. براية قطاع طرق ..
كنت في أيام الجامعة أرستقراطيا في الحب ... لطالما ذوّبت صقيع قلوب الكثيرات ... ما كنت لأرضى بامرأة تخلَّت عن ردائها الجليدي بسهولة و صعدت حمم مشاعري بانقياد تام .. . لتعترف أمام قدّاس غروري أنها فشلت في دحض جنون تملّكها باسمي .. و انسابت ( كقطعة حلوى في فم طفل فلسطيني تاه عند حدود شفتيه ذوق السكر من كثرة التذّوق السقيم لأرغفة ملوّثة فاقدة وسامتها و انحلالها اللّذيذ .. بمرور صائفة حزينة منكّل بها و أطياف موتى و دماء متسكّعة هنا و هناك .. حتى قطعة الرّغيف تلك فقدت أنوثتها على وقع القصف العشوائي للذخيرة و حتى يموت الأطفال المتبقين من غارة جوية مقصودة جياعا .. الموت على عزف بطن جائع له سحره الخاص و رقصاته المتباطئة كأنّها حفلة تأبين مُقامة على شرف مشروع موت يَحْضُره الميّت مستقبلا ( بعباءة فلسطينية .. عربية )، و كأنّ الموت يُقاس على كل ما هو فلسطيني .. )، انسابت في بحر متلاطم الأمواج تصارعه بوداعة شديدة فيجرفها عكس التيار و تمهيدا لغزوة منفى ..
كنت أرفض أن تحبني امرأة و تُدلي بعواصف حبّها عند أول مفترق صيف ... لا أغفر أية زلّة و كأنّني أبحث عن سبب لأواري علاقاتي القديمة تراب النسيان ... و أرحل نحو سفينة أخرى بشراع جديد ... في عزّ شتائها . متجلِّدة تماما، حتى أستعمل حيل صيفي لأغيِّر تفاصيل الفصول و تعاقبها و أرسو بسفينتي في ميناء أحلامها الوردية لأعتّمه و أنصرف .. و لن يكون الذنب ذنبي بل لفانوسها العتيق المهدّد عند كل انتكاسة سماء بالشرود فتفقد توازنها على إثر ذلك و تغرق ..
تلك الأيام كنت أحب جهارا و في مواقع مكشوفة للعيان ... و كأنّ المواقع التي تشهد الصواعق تختلف من حيث درجة استيعابها للمواقف ... ما كنت أخشى أنثى انكشفت على ضوء الشمس تحت سقف مكشوف بقدر ما اختلجني خوف رهيب خفي من أنثى الظلام تحت سقف اختلطت فيه أبخرة ساحرات فاتنات و سجائر باهظة الثمن و عطور باريسية و إنجليزية و قد تكون عربية بقيد أجنبي ....
و شالات ..
آه من ذلك الشال الحقير الذي استوقفها عند حدود قدميّ ..
دون أن تحاول تتبّع آثاري .... لأوّل مرة تنحني امرأة أمامي دون أن تصعقها شحنة الرجولة التي أملك ... دون أن يدحرجها دخان عطري الفاخر بين الوعي و اللاّوعي ... دون أن تنسكب مطرا أمام رعونة رعودي .. دون أن تسلِّم برقها المسالم لرقصة رعدية ..
دون أن يأمرها تطفّلها الانثوي بأن ترفع بصرها و تسجن بقيد عينيّ ..
امتطيت يوما نفس الحذاء محاولة مني للرّسو بمينائها من جديد .. حتى أفكّ لغز تسلّط تلك اللّيلة المشؤومة ... حتى أستطيع أن أهزم الأسئلة المتناحرة في جوفي .. و أعزل رسمها عن تصاميمي حتى لا تصاب بعدوى الانفلات ..
قصة تلك اللّيلة هي الوحيدة التي جاءت بتفاصيل سياسية تماما .. بنكهة عربية خالصة .. لأنّها تزامنت مع أحداث وطن عربي ..
أي غانية أو راقصة .. ؟؟
أي أنثى تلك التي فجّرت جنونه ؟؟ أتُراها نفس الأنثى بملامح سياسية .... ؟ لكأنّما اسْتَعَرْتُ واقعا سياسيا لأضفي عليه طابع قصيدة حب ..
رقصات التغيير التي جابت ذاكرتي تلك اللّيلة كانت يتيمة تماما ... و أنا لن أستطيع أن أكفل بؤس المعاني .. ليلة قحط و جفاف، حتى ملامحها اختفت تحت شعرها المنسدل ... حتى انحناءات جسدها تفقّدها ذلك الشال اللّعين .. حتى دخان سيجارة يُحتمل أنّها دخنّتها، تفرّق منعا لتجمّعات مغرضة ..
ذات يوم كنت أجوب الشوارع أبحث عن ظلّي الذي اختفى فجأة بين ظلال الهياكل المجمّدة ..... استوقفتني قطعة قماش تناثرت فوق جسد دمية فأردتها قتيلة لفتنتها .. قطعة تبرّأت من كل تصميم و تنصّلت من حدود قد تجبرها على امتطاء جسد غير مرغوب بمقاسات محدّدة .. كل شيء في الحياة يرغب في اختيار مصيره و أصدقائه و رفقائه لولا سلطة القدر .. لذلك تُرِكت حرّة تختار من النّساء ما تليق بمقامها المرموق و مهما كانت نتيجة الاختيار .. فهي تكفي لأن تسدّ حاجة المساحات الضيّقة و الواسعة، الطويلة و القصيرة، يكفي أن يُفصَّل جسد على مقاس رغباتها حتى تستجيب له و ما تبَّقى مجرّد قاذورات تُرمى على قارعة طريق تلتقطه شبيهات النساء .. تلك القطعة فقط ما يمكنني أن أقتنيه للذّكرى ... أي مقاس لجسد أنثى قد يليق بها، يرضي غرورها و يتلّبس هواجسي .. ؟؟ تلك القطعة المتمرّدة المكسوة بغرور أنثوي مسبق .. لا يمكنها أن تعبرني دون أن تمرّر سطحها الحريري على وجهي لتصفعني به .. حتى تلقّنني فنون التكهّن بأسرار الخيوط المتشابكة التي ترمز لامرأة معينة .. !!
عندما تتعطل الشفرة، في صبغيات الألوان تتعثر الروح في كل الخطوات، وتظل الدندنة على أوتار النفس المتأرجحة بلا استقرار...
القلق المستمر المزعج دائماً لصاحبه لايؤدي إلى الإستقرار، لذا يتكرر القلق فيضج المضاجع إلى ما لانهاية...إنها فوضى العبثية!
مع خالص الشكر والتقدير...
...........
سيدي الكريم ..
كثيرا ما أرى انّ الفلسفة هي العمق الحقيقي للحياة ..
لذلك مداخلتك لها مقامها الشامخ هنا ..
أحتفظ في حضرتك بحس التفلسف فإنني اكيد سأحتاج إلى جانبه للتفكير العميق ..
كلّ التقدير على التواجد و على الصياغة الجميلة للأفكار ..
لم أُفلت الايقاع
ولم يفلتني حرفك الذي تشبثت به وتشبث بي
من يستطيع أن ينفلت من حرف يحفر عميقا في الوجدان
رائعة .. رائعة وأكثر
رائعة أنت حياة
سأواصل بشغف أيضا
قبلة على جبينك وانحناءة تليق
لم أُفلت الايقاع
ولم يفلتني حرفك الذي تشبثت به وتشبث بي
من يستطيع أن ينفلت من حرف يحفر عميقا في الوجدان
رائعة .. رائعة وأكثر
رائعة أنت حياة
سأواصل بشغف أيضا
قبلة على جبينك وانحناءة تليق
..........
كيف يفلت الإيقاع من صاحبة الإيقاع الدافئ.. الذي لا يترجم أبدا أية مسافة حرفية ..
كعادتك حاضرة بميزة الرّقة و الإحساس الجميل ..
يسرني تواصلك و قراءتك ..
قبلة متبادلة و ألف ألف ألف انحناءة تليق ..