في العراء
خلف الزجاجِ أبصرتها في العراءِ تتكورٌ حول نفسِها ،تعانقُ أشعةَ شمسٍ آفلةً وكأنّها تستجدي منها دفئا يوقظُ أعضاءَ جسمِها المتجمدِ وهي ترسلُ زفراتِها في صمتٍ،قاومت الالمَ وحاولت إخفاءَه وراء ظلالِ الكبرياء وعنفوانِ الشبابِ و ظلّت شامخةً تطاولُ أعنانَ السماءِ بجسمِها النحيفِ .
فتحتُ النافذةَ لأشعرَها بوجودي و لأهدّأَ من روعها و أبعثَ في أوصالِها دفءَ الحياةِ ببصيصِ أملٍ فأوثّقُ بيننا خيطَ المحبةِ الذي محته سنةُ الحياة وقوانينُ الطبيعِة .
رفعت رأسَها نحوي ونظرت إلي نظرةَ سخطٍ وغضبٍ ولم لانظرة لومٍ وعتابٍ.طأطأتُ الرأسَ خجلا وعدتُ أدراجي إلى الوراء وهممتُ بإغلاقِ النافدة ولكنّ صوتا بداخلي هزّ كياني وزلزلَ جوارحي فتجمدَّ الدّمُ في عروقي وانتحرت الكلمات فصرختُ بأعلى صوتي : آه من ظلمِ الطبيعةِ.
سمعت صراخي ، عرفت أنني ما كنت لأتركَها هناكَ في العراء تكابدُ الاهوالَ لو استطعتُ ،
صحيحٌ أنني كنتُ أراقبُها صباحَ مساءَ وهي تصارعُ من أجلِ البقاءِ ولكن ما باليدِ حيلةٌ ويدُ القدرِ فوق أيدينا.
ساد صمتٌ رهيبٌ مزّقتُه كلماتُها المبحوحَة :لا تيأسي سأولدُ من جديدٍ ،ألسنا نسمعُ نفسَ الموسيقى طق طق طق مطرٌ مطٌرٌ مطرٌ
فما يهمُ إن كنتُ هنا أو هناك
عاد الربيعُ واخضرّتِ الحقولُ ، فرأيتها باسمة تقاسمُ الربيعَ جمالَ الحياة والصبيةُ من حولها تنعمُ بظلالها
فنظرت إلي والقلبُ مبتسمٌ :ألم أقل لك سأولدُ من جديدُ
بقلم ليلى بن صافي
راااااائع ..
نص لغته الشعرية جعلني أتلقاه هنا (شعرا) وعندما
ذهبت إلى قسم السرد تلقيته قصة قصيرة ..ولفت نظري
ملاحظة كاتبنا الكبير أستاذي الفرحان بو عزة :
((نص يدخل ضمن القصة /الخاطرة جديرة بالقراءة والمتابعة .))
جديرة بالقراءة واضحة. لكن ما المقصود بالمتابعة!! أظن وليس كل الظن أثم أنه يحثك على متابعة النص وتخليصه من التأرجح ما بين
القصة والخاطرة..والنص بكل الأحوال متقن ومنسوج ببراعة كاتبة
تكتب تحت سيطرة مشاعر قوية وعاطفة غزيرة.. وقد قال بعد هذه
الملاحظة مباشرة :
((تدفع بالقارئ أن يسكن زمنا طويلا بين جغرافية النص وجماله الفكري واللغوي ..))
لماذا هذ الدفع (ليسكن) وزمنا طويلا بين "جغرافية" النص و...الأرض..موطن الشجرة
التي كانت تصارع الطبيعة للبقاء، وأنسنة الشجرة جاءت موفقة ومتوافقة كما قال مع طبيعة النفس البشرية لكنه يٌكمل فيقول : ( جغرافية النص وجماله الفكري واللغوي) فركز على هذا الفكر الذي لا يمتلكه إلا المبدع الذي يراه بوعي مختلف فيسخر إنسانيته بما يحيط به مستشعرا أنه الخليفةوالخلافة لا تكون إلا بالعمل.. ولن أنسى قوله : ( وجماله الفكري...واللغوي)) أي ان الناصة حرصت على ان تقدم نصها بلغة جميلة مميزة وشعرية كما قلت ..وفكر جميل لافت يوحي بأن معدل الإنسانية في حبر ودم القاصة مرتفع.
العنوان في العراء .. أظن والله تعالى أعلى وأعلم يغني عن تكرار نفس الكلمة
{{في العراء خلف الزجاجِ أبصرتها في العراءِ تتكورٌ حول نفسِها}}
ومن الذكاء إحالتي الى هذا النص الذي يقول ان القاصة
تتعامل مع كل ما حولها بإنسانية حتى مع ضيفها الثقيل
في قصة (زائرتي) ..
بقي ان أقول وبكل أمانة ان كان هذا الالقاء بصوتكم فقد نجحتم أيضا في القاء الوجع بطريقة ماتعة ..كأنها أنفاس نقية ورقيقة في رئة مجروحة.
أديبتنا المبدعة ليلى أمين
بوركتم وبورك نبض قلبكم النقي
احترامي وتقديري
التوقيع
قبل هذا..ما كنت
أميـــز..
لأنك كنت تملأ هذا
الفراغ..صار للفراغ
حيــز.!!